رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة خاصة إلى بيت حبيبة النبي.. هل خططت السيدة عائشة لأن تكون أميرة المؤمنين؟

جريدة الدستور


كانت البكر الوحيدة بين نساء النبى، لم تعرف رجلًا قبله، بنت رفيق الرسول ومؤيده الأول أبوبكر الصديق، والطفلة المدللة والزوجة الغيور وأم المؤمنين «الثائرة».. إنها «السيدة عائشة».

تبدو «السيدة عائشة» أيقونة ونموذجًا فى التاريخ الإسلامى، طالما تناولتها المصادر بمنظور حاد، على وجهين مختلفين تقريبا، إما يمينًا تمامًا وإما يسارًا تمامًا، إما سنيًا أو شيعيًا، وهذا- وإن بدا غير موضوعى- فإنه ليس غريبًا بالنظر إلى كثرة دلالات سيرتها الخصبة، بداية من سن زواجها الجدلية من النبى، مرورا بخلافاتها مع الخليفتين عثمان وعلى، وانتهاء بلحظاتها الأخيرة.

«الدستور» تستعرض قراءة جديدة لسيرة الطفلة والأنثى والزوجة وأم المؤمنين، عائشة، اعتمادا فى المجمل على اجتهادات الباحثة التونسية فاطمة قشورى، فى كتابها «عائشة فى كتب الحديث والطبقات».
فى كنف النبى.. معاملة أبوية صبورة.. استمتاع بـ«الطفولة» مع نضج مشاعر الأنثى.. ومكانة مقدسة تؤكد قيمتها

