رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل مصر اليوم في عيد؟!


على مسرح القوات المسلحة بالزمالك، وقفت العظيمة «شادية»، في مثل هذا اليوم، يوم ٢٥ أبريل ١٩٨٢، لتطالب أهالي البحيرة وآخر الصعيد، وأهالي العريش الحرة وبورسعيد بأن يهنئوا بعضهم بعضًا ويشاركوها، هي والشاعر عبدالوهاب محمد، والملحن جمال سلامة، جمعهم السعيد، لأن «سينا رجعت كاملة لينا.. ومصر اليوم في عيد». وصباح ذلك اليوم، رفع الرئيس الأسبق حسني مبارك علم مصر على مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوب سيناء، وتم إعلان هذا اليوم عيدًا لتحرير سيناء. ولم يبق بعد هذا اليوم غير «طابا»، التي افتعل الإسرائيليون أزمة بشأنها، استغرقت معركة حلها دبلوماسيًا ٧ سنوات.
صحيح أن «سينا رجعت كاملة لينا»، لكنها رجعت أو عادت بقيود الحدود الآمنة وليست بقيود الحدود الجغرافية ولا السياسية. إذ إن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي تم التصديق على وثائقها، في مثل هذا اليوم، ٢٥ أبريل ١٩٧٩، فرضت ترتيبات أمنية صارمة تضمنها «الملحق الأول»، الذي تناولت مادته الثانية ترتيبات الأمن في شبه الجزيرة بتقسيمها إلى ثلاث مناطق تمت تسميتها بالأحرف الأبجدية العربية، ومثيلاتها العبرية، والإنجليزية، ويتدرج فيها حجم الوجود العسكري المصري من غرب قناة السويس، حتى الحدود مع إسرائيل، أو حتى المنطقة الثالثة، المنطقة «ج»، مناطق الفراغ العسكري، التي لم يكن مسموحًا لمصر أن تنشر قوات عسكرية بها، مع أنها تضم ربع مساحة سيناء تقريبًا، وكامل خط الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة.
النظر إلى توازن القوى وليس إلى توازن المصالح، أعاد إلينا شبه جزيرة سيناء منزوعة أو «مكتوفة» السلاح. ومن يومها والوضع في سيناء يشكل نقطة ضعف أساسية وثغرة في جدار أمننا القومي، أدى إلى اضطرابات وتهديدات لأمن مصر واستقرارها، ومع تراخي السلطات الإسرائيلية المتعمّد في ضبطها ومع تواطؤ حركة «حماس»، صارت المنطقة الملاذ الآمن للجماعات الإرهابية والخارجة على القانون، وقاعدة أو نقطة انطلاق للأعمال التخريبية في بقية مناطق سيناء وفي الوادي والدلتا. وظل الوضع يتدهور حتى وجدنا أنفسنا منذ ٤ سنوات، على الأقل، أمام ما لا نبالغ ولا نسخر لو أسميناه «منتخب العالم في الإرهاب»، لم نتمكن من التعامل معه إلا بعد أن استعادت مصر عافيتها السياسية والعسكرية.
كان بالإمكان تعديل البنود السلبية، السالبة للسيادة المصرية، وفقًا لتغير الأوضاع والظروف، ولم نكن مضطرين لقبول بقاء الوضع على ما كان عليه حين قبله السادات. وكان بالإمكان تغييره استنادًا إلى التغييرات الجوهرية التي طرأت على الأوضاع الأمنية في سيناء. ولاحظ أن البند الرابع في المادة الرابعة من المعاهدة تحدث بوضوح عن إعادة النظر في الترتيبات الأمنية وتعديلها باتفاق الطرفين. كما أن اتفاقية فيينا سنة ١٩٦٩ التي نصّت على أن التغيير الجوهري في الظروف يتيح لأطراف المعاهدات الدولية طلب تعديلها، بعد التوافق على ذلك، وانتهاء بالقرار الأممي رقم ١٣٧٣ لسنة ٢٠٠١ الخاص بمواجهة الإرهاب. وتضحك حين تعرف أن أحدهم أقام دعوى أمام القضاء الإداري للمطالبة بإلغاء المعاهدة، لأنها تقيد حرية مصر وسيادتها داخل سيناء لصالح الإسرائيليين. وكان طبيعيًا أن ترفض محكمة القضاء الإداري تلك الدعوى في ٣٠ أكتوبر ٢٠١٢، لأن المعاهدة من أعمال السيادة وتخرج عن نطاق إشراف القضاء. 
ما كان كان، ولا جدوى من البكاء على اللبن الرايب، أو التقليب في صفحات سوداء. فما يعنينا الآن، هو أن مصر استعادت عافيتها السياسية والعسكرية، وتمكنت من نشر نوعيات متطورة من الأسلحة الثقيلة والطائرات الحربية، في المنطقتين (ب) و(ج) لتعزيز قدرات الجيش والشرطة على تطهير سيناء من الإرهاب. وبالفعل ومنذ سنة تقريبًا تمركزت ٤١ كتيبة تضم أكثر من ٢٥ ألف جندي في سيناء، وتم نشر معدات عسكرية أكثر تطورًا في المنطقتين، استعدادًا لتنفيذ الخطة الشاملة (سيناء ٢٠١٨)، التي بدأت، صباح ٩ فبراير الماضي، وكان لها ٤ أهداف هي: إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية.. ضمان تحقيق الأهداف لتطهير المناطق من البؤر الإرهابية.. تحصين المجتمع المصري من شرور الإرهاب والتطرف.. ومواجهة الجرائم الأخرى ذات التأثير.
والوضع كذلك، كان طبيعيًا أن تزعم منظمة مشبوهة، كـ«هيومن رايتس ووتش»، أن حربنا على الإرهاب «خلقت حالة نقص في الإمدادات الغذائية والدواء للآلاف من سكان المنطقة»، وغيرها من المزاعم التي تغاير الحقيقة تمامًا، وتعتمد على مصادر غير موثقة في سردها للتفاصيل عن العمليات في سيناء، كما جاء في بيان العقيد تامر الرفاعي، المتحدث باسم قواتنا المسلحة، الذي قام فيه بتفنيده تلك المزاعم، وتوضيحه أن القوات المسلحة «توفر كل السلع الأساسية وتتعامل مع أي طوارئ قد تستجد». وأنها «تقوم بالتنسيق بصورة مستمرة مع كل الوزارات المعنية لتوفير الاحتياجات الإدارية والطبية للمواطنين بمناطق العمليات».
عادي وطبيعي أن تظهر مثل تلك المزاعم، من تلك المنظمة المشبوهة وغيرها. والشك في ذكائك واجب، لو اعتقدت أن الإرهابيين يحركهم فقط «المعتقد»، ولا تحركهم مخابرات دول، هي ذاتها التي تحرك تلك المنظمات، وجعلتها مطايا للإرهابيين (وفي قولٍ آخر، مركوبين منهم) ودفعتها إلى ضبط كل تحركاتها وأفعالها وردود أفعالها على ذبذبات موجاتهم، موجات الإرهابيين.
..وأخيرًا، ستكون مصر في عيد، فعلًا، حين تنتهي عملية «سيناء ٢٠١٨» وتتحقق أهدافها. ووقتها سنطالب، مع «شادية»، أهالي البحيرة وآخر الصعيد، وأهالي العريش الحرة وبورسعيد بأن يهنئوا بعضهم بعضًا ويشاركونا، جمعنا السعيد.