رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يسري أبو القاسم يكتب: ورقة بن نوفل "الموَّحد"

جريدة الدستور

قضى الأب وزوجته وبناته نور ويارا وجنّة أسبوعا في قريتهم "فاو بحرى" بقنا مع الأهل والأحبة. حكى لهم هناك سيرة الصديق أبى بكر رضى الله عنه، من بداية حياته حتى وفاته مرورا بإسلامه، ومساندته للنبى صلى الله عليه وسلم في كل مراحل الدعوة، وشرح لهم فضائله وكرمه، وذكر الله له في كتابه العزيز في مواقف كثيرة، ثم حدثهم عن خلافته للنبى صلى الله عليه وسلم، وكيف كان رغم لينه قويا في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم. ولمّا انتهت الزياره اتجهوا إلى محطة نجع حمادى، ثم ركبوا القطار العائد إلى القاهرة.
بكت يارا فسألها الأب متعجبا ماذا يبكيك يا ابنتى؟
يارا: كنت أتمنى أن نظل هنا لأيام، فالزيارة كانت قصيرة ولم نشبع من رؤية أهلنا بالصعيد
الأم: ولكن يا حبيبتى نحن مرتبطون بعمل والدك ومدارسكم وبإذن الله سنعود في أجازة نصف العام ونقضيها كاملة في فاو بحرى.
نور: لماذا لانقيم معهم في الصعيد فالحياة هنا جميلة وبسيطة.
الأب: كم أنا فخور بكما، أدام الله علينا هذا الود.حقا كما تزرع تحصد.حب والدى لاشقائه انتقل إلينا ثم إلى أبنائنا. والحمد لله رب العالمين.
تحرك القطار وكل يجلس على مقعده، بينما رجل كفيف البصر يجلسه شاب في مقتبل العمر، ثم يركض مهرولا حتى لا يأخذه القطار، ويقول للشيخ: سينتظرك محمود على رصيف محطة مصر، تلتفت إليه يارا ثم تهمس في أذن نور فيلحظهما الأب، فيقول ماذا بكما؟
يارا: هذا الرجل يشبه الممثل الذي قام بدور ورقة بن نوفل في مسلسل عمر.
الأم: نعم يشبهه كثيرا
نور: من هو ورقة بن نوفل يا أبى؟
يارا: لقد وعدنا أبى أنه سيحكى لنا عن سيدنا عثمان بن عفان في رحلة العوده فلا تصرفيه عما اتفق عليه
الأب: سأحكى عن سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه، وعن كل صحابة النبى صلى الله عليه وسلم حين نصل إلى بيتنا إن شاء الله.
يارا: ولماذا ليس الآن يا أبى؟
الأب: جاءتني فكرة جديدة ستنال إعجابكم باذن الله.
الأم: ماهى؟
الأب: سأحكى لكنّ عن شخصيات ظهرت في مشاهد قليلة في عهد النبى، لكنها كانت مؤثرة، ولا يمكن أن يذكر الحدث إلا وتذكر فيه الشخصية، رغم ندرة الحديث عنها في مشاهد أخرى. ولنبدأ بورقة بن نوفل.
نور: فلتبدأ على بركة الله يا والدى
الأب: كان _النبى صلى الله عليه وسلم_ يتعبد في غار حراء، فنزل عليه الوحى وقال له: اقرا، فقال النبى: ما أنا بقارئ فقال جبريل: اقرا، فقال النبى: ما أنا بقارئ، أى لا أجيد القراءة والكتابة، فتلى جبريل عليه السلام قوله تعالى (اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان مالم يعلم) صدق الله العظيم.
كان المشهد صعبا على النبى، فركض إلى بيته، وهو يرتعش فطلب من السيدة خديجة رضى الله عنها أن تغطيه ففعلت، ثم قص عليها ما كان بينه وبين جبريل عليه السلام، فخشيت أن يكون قد مسه الجن، فذهبت إلى ابن عمها ورقة بن نوفل
نور: لما اختارت السيدة خديجة _رضى الله عنها_ ورقة بن نوفل تحديدا؟
الأب: سؤال ممتاز يانور. اختارت السيدة خديجة رضى الله عنها ورقة بن نوفل، لأنه كان عالما تقيا لا يعبد الأصنام، كما يعبدها أهل قريش، بل كان ينهاهم عن عبادتها
يارا: ولماذا كان لا يعبد الأصنام مثلهم؟
الأب: سأخبرك يا يارا. لم يعبد ورقة بن نوفل الأصنام لأنه كان موحدا، قيل على ملة إبراهيم عليه السلام، وقيل كان مسيحيا. وكان ورقة شيخا كفيفا، يعبد الله في بيته، لذا لم تؤذه قريش. حتى إن أبا جهل كان يقول: لو أن محمدا كان يعبد ربه في بيته مثل ورقة بن نوفل لما آذيناه، ولكنه سفه أحلامنا أى حقر عقولنا وشق صفنا، وأراد بدينه أن يساوى بيننا نحن السادة وبين العبيد.
الأم: وهل كان ورقة وحده الموحد في قريش؟
الأب: بل كان معه عمرو بن زيد، وكان عمرو من بنى عدى، قبيلة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه.
يارا: ماذا حدث بين السيدة خديجة وورقة بن نوفل؟
الأب: لما قصت السيدة خديجة، على ورقة بن نوفل ماكان بين النبى_ صلى الله عليه وسلم والوحى، قال ورقة: قدوس قدوس، والله إن كان ما قلته حقا يا خديجة فإنه الناموس الأعظم، الذي كان يأتى موسى عليه السلام، وإنه نبى هذه الأمة فليثبت ولا يخاف.
نور: ماذا يقصد بالناموس الأعظم
الأب: يقصد الوحى
يارا: وماذا بعد
الأب: عادت السيدة خديجة إلى النبى، متهلله ومستبشرة، فأخبرته بما ذكره ورقة، ولما خرج النبى ليطوف بالكعبة، التقاه ورقة وقال له: أخبرنى يابن أخى بما رأيت وسمعت، فأخبره النبى _صلى الله عليه وسلم_ فقال ورقة: والذى نفسى بيده إنك نبى هذه الأمة. وأخبره أن قريشا ستؤذيه وستخرجه من مكة، فقال له النبى_ صلى الله عليه وسلم _: أو مخرجى هم؟ أى هل سيخرجوننى من بلدى فقال ورقة: نعم فلم يأت رجل بما أتيت به إلا عودى، ولئن أدركت ذلك لأنصرنك نصرا مؤزرا.
يارا: مامعنى عودى وما معنى نصرا مؤزرا؟
الأب: عودى أى عاداه بعض قومه، أما نصرا مؤزرا، فمعناه نصرا عظيما
نور: وهل كان ورقة حيّا حين خرج النبى من مكة؟
الأب: لا فلقد مات ورقة بن نوفل في بداية الدعوة، رحم الله ورقة بن نوفل، وغفر لهذا الشيخ الضرير الذي ذكّرنا به.

من كتاب "30 صحابيا أنصفهم التاريخ".