رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمود خليل يكتب: نحن أحباء الله.. الجنة ليست للمسلمين فقط

محمود خليل
محمود خليل

الأديان جميعها تحتفى بالإنسان وتحرم سفك دمائه، لأن الله خلق الإنسان ليحيا ويعيش، والتدين الحقيقى يعنى الاعتراف بالآخر وبكل حقوقه فى الحياة، وقد أكد كل من الإسلام والمسيحية على مفهوم التعايش مع الآخر، فالقرآن الكريم يقول: «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ».والمسيح عليه السلام كان يقول لأتباعه: «أحبوا أعداءكم وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم».

فكرة التعايش هى فكرة قائمة ومدعومة بتوجيهات جميع الأنبياء والرسل، فإيمان الذات لا يعنى نفى إيمان الآخر: «لكم دينكم ولى دين». وعبر تاريخ مصر كان التعايش هو المفهوم الذى يؤسس لعلاقة مسلميها بمسيحييها، وفى ظروف خاصة غطى مفهوم التعصب لدى بعض الفئات من هنا وهناك على مفهوم التعايش، لأن الناس كما قلت أحيانًا ما تستهويهم فكرة التحيز، ويعتبرون أنفسهم «أبناء الله وأحباءه» دون الآخرين، كما كان يردد بنو إسرائيل.
ويستمد مفهوم التعصب جذوره من عقل شعبى، يعتمد على تمجيد الذات ونفى الآخر، وارتفاع درجة التعصب لدى الإنسان يعنى البعد عن الدين الحقيقى والاقتراب بدرجة أكبر من أفكار اجتماعية مغلوطة تشجع حالة التحيز للفئة التى ينتمى إليها. ومن اللافت للنظر أن تجد أن لفظ «الفتنة» فى القرآن الكريم يعنى الابتعاد عن دين الله «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ». فالتعصب يعنى ابتعاد الإنسان عن العقيدة الدينية التى أمره الله باتباعها ليقترب أكثر من العقيدة الشعبية للقبيلة أو العائلة أو الجماعة التى ينتمى إليها، وإذا كان الإيمان الدينى مسألة فردية بين العبد وربه فإن العقيدة الاجتماعية حالة جماهيرية تتلاشى فيها ذات الفرد فى الأفكار الشعبية للجماعة التى ينتمى إليها، فالدين يعلى من قيمة الفرد، أما المجتمع فيسحقه تحت عجلاته وبين تروسه، لذلك نجد أن الفرد العادى فى مصر يتعايش بعفوية وتلقائية مع الفرد الآخر المختلف عنه فى العقيدة، ونجد أن مفاهيم كالصداقة والجيرة والزمالة تجمع بين الأفراد المصريين مسلمين ومسيحيين دون أى مشاكل، تبدأ المشاكل فقط فى الظهور عندما يعود كل فرد إلى الجماعة التى ينتمى إليها حيث تبدأ آلة التعصب فى العمل، ليتم التخلى عن مفهوم التعايش الذى أقره الدين إلى مفهوم التعصب الذى تتبناه الجماعة.
والجماعة المغلقة على نفسها لا يمكن لها أن تنجح إلا إذا وجدت المناخ المشجع والمحفز على التعصب، وهنا يظهر دور الإعلام، وخصوصًا الإعلام الفضائى. فالقنوات الفضائية، وأخص منها القنوات الدينية، دأبت على تغذية فكرة التعصب واستثمارها وتحويلها إلى أحداث يمكن أن يعيش عليها الغول الإعلامى المعاصر بعض الوقت، وإذا أضفنا إلى ذلك ما يقوم به بعض مواقع التواصل الاجتماعى وما ينشره من معلومات وأفكار مسيئة تؤدى إلى إلهاب مشاعر الشباب، وهو الأكثر استخدامًا لهذه الوسيلة، فلنا بعد ذلك أن نتصور الدور الذى يلعبه الإعلام فى تهيئة مناخ الفتن. هذه الرسالة الإعلامية المتعصبة يتلقفها مواطن يعيش فى شارع يزدحم بالاحتقانات، وهو مواطن لا يمتلك الشجاعة الكافية لمواجهة مصادر الضغط عليه، فلا يكون أمامه سوى التنفيس بالفتنة المرتكزة على الدين، لأن الدين ما زال هو الأداة القادرة على منح الناس القدر الأكبر من شجاعة المواجهة.

فالتعصب يدفع الناس للمواجهة بصورة تفوق قدرة المظالم أو المغانم على تحريكهم. فوتر التعصب الشيطانى هو الفائز دائمًا. وهو وتر تجيد العزف عليه جهات ومؤسسات ودول تريد الكيد لهذا الشعب من خلال تغذية تلك الآفة المسماة بـ«التعصب»، وتنسيهم ذلك الدرس الخالد الذى يتردد فى القرآن الكريم على مدار ما يزيد على ١٤ قرنا من الزمان. الدرس الذى تلخصه الآية الكريمة التى تقول: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».