علاقة خاصة للغاية جمعت النبى محمد بالسيدة عائشة، بحكم فارق السن بينهما، إذ لا اختلاف كثيرا على أن سن النبى وقتها كانت ٥٠ عاما، فيما تجمع مصادر كثيرة على أن سن زوجه كانت ٦ سنوات فقط، قبل أن يدخل بها بعد ذلك بـ٣ سنوات أى فى التاسعة.
لكن معارضات لهذه الرواية تقول إنه وفقا لحساب سن عائشة من أختها أسماء، فإنها تزوجت الرسول فى سن الرابعة عشرة، وعندما دخل بها كانت فى الثامنة عشرة.
كزوجين فى بيت واحد، تجمع المصادر على حسن معاشرة النبى لها وتفهمه متطلبات سنها، والدليل على ذلك كثرة المتون الواردة فى طبقات ابن سعد عن أم المؤمنين.
«كنت ألعب بالبنات مع صواحبى فإذا جاء وهن بين أيدينا يقول النبى: مكانكن»، وفى رواية أخرى «إنه كان يسرّبهن إلىّ فيلعبن معى»، هكذا تقول عائشة.
رسم ابن سعد فى طبقاته صورة لـ«عائشة» بكلماتها، فها هى تتبدى طفلة فى بيت الزوجية تجد فى اللعب مع الصويحبات متعتها، فى حين نفهم من سماح «محمد» لها بذلك، تعبيرًا عن حبه وتفهمه متطلبات عمرها، بل إنه كان يشاركها اللعب، وسؤالها عما تلعب.
لكن ما يثير الانتباه هو عدم ذكر حد زمنى تخلت فيه عائشة عن اللعب لترتقى إلى مصاف النساء، والواقع أن المنظومة السنية جعلت من سن ٩ سنوات اقتحامًا لعالم النسوة.
هل هذا يعنى أن زواجها بـ«محمد» لم يمنعها من الاستمتاع بحياة الطفولة؟.. تبدو الإجابة عن هذا التساؤل واضحة، فقد وجدت عائشة (الزوجة والطفلة) فى صدر محمد (الزوج والأب) رحابة، تُصورها الأخبار كما لم تعرفها من قبل، إذ كان يقف ساترا إياها حتى تنظر إلى لعب الحبشة بالحراب فى المسجد، بل إنه كان يبقى حتى تمل هى النظر إليهم، ما جعلها تقول: «اقدروا قدر الجارية الحديثة السن التى تسمع اللهو».
هذا التفهم بدا وأنه يخفى حبا كبيرا يكنه محمد لـ«عائشة»، حبًا تتراوح أسبابه بين الرغبة الشخصية والأمر الإلهى، أما حب عائشة له فهو حب لصورة ولشخص تعودت تقدير أهلها له.
لقد فارقت منزل أبيها ولم تتعد التاسعة لتجد فى محمد أبا يعطيها الحنان والعطف، ولنا فيما أورده ابن سعد عن ضرب أبى بكر لها وهى زوجة وفى خبر محمد لأم رومان أن تستوصى بها خيرا وهى لا تزال فى بيت أبيها- شاهد على ذلك. وقد نقل لنا ابن سعد أخبارا تحكى هذا الحب الكبير، حتى إن «ما هوَّن على محمد موته إلا رؤيته إياها فى الجنة».
وعلى حداثة سنها، فإن عائشة كانت تدرك جيدا مقدار حب محمد لها، بل كانت تعرف كيف تلمِّح بغضبها منه بمجرد قسمها بـ«رب إبراهيم» عوضًا عن «رب محمد»، فليس غريبًا أن تتواتر الأخبار والأحاديث التى تجعل منها أحب النساء لديه، بل أحب الناس على الإطلاق، حتى لُقبت بـ«حبيبة رسول الله».
هذا الحب الذى كان يربط بينهما، والذى كان يعرفه الجميع جعل من عائشة شخصًا متعاليًا على غيرها تعاليا يكاد يلحقها بمصاف النبوة، وإن كان الإسلام يجهل المرأة النبية. يحدثنا ابن سعد عنها قائلًا: «عائشة، عليها السلام، فكأننا بالحدود بينها وبين محمد قد أذيبت حتى تماسّ المقدس بالمدنس، فلقد كانت الوحيدة التى يغتسل وإياها فى إناء واحد حتى يتطهرا معًا، بل لقد كان يصلى وهى معترضة بين يديه»، ويصل الأمر إلى أقصى مداه عندما تحدثنا عائشة عن نزول الوحى على محمد وهو فى لحافها، ورؤيتها جبريل.
وتقوِّض مثل هذه الأخبار النظرة الدونية الموروثة والمتوارثة للمرأة، فها هى امرأة لا يفصل بينها وبين النبوة والرسالة سوى الخطاب المباشر لجبريل لها. ذلك أنها رأته، وكان الرسول رسولًا بينهما، مخبرًا إياها سلام جبريل عليها، وإن كانت بعض الروايات تنكر رؤيتها له فإن ذلك لا ينكر وجود من أقر بذلك دون أن ننسى أنها كانت سببا فى نزول جبريل على محمد، وكأننا بها تتحول إلى وسيط بين محمد والسماء، بل بين السماء والبشر.
قبل كل هذا، جعلت هى من موضوع «البكارة» مفخرة لها وفضلا، وقد ورد الكثير عن مسألة عذرية السيدة عائشة ومدى تأثيرها فى علاقتها بمحمد من جهة وعلاقتها بضرائرها من جهة أخرى، إذ ورد خبر فى طبقات ابن سعد على لسان عائشة نصه: «يا رسول الله، ألا تخبرنى عنك لو أنك نزلت بعدوتين إحداهما لم ترع والأخرى قد رعيت أيهما قد ترعى؟»، قال: «التى لم ترع»، قلت: «إلا أنا لست كأحد من نسائك قد كانت عند رجل غيرك».
إن هذا الخبر فى قراءة أولى يكشف ما ذهبت إليه السيدة عائشة فى تفاخرها بعذريتها وأيضا رأى محمد المناصر لها، والخبر يمثل نموذجًا لأهمية البكارة لدى عائشة وبداهة محمد أيضًا، فالمتن يقدم لنا ترتيبا لما فضلت به عائشة عن سائر نساء محمد، جاعلًا من البكارة صاحبة المرتبة الأولى، إضافة إلى ذلك نظفر بأربعة أخبار فى ترجمة ابن سعد لعائشة تفخر فيها بأن محمدا لم ينكح بكرا غيرها، حتى إنها قدمت ذلك على تبرئتها من حديث الإفك.

