رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عظمة العطاء رغم الاحتياج


ذات مرة سُئل رجل الأعمال والمبرمج الأمريكى وليام هنرى جيتس المشهور باسم بيل جيتس، الذى أسس عام ١٩٧٥ شركة مايكروسوفت: هل يوجد من هو أغنى منك؟، قال: نعم شخص واحد فقط، قال السائل: من هو؟، قال: منذ سنوات مضت عندما تخرجت وكانت لدىّ أفكار طرح مشروع المايكروسوفت، كنت فى مطار نيويورك، قبل الرحلة وقع نظرى على المجلات والجرائد، فأعجبنى عنوان إحدى الجرائد، أدخلت يدى فى جيبى كى أشترى الجريدة، إلا أنه لم يكن متوافرًا فى جيبى أموال من فئة العملات النقدية الصغيرة، فأردت أن أنصرف، فإذا ببائع الجرائد وهو صبى أسود عندما شاهد اهتمامى ورغبتى فى اقتناء الجريدة قال لى: تفضل هذه الجريدة لك، أنا أعطيتك إياها، خذها يا أخى.
يقول جيتس قلت له: ليس لدىّ قيمتها من الفئات الصغيرة، قال: خذها فأنا أهديها لك مجانًا. ويستكمل جيتس قائلًا: بعد ثلاثة أشهر صادف أن رحلتى كانت فى نفس المطار ونفس الصالة، وذهبت إلى نفس مكان بيع الجرائد والمجلات، ووقعت عيناى على مجلة، أدخلت يدى فى جيبى، فلم أجد أيضًا نقودًا من فئة العملات الصغيرة، فإذا بنفس الصبى الأسود الذى يبيع الجرائد يقول لى: خُذ هذه المجلة هدية لك، فقلت له: يا أخى قبل فترة كنت هنا وأنت أهديتنى جريدة مجانًا، هل تتعامل هكذا مع كل شخص يصادفك فى هذا الموقف؟، فأجاب وقال: لا، ولكن عندما أرغب أن أعطى، فأنا أعطى من مالى الخاص. يقول بيل جيتس: هذه الجملة ونظرات هذا الصبى بقيت فى ذهنى فترة طويلة، وكثيرًا ما كنت أفكر وأتساءل: يا ترى على أى أساس وبأى إحساس يقوم هذا الصبى بعطائه دون مقابل، وهو الشخص الفقير؟. ويستكمل جيتس: بعد ١٩ سنة عندما وصلت إلى أوج قدرتى، قررت أن أجد فى البحث عن هذا الشخص، كى أرد له الجميل وأعوضه عن عطائه، فشكلت فريق بحث وقلت لهم: اذهبوا إلى المطار الفلانى وابحثوا لى عن الصبى الأسود الذى كان يبيع الجرائد، وبعد شهر ونصف الشهر من البحث والتحقيق، وجد فريق البحث هذا الشخص الذى كان يبيع الجرائد، ولكنه كبر وأصبح حارس صالة المسرح، فقمت بدعوته وسألته هل تعرفنى؟، فأجاب قائلًا: نعم أنت السيد بيل جيتس المعروف، كل العالم يعرفك، فقلت له قبل سنوات عندما كنت صبيًا صغيرًا، وتبيع الجرائد أهديتنى مرتين جريدة مجانية، حيث لم يكن متوافرًا لدىّ نقود من الفئات الصغيرة، لماذا فعلت ذلك؟، قال: هذا شىء طبيعى، لأن هذا هو إحساسى وطبيعتى، قلت له: هل تعلم ما أريده منك الآن، أريد أن أرد لك جميلك، قال: كيف؟، قلت: سأعطيك أى شىء تريده، قال الشاب الأسود وهو يضحك: أى شىء أريده؟، قلت: أى شىء تطلبه، قال: هل أنت متأكد أى شىء أطلبه؟.
يقول جيتس: قلت له بثقة: نعم أى شىء تطلبه أعطيك إياه، لقد أعطيت قروضًا لخمسين دولة إفريقية، سأعطيك بمقدار ما أعطيتها كلها، قال الشاب: يا سيد بيل جيتس لا يمكنك أن تعوضنى بشىء، قلت: ماذا تقصد؟، كيف لا يمكننى تعويضك؟، قال: صحيح أن لديك القدرة المالية الهائلة أن تفعل ذلك، ولكنك لا تستطيع أن تعوضنى، سألته: لماذا لا أستطيع أن أعوضك؟، قال: الفرق بينى وبينك، أننى أعطيتك وأنا فى أوج فقرى واحتياجى، بينما أنت تريد أن تعوضنى وأنت فى أوج ثرائك وغناك، ولذا فأنت لن تستطيع أن تعوضنى شيئًا، إنما أنا أقدر مشاعرك ومحبتك ولطفك الذى يغمرنى.
يقول بيل جيتس: «دائمًا أشعر بأنه لا يوجد من هو أغنى منى سوى هذا الشاب الأسود بائع الجرائد الفقير».
قارئى العزيز.. أن تعطى وأنت فى قمة الاحتياج، فهذه هى قمة العظمة، لأن الأغنياء من فضلتهم يُعطون، بينما العظماء من عَوزهم يقدمون.