رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«فتوى الأزهر»: الرسم باليد والفحم «مباح» بشرطين

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه

أكدت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، أن الإسلام لا يحارب الفن الهادف، بل يدعو إليه، ويحث عليه؛ لأن الفن في حقيقته إبداع جمالي لا يعاديه الإسلام، والنحت والتصوير من الفنون، فالإسلام لا يحرمه؛ ولكنه في نفس الوقت لا يبيحه بإطلاق؛ بل يقيد إباحته بقيدين هما: أن لا يقصد بالشيء المنحوت أو المصور عبادته من دون الله.

القيد الثاني: أن يخلو النحت والتصوير من المضاهاة لخلق الله عز وجل التي يُقصد بها أن يتحدى صنعة الخالق عز وجل ويفتري عليه بأنه يخلق مثل خلقه.

وأضافت في معرض ردها على سؤال ورد إليها يقول: أنا أرسم الصور الفوتوغرافية وأكبرها مقاسات مختلفة بالفحم، وهذا رسم يدوي. وأريد معرفة ما إذا كان عملي هذا حرامًا أم حلالا؟ فإذا انتفى هذان القيدان فالنحت والتصوير مباح، ولا شيء فيه. والدليل على ذلك قوله – تعالى: «يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ»، فقد امتن الله في هذه الآية الكريمة على سيدنا سليمان بصناعة التماثيل، فدل ذلك على أنها لم تكن للعبادة؛ لأن الله لا يمتن بما هو شرك، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ».

وتابعت: كما يستدل على الإباحة إذا خلت من العبادة بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَقِّ الْمُصَوِّرِينَ «الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ»، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ" وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا ذَرَّةً، وقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّ الْمُصَوِّرِينَ: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ».

ولفتت إلى وجه الدلالة من هذه الأحاديث على الإباحة من وجهين: الوجه الأول: المضاهاة الواردة في الحديث لا تكفي وحدها للتحريم، لأنها لو كان المقصود بالتحريم مجرد المضاهاة، لحرم رسم السماء والأرض والأشجار والبحار، ولم يقل أحد من العلماء بذلك.

الوجه الثاني: المضاهاة لو حملت على التصوير المعتاد ؛ لكان ذلك مشكلا على قواعد الشريعة. فإن أشد ما فيه أن يكون معصية كسائر المعاصي ليس أعظم من الشرك وقتل النفس والزنا، فكيف يكون فاعله أشد الناس عذابا، فتعين حمله على من صنع التماثيل لتعبد من دون الله أو صنعها تحديًا لله.

واستشهدت بقولَ النَّوَوِيُّ: أَمَّا رِوَايَةُ «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ الصُّورَةَ لِتُعْبَدَ، وَقِيلَ: هِيَ فِيمَنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْحَدِيثِ مِنْ مُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ، وَاعْتَقَدَ ذَلِكَ، فَهَذَا كَافِرٌ لَهُ مِنْ أَشَدِّ الْعَذَابِ مَا لِلْكُفَّارِ، وَيَزِيدُ عَذَابُهُ بِزِيَادَةِ كُفْرِهِ».

وَأردفت: َتَأَيَّدُ التَّعْلِيلُ بِهَذَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ شَبِيهًا بِذَلِكَ فِي حَقِّ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ يُنَزِّلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَأَنَّهُ لا أَحَدَ أَظْلَم مِنْهُ، فَقَالَ تَعَالَى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } فَهَذَا فِيمَنِ ادَّعَى مُسَاوَاةَ الْخَالِقِ فِي أَمْرِهِ وَوَحْيِهِ، وَالأَوَّلُ فِيمَنِ ادَّعَى مُسَاوَاتَهُ فِي خَلْقِهِ، وَكِلاهُمَا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا.
وَقالت اللجنة: مِمَّا يُحَقِّقُ هَذَا مَا تُوحِي بِهِ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَإِنَّ " ذَهَبَ " بِمَعْنَى قَصَدَ، بِذَلِكَ فَسَّرَهَا ابْنُ حَجَرٍ. وَبِذَلِكَ يَكُونُ مَعْنَاهَا أَنَّهُ أَظْلَمُ النَّاسِ بِهَذَا الْقَصْدِ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ أَنْ يَخْلُقَ كَخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى.