رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أعراض أفغانية فى مصر


منذ اغتيال السادات فى أكتوبر ١٩٨١ بدأت الأعراض الأفغانية فى الظهور فى مصر بكثافة. كانت الجماعات الإسلامية تعمل سرًا، وبدأت بعد ذلك فى إعادة بناء الهيكل التنظيمى لها فى كل مدن وقرى الجمهورية. كما بدأت الجماعات الإرهابية فى التغلغل داخل الدولة والظهور بمظهر السلطة بل ممارستها فعلًا.

فقد كانوا يسيرون بزيهم المميز وهو عبارة عن جلباب أبيض قصير فوق سروال يظهر من أسفل الجلباب، مع اللحية المرسلة والسواك ظاهر فى الجيب، والحديث باللغة العربية الفصحى، وعدم إلقاء التحية على المسيحيين ورجال الشرطة، وأصبح من ينضم إلى الجماعات الإسلامية يتمتع بنفوذ كبير.

كان كل من يطلق لحيته يتجنبه رجال الشرطة ويتحاشونه، فإذا كان يقود سيارة فلا يتعرض له رجال المرور ولا يحررون له أى مخالفات، وإذا دخل أى مصلحة حكومية تقضى مصالحه على الفور ولا ينتظر. وهو الأمر الذى جعل الأهالى يشجعون أولادهم على الانخراط فى سلك الجماعات الإسلامية.
كما ظهرت الندوات الأسبوعية التى تعقد بانتظام فى أيام محددة وأوقات معروفة فى الأسبوع، وكانت تلك الندوات تعقد فى أحد المساجد التى أهملتها وزارة الأوقاف، أو تلك التى انتزعتها الجماعات من الوزارة، ومنعت موظفى الأوقاف من إقامة الشعائر بها. كما قاموا بإنشاء مساجد على بعض قطع الأرض الخالية المملوكة للدولة. كما استولوا على المساجد التى لم يحاول أصحابها تشييدها، ولم تستكمل.
وكانوا يختارون أماكن تلك الندوات فى الأماكن التى تزداد فيها الكثافة السكانية من المناطق الشعبية والفقيرة والمحرومة من خدمات الدولة. وكانت تلك الندوات بمثابة مهرجانات أسبوعية يحضرها جمع غفير من الناس، وكانوا يوزعون الحلوى على الأطفال، ويستقبلون المواطنين من أجل إفتائهم فى شئون دينهم، كما أنشأوا كتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال والصبية.

كانت أجهزة الأمن تقوم بتعيين الخدمات النظامية والسرية حول تلك الندوات أثناء عقدها دون أن تتعرض لشباب الجماعات الإسلامية، وكان خطباء تلك الندوات يشتمون الحكومة والدولة علنًا بميكروفونات المساجد، ويشتمون الرئيس والوزراء بأبشع الشتائم ويلصقون الاتهامات بالمسئولين الكبار، ويتهمونهم بأنهم أعوان الطاغوت. يحدث هذا دون أن تتصدى لهم قوات الأمن أو حتى تحاسب الخطباء على السب والقذف العلنى لكبار المسئولين فى الدولة.

وكانت تلك الندوات تعقد بعد صلاة المغرب أحيانًا، وتبدأ بتلاوة القرآن الكريم ثم تلاوة الأدعية، وبعد ذلك تبدأ وقائع الهجوم على الدولة ونظامها، وقد نال رئيس الجمهورية القسط الأعظم من السباب، لأنه لا يحكم بما أنزل الله وبعده وزير الداخلية ثم وزير الإعلام وكبار الصحفيين وكتاب السلطة ورجال الدين الإسلامى والمسيحى.
وكانوا فى كل خطبهم يطالبون بتوجيه قوات الأمن المركزى المحتشدة حولهم إلى أفغانستان للجهاد فى سبيل الله وقتال الشيوعيين بدلًا من مطاردة المجاهدين والمؤمنين.
وفى ندوة الثلاثاء التى عقدت فى ٤ مارس ١٩٨٦ فى مسجد الرحمن بمنطقة أرض المولد الشعبية بمدينة المنيا، دعا أمير الجماعة الإسلامية الذى كان يخطب فى الندوة زملاءه من أمراء الجماعات فى المناطق المختلفة إلى الاهتمام بقضايا العباد، وعدد تلك القضايا بأنها تشمل عقد جلسات الصلح بين المسلمين المتخاصمين، وتقديم الفتاوى الشرعية لهم فى شئون دينهم، وقضاء حوائجهم، وتحقيق العدالة بينهم، وإقامة الحدود الشرعية ما دام الحاكم الكافر قد نكص عن تطبيق الحدود الشرعية وإقامة العدل.