رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مها صلاح تكتب عن ملوك مصر: رمسيس الثاني.. المحارب الذي ما زال يحير العالم

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه


أبدأ اليوم أولى حلقات الملوك المصريين، ملوك مصر القديمة الذين نحيا في خير عظمة ممالكهم حتى اليوم، وهنا لا نتحدث عن الملك وفترة حياته فقط، لكن الإسهامات التي قدمها كل منهم لتكتمل لوحة أسطورية اسمها "الحضارة المصرية القديمة".

ولاختيار الضيف الأول لحلقاتي ظللت أتنقل بين أبرز ملوك الحضارة ولأول المرة أجد نفسي أمام زخم غير طبيعي بحثًا عن ملوك بداية من نعرمر "مينا"، مرورًا بخفرع وأمنحتب وسونسرت وتحتمس وصولا للموحد "إخناتون"، لكن دعونا نبدأ بالملك الأبرز في تاريخ مصر الطويل "رمسيس الثاني"، ويكفي أن نعرف أن أعتى علماء الآثار والتاريخ في العالم، ما زلوا غير قادرين عن حل كل ألغازه، خاصة أن العديد منهم يدعي أن رمسيس هو نفسه فرعون "موسى".
صورت التماثيل رمسيس الثاني طويل القامة، حسن المنظر، ذا أنف بارز، ووجنتين بارزتين، وعينين لوزيتين، وفم ممتلئ، وذقن صغير مربع، وأذنين كبيرتين، وشعر أحمر، وكان يتمتع بجسد متناسق القوام ومفعم بالصحة.

حكم رمسيس الثاني مصر لمدة 66 عامًا، وأصبح الفرعون الثالث للأسرة التاسعة عشرة، تلك الأسرة التي أسسها جده الملك رمسيس الأول ثم خلفه ابنه الملك سيتي الأول،  إلي أن جاء دور رمسيس الثاني ليحكم في الفترة بين 1279 – 1213 ق.م.
وتعتبر الفترة التي بدأ فيها رمسيس الثاني حكم مصر، الأقوى في التاريخ الفرعوني ونعمت مصر بالاستقرار والسلام، بعد أن نشبت على حدودها وداخل أراضيها العديد من الحروب والمناوشات، سواء من جانب الليبيين أو في النوبة.
وحرص رمسيس على أن يتذكره الناس للأبد، أنه محارب عظيم ومقاتل شجاع يدافع عن مملكته بمفرده، لذا نري أن جدران معابده تغطيها لوحات تمثل حملات عسكرية ناجحة، وتظهر أغلب تلك اللوحات وهو يقضي على العدو في مواجهات شخصية، ومن هذه اللوحات نفهم أن رمسيس كان قائدا عسكريا قويا قاتل جيوش الغزاة بشجاعة وخلص مصر من أعدائها.

رمسيس نصب وليًا للعهد وقائدًا أعلى للجيش في سن العاشرة خلفا لوالده الملك سيتي، وكان في ذلك الوقت يعيش في منف - البدرشين حاليًا- بعيدا عن حروب والده مع إمبراطورية الحيثيين التي كان مقرها "خيتا" (تركيا حاليا)، وكان رمسيس يجد المتعة في هذه السن في صيد الأسماك والطيور، وتعلم القراءة والكتابة والرياضيات، ولكن هذا لا يمنع إعداده كمحارب أيضا عن طريق تعليمه كيفية استخدام القوس والسهم والتصويب على الهدف،  كما تعلم ركوب الخيل والمصارعة التي تدرب عليها مع الصبية في سنه وقتها، وبصفته ولي العهد أرسل إلي معسكرات التدريبات العسكرية الخاصة بالجيش والتي تعلم فيها القتال واستخدام الأسلحة المختلفة.

وفي السنة الرابعة من حكم والده سيتي، وعندما كان رمسيس في الثالثة عشرة خرج لأول مرة مع الجيش المصري للسيطرة على الاضطرابات التي يفتعلها الليبيون في دلتا مصر، وبالفعل نجح مع والده في طرد الليبيين وقيل عنه وقتها إنه "هو الذي أطاح بهؤلاء الذين أرادوا عصيانه، والذي ضرب بشدة سكان القبائل، وسحق البدو تحت أقدامه ووطئ أراضي ليبيا النائية"، ونقشت المعركة الأولي لرمسيس على جدران معبد الكرنك.

