رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الزار".. "ديسكو" بأصول مصرية شوهتها أفلام السينما

زار
زار

"يا غزال.. أنتِ جميلة.. أنتِ زي القمر"... على دقات الطبول والدفوف تستطيع بالكاد تفسير بعض الكلمات المصرية، تكون في الغالب المرأة محورها، وذلك من بين العديد من العبارات الأخرى بعضها ينسب إلى السودان، إلا أن قرع الطبل يظل هو البطل الرئيس الذي يلتف حوله مريدو فن الزار من مصر أو خارجها، خلال احتفالية أسبوعية تقيمها فرقة "مزاهر"، التي حملت على عاتقها إحياء فن ينظر له على أنه دروشة، أو يربطه الكثيرون بالدجل والشعوذة.

وسط غرفة مضاءة باستحياء، وعدد من الحضور لا يتجاوز الـ50 شخصا، في قلب القاهرة، تنظم مزاهر، التي تضم الريسة مديحة، آخر كوديات مصر، احتفاليتها لمحبي هذا النوع من الفن الذين يرتبطون به ويشعرون بأنه نوع من تنقية الذهن والروح. ومؤخرًا انتشرت حفلات الزار، في المناطق الأثرية في القاهرة، وتحديدا في الدرب الأحمر، والسيدة زينب، والغورية، كما تبنت عدة مراكز ثقافية الدعوة لإحياء هذا الفن أو الحفاظ عليه من الاندثار، من خلال تنظيم الحفلات التي يحضرها الشباب المصريون والأجانب.

عصام ستاتي، الباحث في الفلكلور المصري، يقول: "إن الزار تعود أهميته الفنية لكونه من الفنون التى عاشت بعيدًا عن عمليات التأثير والتأثر، فاحتفظ بقوامه وأصوله التي قد تعود إلى العصور المصرية القديمة".

وأوضح في حديثه لـ«الدستور»، أن الشائع في أصل كلمة الزار ارتباطها باللغة الأمهرية، لكن من خلال البحث لم أجد لها مرجعا في هذه اللغة، والاحتمال الأقرب أنها مأخوذة من كلمة أوزير – (أوزوريس) الإله المصري القديم، وهو إله لحظة الغروب.

واستكمل: "تقول الأسطورة أن إله الشر "ست" قطع أوزوريس 14 قطعة، وقامت إيزيس زوجته بجمع 13 منها، وبفعل السحر الأسود عاد أوزوريس للحياة، أما الاحتفال بالزار فتم أخذه بعيدًا عن فكرة الموت، ودمجه المصريون مع ثقافتهم الشعبية والثقافات الوافدة الأخرى".

ويدافع عطا الله الغمري، أحد أقدم العازفين في الزار، عن فنه المفضل، فيقول: "الزار علاج نفسي، فمن يحضر جلساته يشعر براحة وكأن الموسيقى تطرد طاقته السلبية، لذلك لنا محبون ومريدون في كل مكان في العالم"، ملقيا باللوم على السينما كونها السبب الرئيس في تشويه هذا الفن وربطه بالجن والشعوذة، في حين يصفه بـ"ديسكو الغلابة".

ولطقس الزار عدة أشكال، منها: الزار المصرى أو الصعيدى، وزار أبو الغيط، والزار السودانى أو الإفريقي.

أما عن فكرته، فتقوم على أن هناك مس من العالم الآخر المخفي، لذلك يتم استدعاء أتباع الخير، من خلال مجموعة طقوس تطهيرية وعلاجية بهدف طرد الأرواح الشريرة التي يعتقد أنها تسكن جسد الإنسان وفكره، حيث تتحرر النفس البشرية من قيود الزمان عن طريق رقصات بالإيقاع والأداء الحركي والأغاني التي تعتمد على دقات الطبول والدفوف، أما آلتا الطنبورة والرانجو السودانيّتان فتدخلان في موسيقى الزار السوداني، إضافة إلى زار أبوالغيط، القريب للتواشيح الصوفيّة.

ويرفض ستاتي ربط الزار بالجهل، فيقول: "الجهل الحقيقي هو من نصيب المثقفين، أما هؤلاء الفنانون فلديهم ارتباط بجذورهم، ويعرفون تاريخهم، ولديهم نزعة الحفاظ على تراثهم، أما عن كلمات أغانيهم فدائمًا ما تكون عن الخير والجمال والحب، وهي المبادئ الأساسية التي قامت عليها الأديان؛ لذا فهم حائط الصد ضد التطرف، وآخر مركز من مراكز الدفاع عن الوطنية ومحاربة ازدراء العادات والتقاليد الثقافية المصرية".