صراع الضرائر: غيرة من خديجة «أم الأبناء».. ندية مع أم سلمة.. وثورة على الزواج من زينب بنت جحش

بنى النبى محمد حول المسجد بيوتا تسعة امتلأت بنسائه شيئا فشئيا، ولم يكن الأمر ليروق للزوجة المدللة، رغم أن النبى عندما بنى منزلها فتح فيه بابًا فى جدار المسجد الذى يواجه بيتها، فكأنما تقاسمنها الحب والعاطفة، ما أدى إلى توتر العلاقات فيما بينهن، واللافت أن عائشة استطاعت- على حداثة سنها- أن تكوّن حزبا فى مواجهة أم سلمة ومن والاها.
قبل أن نتعرض لطبيعة العلاقة بين هذين الحزبين، علينا أن نشير إلى أن عائشة كانت تغار من خديجة الزوجة الأولى، وقد نفهم هذه الغيرة لصدورها من أنثى لم تعرف طعم الأمومة يومًا لامرأة هى أم أولاد زوجها الوحيد.
لم تكن هذه الغيرة تخفى على محمد، وأغلب الظن أنها أثرت على العلاقة بين فاطمة وعائشة، فهى تذكرها دوما بأمها فى حين ترى فيها فاطمة الزوجة الوحيدة التى استطاعت أن تحتل فى حياة أبيها بعد أمها مكانة مرموقة، وتفاقمت غيرتها منها عندما سمعت النبى يقول: «كانت خديجة خير نساء العالمين وإن لها بيتًا فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب». وفى العلاقة بين السيدتين، خاض الكثيرون فى أفضلية إحداهما على الأخرى، فعائشة أيضا كانت مجال أحاديث كثيرة تشهد لها: «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون وابنة عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على باقى الطعام»، وجزم «الذهبى» بأفضلية خديجة.
كانت عائشة «غيورة» تخشى على علاقتها الخاصة بمحمد من بقية نسائه، خاصة الجميلات منهن، إذ إنها تعلم تقديره للجمال. وبلغ بها الأمر للقول بأن السماء تسرع له فيما يريد، عندما سُمح له بالزواج بزينب بنت جحش، امرأة ابنه يزيد. إنها فيما يبدو تجعل من رغبات محمد أمرًا سابقًا على المشيئة الإلهية، بل محركة لها، وحين سألها عروة بن الزبير: «يا خالة، أى نساء النبى كانت آثر عنده؟»، فقالت: «ما كنت أستكثره، ولقد كانت زينب بنت جحش وأم سلمة لهما عنده مكان، وكانتا أحب نسائه إليه فيما أحسب بعدى».
ويتطلب الدخول فى متاهة خصوصية عائشة من بين جميع نساء النبى تمثلًا بما ارتأته لها المنظومة السنية فى نظير المكانة التى حظيت بها السيدة فاطمة فى المنظومة الشيعية، فإن هذا السمو بمرتبة عائشة يوقع المنظومة السنية فى بعض الحرج، وهى التى لم تخلُ منه قط من تناقضها، ففى حين تقرّ عائشة بأن محمدا كان يصلى بين يديها، تمدّنا كتب الحديث بما يساوى بين الكلب والمرأة فى قطع الصلاة، وقد كان يصلى ليلا وهى إلى جانبه وقت حيضها. غير أن السماء لم تمنحها ما ترغب فيه، فقد حرمت أن تكون أمًا لطفل من محمد وهى التى لم تتزوج غيره، لكن ابن حجر العسقلانى يخبرنا بأن عائشة «ولدت من النبى ولدًا ومات طفلًا». وتتعاظم الحيرة حين نجده يجزم بعدم صحة هذا الخبر، فمن أين استقى مثل هذا النبأ؟ ولماذا يورده وهو يعلم أنه خاطئ، خاصة أنه لا يوجد مثيل له فى المصادر الأخرى؟.
والغريب أن العسقلانى أورد هذا الكلام دون ذكر السند الذى وصله من خلاله، فى حين أن «البلاذرى» أنكر فى أنساب الأشراف أن تكون ولدت أو حتى اشتملت على حمل. ويبدو أن هذا الأمر أثَّر على السيدة عائشة بدرجة كبيرة، فكانت لا تنفك تطلب من النبى أن يُكنِّيها، وكأنها تذكره بما حرمت منه، إذ لا تملك كُنية بخلاف نسائه.
وجد محمد فى عبدالله ابن أختها خير منقذ من هذا المأزق، فكنَّاها به، وعُرفت منذئذ بـ«أم عبدالله»، إلا أن هذه الكُنية لم تكن تطفئ نار الغيرة المشتعلة فى صدر امرأة «طفلة»، رغم أنها تعلم مقدار حب زوجها لها، والذى ما كان يخفى على أحد. ويبدو النبى مشدودا إلى عائشة لا يتمالك نفسه فى حبها على حد قول أم سلمة، إذ سألوها عن تقبيل الرسول نساءه فى الصوم، فقالت إنه كان يقبل عائشة، بل ما هوَّن عليه موته أنه رأى كفيها فى الجنة، فلم يحضر موت محمد غير عائشة، إذ مات فى بيتها الذى طلب الانتقال إليه عندما بدأ مرضه الأخير.

هى.. والخلفاء: رضاء عن أبيها والفاروق.. عداء مع عثمان.. وعلاقة متوترة مع ابن أبى طالب بسبب تأليب النبى
اهتزت حياة المسلمين برمتها بنبأ موت محمد، القائد الرسول، فعرف الإسلام الردة والمرتدين وبدأ التفكير فى خلافته قائدًا، وتوالى على ذلك «أبوعائشة» أبوبكر الصديق، و«أبوحفصة» عمر بن الخطاب، ولم تكن عائشة تتذمر أو يُسمع لها صوت فى حضرة أبيها، ومن بعده عمر، الذى أفردها من بين كل نساء محمد ومن بينهن حفصة بضعف العطاء.
لكن علاقة عائشة بخلفاء زوجها تغيرت بل بدأت فى الغليان منذ أن انقص عثمان- من غير قصد- عطاءها، مساويًا إياها بعطاء سائر نساء النبى، على خلاف ما فعله عمر.
لكن تفسير غليان عائشة من عثمان لا يبدو أن مرجعه شعورها بالانتقاص من قدرها بين ضرائرها مع ما بينهن من انقسام وتنافس، إذ تعودت بنت أبى بكر ارتفاع قدرها عند زوجها ومن بعده أبوها ومن ثم عمر، فكيف لعثمان أن يفعل لها ذلك؟
من هنا يأتى القول إن صغائر الأمور هى التى تكون فى أحيان عديدة القادح لكُبريات الأحداث والحافز الذى يدفع للبحث فى حجج أخرى تضاف بعضها إلى بعض لتأليب الناس.
وجدت عائشة فى تولى عثمان أمور المسلمين ثغرات عديدة، إذ تجرأ على أصحاب الرسول فضرب عمار بن ياسر وشتمه، وعزل عبدالله بن مسعود عن بيت مال الكوفة، فما كان منها إلا أن دلّت مرة وهو يخطب فى الناس قميص الرسول ونادت: «يا معشر المسلمين هذا جلباب رسول الله لم يَبلَ وقد أبلى عثمان سنته».
إن عاشئة رأت أن أمير المؤمنين الثالث حاول درء إقامة الحد على عامله الوليد بن عقبة لقرابته منه، وقد أقام عليه الناس الشهادة بشربه الخمر وإقامته الصلاة وهو على تلك الحال، كما أنه، أى عثمان، أسرف فى بيت المال على قرابته، فألَّب عليه الناس، خاصة أنه تهاون فى أمور الدين بعد الشدة التى كان يعرفها المسلمون مع عمر.
ومن بين الثائرين عليه كان يقف على وعائشة، حتى إنها خرجت على الناس تقول: «اقتلوا نعثلًا، قتل الله نعثلًا».
كانت نتيجة الثورة على عثمان مقتله فى داره سنة ٣٥ من الهجرة، ورجوع عائشة عند علمها بذلك ومبايعة الناس «على»، حتى إنها قالت: «ما كنت أبالى أن تقع السماء على الأرض، قتل والله مظلومًا وأنا طالبة دمه».
فى كتابه «عائشة والسياسة»، أورد سعيد الأفغانى تفاصيل هذه العلاقة بين عائشة وعلى، الذى كان هو وزوجه فاطمة يحاولان حمل الرسول على التخفيف من حبه لعائشة، وليس مثل هذا ما تنساه المرأة، خاصة أن عائشة تكنّ لفاطمة مشاعر غيرة سحبتها عليها من أمها.