وتعلم رمسيس على يد أبيه كيفية إدارة شئون البلاد؛ حيث كان يشاركه مهامه الملكية، فكانا يذهبان سويا لتفقد أعمال البناء الجديدة التي تتم في المدن المهمة كالأقصر ومنف وأبيدوس، وعندما أتم رمسيس عامه السادس عشر أراد والده أن يعلن للقطر بأسره أن رمسيس الثاني هو الوريث الشرعي للعرش وأنه فرعون مصر القادم، وتعد هذه الخطوة مهمة، لأن عائلة الرعامسة التي ينتمي لها كل من سيتي وولده رمسيس جديدة على الحكم،  لذا أراد سيتي أن يؤكد للجيش والحكومة أن "رمسيس" شخص ذو أهمية ويجب عليهم  أن يطيعوه، وتم ترتيب احتفالية بتلك المناسبة وكتب رمسيس علي جدران معبد أبيدوس عن هذه الاحتفالية قائلا: "إنه - ماعت- رع (سيتي) الذي قام بتنشئتي وتربيتي، رب الجميع، هو نفسه الذي عظمني، بينما كنت ما زلت طفلا صغيرا، حتى صرت حاكما، وتنازل لي عن الأرض وأنا ما زلت جنينا، وأعرب الموظفين عن مبايعتهم لي عندما نصبت كبيرا للأمراء.. وعندما ظهر أبي أمام الشعب، كنت ما زلت فتي يافعا في حضنه وتحدث هكذا قائلا عني (توجوه ملكا حتى أري جمال محياه، وأنا ما زلت حيا)، وقد قام باستدعاء كبار موظفي البلاط لوضع التيجان علي جبيني، وهكذا قال عني بينما كان لا يزال علي هذه الأرض (إنه سوف يحكم هذه الأرض، وسوف يرعي حدودها، ويقود الشعب)، وتكلم عني وعيناه مغرورقتان بالدموع، كم كان يحمل بداخله حبا عظيما لي".
الآن بعد أن أصبح ولي وريث العرش بشكل رسمي، تغيرت حياته ومنحه والده منزلا  خاصا به بالقرب من القصر الرئيسي، وملأ له المنزل بالزوجات والجواري، وأصبح رمسيس سيدا على منزله وهو في سن صغيرة، وأصبح له خدم خاص كان معظمهم من أصدقائه الذي نشأوا معه في قصر والده، كما تم اختيار زوجاته من عائلات علية القوم، وأشرف والده سيتي على اختيارهم بنفسه ليكونوا زوجات يلقن بملك مصر القادم، وهناك بعض المعلومات عن أنه تزوج من أبناء أمراء ورؤساء من كنعان وسوريا كنوع من التقرب للملك ووريثه، ولكن زوجتي رمسيس الأساسيتين كانتا  "نفرتاري" و"إست نفرت"، وبعد فترة قليلة بدأت الملكتان في الإنجاب هما والزوجات غير الرئيسيات ليصل عدد أبناء رمسيس إلي 40 طفلا.

في السنوات التالية استكمل سيتي مشروع صناعة ملك مصر القادم، فأصبح رمسيس يشارك والده في الحكم على كل المستويات خاصة الإشراف على مشروعات البناء التي أصدر والده تكليفا بتشييدها، وتطلب ذلك من رمسيس أن يقضي تلك الفترة في السفر والتنقل قاطعا البلد بطولها وعرضها، وفي سن الثانية والعشرين أصبح رمسيس الثاني يملك من الخبرة ما يؤهله لقيادة الجيش المصري بنفسه، وكانت أولى  معاركه وهو قائد للجيش في النوبة حيث ذهب ليسيطر علي الاضطرابات بين السكان المحليين، واستمر رمسيس في التعامل مع الاضطرابات التي تحدث بين الوقت والآخر، مواصلا تعلمه لكل المهام التي تؤهله لحكم مصر.
وفي السنة السادسة عشرة لحكم والده "سيتي" سنة 1279 ق.م، وقت أن كان رمسيس في عامه الخامس والعشرين، توفي "سيتي" فجأة بينما كان يقضي إجازة بمقره  الصيفي في أواريس- محافظة الشرقية حاليا- بصحبة زوجته "تويا".

الآن صار "رمسيس الثاني" ملكا على مصر، لينفذ ما ظل يتدرب عليه طوال عمره في كنف والده، وكانت أولي مهامه كملك هي الإشراف على مراسم دفن والده الملك السابق، فقام بإرسال الرسل لطيبة، لحث الفنانين والعمال على سرعة الانتهاء من مقبرة والده وتجهيز جميع الأدوات التي ستدفن معه، والتي عادة ما كان يتم دفنها مع الملك طبقا للتقاليد، وعلى الجانب الآخر بدأت أعمال تحنيط جثمان الملك، وذاع خبر الملك الجديد في كل أنحاء مصر، خاصة أنه أعلن أن أواريس ستكون مقرا جديدا لمدينة سوف يبنيها لتكون عاصمة مصر الجديدة وستحمل اسم "بر- رعمسيس عنختو" والتي تعني "بيت رمسيس المنتصر" فقد بدأ رمسيس وقتها في ترسيخ فكرة أنه محارب ناجح وقوي.
وبذلك تنتهي حلقة اليوم للملك "رمسيس الثاني" الجد الأكبر، لنستكمل في الحلقة القادمة بداية حكمه لمصر وأبرز محطاته، ولنبحث عن حقيقة إذا ما كان فرعون موسي فعلا أم لا؟.