رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناء.. من التحرير إلى التعمير


منتظرون أن تنتهي عملية «سيناء ٢٠١٨» وتتحقق أهدافها، لكي نقول مع «شادية» إن «مصر اليوم في عيد». غير أن فرحتنا لن تكتمل ولن تعود سيناء «كاملة لينا»، فعليًا وواقعيًا، إلا باكتمال تعمير أرضها التي كان الدم المصري يروي رمالها، بينما ماء النيل يروي الوادي. والوصف لجمال حمدان الذي أوضح أن الفراغ العمراني في سيناء، جعل أرضها نهبًا ومطمعًا للمستعمرين، وأن تعميرها هو الحل الوحيد لمواجهة أطماع المستعمرين فيها وجعلها حائط صد، لمواجهة المخاطر التي تتربص بمصر وشعبها.

سيناء، كما ذكر جمال حمدان، في كتابه «سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا»، ليست مجرد صندوق من الرمال، لكنها صندوق من الذهب، بما تمتلكه من ثروات طبيعية وبيئة فريدة، جعلتها «تختزل جيولوجيا مصر كلها تقريبًا»، وكل هذه الثروات، كما جاء في الكتاب الصادر سنة ١٩٩٣، تنتظر التخطيط الاستراتيجي الواعي، لإطلاق طاقات التعمير، التي تحتاجها مصر للنهوض على المستوى الاقتصادي، لربط سيناء بالوادي والدلتا. وكان حلم التعمير، كما رسمه جمال حمدان، هو أن تكون قناة السويس مزدوجة، وأن يتجمع العمران الكثيف حول ضفتيها، وأن تكون هناك سلسلة من الأنفاق تحت القناة، تحمل شرايين المواصلات البرية والحديدية.

ملامح حلم تعمير سيناء، التي رسمها جمال حمدان، ظلت حبيسة دفتي كتابه، وكتب ودراسات أخرى له ولآخرين، ولم تبدأ تتحول إلى واقع إلا في ٥ أغسطس ٢٠١٤ بتوقيع الرئيس عبدالفتاح السيسي وثيقة حفر قناة السويس الجديدة التي ألزم فيها منفذي المشروع بالانتهاء منه بعد عام واحد فقط، بدلًا من ثلاث سنوات. وبانتهاء حفر القناة، بدأت بقية ملامح الحلم تظهر على الأرض، وسيتم الانتهاء من الأنفاق وافتتاحها رسميًا في ٣٠ يونيو القادم. وفي ديسمبر الماضي أعلن الرئيس السيسي اعتزامه خلال السنتين أو السنوات الثلاث المقبلة تنفيذ مشروع عمراني سيتكلف ١٠٠ مليار جنيه في شبه جزيرة سيناء. وبالإضافة إلى مشروع «نيوم»، السعودي المصري الأردني، فإن الحكومة المصرية تتطلع إلى مشاركة واسعة من البنك الدولي في إعادة إعمار وتنمية سيناء.

خلال اجتماعات الربيع للبنك الدولي بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وعقب لقائها مع جيم كيم، رئيس مجموعة البنك الدولي، الإثنين الماضي، قالت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر إن «الحكومة تعمل حاليًا على تنمية شبه جزيرة سيناء بشكل سريع». وأوضحت أن عددًا من مؤسسات التمويل الدولية والصناديق العربية تتعاون في دعم مشروع «إعمار سيناء»، وأن البنك الدولي يمكنه أن يسهم في دعم هذا المشروع. ونشير هنا بالمرة إلى أن رئيس مجموعة البنك الدولي، أشاد بالنجاح الاقتصادي الذي حققته مصر، وبالتشريعات التي أسهمت في تحسين بيئة الاستثمار، مؤكدًا أن الرئيس السيسي استطاع أن يقضي على التحديات التي تواجه التنمية في مصر، ووضع خططًا أسهمت في نجاحها الاقتصادي.

أيضًا، ليس سرًا أن الرئيس المصري وولي العهد السعودي شهدا، في ٤ مارس الماضي، توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين لتطوير أراضٍ مصرية جنوب سيناء لتكون ضمن المشروع، مشروع «نيوم». وليس سرًا أيضًا أن اتفاقية الاستثمار الموقعة بين الطرفين، متفرعة عن اتفاقية صندوق الاستثمار السعودي - المصري المشترك. وأن مصر والسعودية أسستا صندوقًا مشتركًا بالمناصفة، تزيد قيمته على ١٠ مليارات دولار، نصيب أو حصة أو مساهمة مصر فيها هي الأراضي المؤجرة لمدد طويلة. أما إجمالي الاستثمارات العامة والخاصة في المشروع، مشروع نيوم، فقد يصل إلى٥٠٠ مليار دولار.

كان ولي العهد السعودي قد أوضح، في ٢٥ أكتوبر الماضي، أن المشروع سيضم أراضي داخل الحدود المصرية والأردنية، على مساحة جغرافية قدرها ٢٦ ألفًا و٥٠٠ كم مربع، وأنه «سيكون أول منطقة خاصة ممتدة بين ثلاث دول». ونكرر أن الأراضي المصرية الـ«مؤجرة لمدد طويلة» تمثل حصتها أو نصيبها أو نصف قيمة الصندوق المصري السعودي المشترك. وتلك هي الـ«ألف كيلومتر مربع» التي سبق أن نقلت وكالة «رويترز»، في ٥ مارس الماضي، عن «مسئول سعودي»، مجهول، أن مصر تعهدت بها لمشروع مدينة نيوم. وقتها، أوضحنا كيف أن وكالة الأنباء «الرصينة» اختلقت ذلك المسئول المجهول، كما اختلقت مسئولين مجهولين آخرين، لتعطي المعلومات القديمة، المعلنة وغير السرية، التي نقلتها عنهم جميعًا، قدرًا من الغموض، يتيح لها حشر «معلومات» أو نفايات، معاد تدويرها، في اللاسياق، لتصنع تلك «الطبخة» التي غرف منها هواة «الهري» و«الزياط»، وأكلوا وعزموا أصحابهم!.

تفاصيل أكثر، قالها ولي العهد السعودي، في حوار نشرته وكالة «بلومبيرج» الأمريكية، الجمعة ٢٧ أكتوبر، منها أن «الاتفاقيات التي تم توقيعها بين مصر والسعودية في أبريل ٢٠١٦، أخذت في اعتبارها المدينة الجديدة». ونشير بالمرة، إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، أشاد بالمشروع، مشروع «نيوم»، ووصفه بأنه مشروع سياحي كبير، خلال لقائه ممثلي وسائل الإعلام، مساء الأربعاء ٨ نوفمبر الماضي، على هامش منتدى «شباب العالم» بشرم الشيخ. وفي اللقاء نفسه أوضح الرئيس أن «البنية الأساسية لسيناء ستكون جاهزة لأي مشروعات في المستقبل».

سيناء حين عادت في ٢٥ أبريل ١٩٨٢، كما ذكرنا في مقال أمس، عادت بقيود الحدود الآمنة وليست بقيود الحدود الجغرافية ولا السياسية. وظلت منزوعة أو «مكتوفة» السلاح، ومرتعًا للإرهابيين، إلى أن استعادت مصر عافيتها السياسية والعسكرية. بالضبط كما ظل حلم التعمير حبيس الكتب والدراسات، إلى أن استعادت مصر «أو تحاول استعادة» عافيتها الاقتصادية، وبعد أن استردت قرارها السياسي.