البحث عن السلطة : طالبت بالقصاص من قتلة «ذى النورين».. وقادت «موقعة الجمل» ضد على

- السماء لم ترزقها طفلًا فتملكتها الغيرة من خديجة

هل كانت عائشة راغبة فى الولاية؟ سؤال قد يبدو متجاوزا كثيرا فى حقها، وأوله سيرة عائشة، لكن المسعودى طرح هذا بالفعل، إذ يورد خبرًا يقول فى آخره: «المرأة التى أرادت أن تكون أمير المؤمنين».
يعتمد مؤيدو هذا الطرح على أن عائشة رغم وقوفها ضد عثمان فى حياته أصبحت لا تدخر جهدًا فى مطالبة على بالثأر له، حتى لامها الناس على ذلك فردت قائلة: «وآخر قولى خير من أوله»، فى إشارة إلى رغبتها فى الإصلاح.
يمكننا فهم ملامح خوض عائشة السياسة فى معركة «الجمل»، وهى من أهم فصول الصراع على السلطة بعد موت النبى محمد كزعيم سياسى، باعتبارها الحادث الذى كان أحد مظاهر الانشقاق المبكر عن عصا الطاعة.
فى سنة ٣٦ للهجرة، بالقرب من البصرة، كانت الموقعة بين الخليفة حديث البيعة وقتها على بن أبى طالب من جهة، وبين عائشة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله من جهة ثانية، وثلاثتهم كانوا يمثلون ما بقى من أهل الشورى إثر مقتل عثمان.
كانت عائشة عائدة من الحج، وخرجت على ظهر هودج من الحديد مع الزبير وطلحة، إلى البصرة، مقر الخلافة الإسلامية فى عهد على، للقصاص من قتلة عثمان، وجاءت تسمية «موقعة الجمل» من الهودج.
هنا يتبدى منظوران، أحدهما سنى والآخر شيعى، لفهم وتأويل هذه الحادثة التى شهدت خروج زوج النبى على خليفته.
يقول أهل السنة إن عائشة والزبير وطلحة خرجوا طلبًا للقصاص من قتلة عثمان، بعد أن لمسوا تأجيل الخليفة الرابع للأمر، فيما يرد الشيعة بأن الخروج كان طمعا فى مناصب من جانب ابن العوام وابن عبيد الله، إذ ذكرت مصادر على لسان على أن «طلحة كان يرجو اليمن، والزبير يرجو العراق»، لكن هذه الأقوال لم تمس صراحة أم المؤمنين. لكن التاريخ يسجل على عائشة ما يبدو أنه «مشاعر حقد» نحو علىّ، إذ لم تستطع أن تغفر للرجل إشارته على الرسول بعد حادثة الإفك بتطليقها.
لم يكن لمثل عائشة أن تغفر مثل هذا الطعن أبدا، وإن جاء فى شكل غير معلن فى شرفها، لكننا فيما يبدو لا نستطيع تجاهل مثل هذه العوامل النفسية القادرة على تأجيج الغضب فى صدور النساء.
تشير مصادر إلى أن هذا دفع عائشة إلى تأليب الناس على «على» بعد مقتل عثمان واستتباب الأمر له، ولدعم هذا التصور، تلفت المصادر إلى معارضة الخليفة الرابع فى بادئ الأمر لخلافة أبيها أبى بكر، وقبل ذلك بسنوات رفضت فاطمة، زوجة «الإمام»، مبايعة أبى بكر، حتى موتها.
بدت الحرب وشيكة بين الطرفين إذن، لكن الله سلم ولم تدر رحاها، رغم أن كثيرين صبوا عليها الزيت، إذ أسرع الخليفة علىّ للخروج إلى البصرة دون أن يصطحب أحدا من «قتلة عثمان». فى لحظاتها الأخيرة، حين حضرتها الوفاة، وحسب مصادر، فإن عائشة قالت: «وددت لو أنى إذا مت نسيًا منسيًا.. يا ليتنى لم أخلق يا ليتنى كنت شجرة أسبح وأقضى ما علىّ». وجاء فى طبقات ابن سعد: «حدثنى من سمع عائشة إذا قرأت هذه الآية (وقرن فى بيوتكن) بكت حتى بُل خمارها».
هذا كلام يلمح كما هو واضح إلى «ندم» عائشة على الاشتباك مع الشأن العام للأمة، لكن الأحاديث التى تدور فى فلك الإحساس بالذنب حد الرغبة فى عدم الوجود، لا يبدو أنها حقيقية، إذ لم تصل عائشة إلى هذه الحالة حتى فى أحلك ما مر بها.
لكن الأرجح أن عائشة، وهى تتخطى السنوات بعد معركة «الجمل»، كانت تسعى جاهدة إلى أن تتفرغ لتعليم الناس ما تعرفه من سنن زوجها ونبيهم، ذلك أن أغلب المصادر التى اطلعنا عليها تؤكد ندمها الشديد لخروجها.