رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى يوم الميلاد.. احتفاء أم اختفاء؟


عدت يا يوم ميلادى.. هل قررت أخيرًا، أن تعدل ميزان الكون، وتنصفنى؟، أم أنك مازلت وفيا، لما خُلقت له، أنك معذبى، وجلادى؟.. عدت يا يوم ميلادى. تعبر البحور، وتتسلق الجبال، وتقفز فوق الأسلاك الشائكة، وتتسلل عبر الحدود، دون تأشيرة دخول، كمهاجر غير شرعى، لكى تفى بموعدك.
أنت تعلم أن المرأة التى كانت تستضيفك، سافرت دون عودة، منذ عشر سنوات، إلى نائم لا يصحو.. «الأشجار»، تهنئنى قائلة: «كل ميلاد، وقلبك رغم الألم، طازج، أخضر، جذورك ثابتة فى الأرض، أغصانك تلامس السماء.. كل ميلاد، وثمارك شهية مثمرة، يقذفها بالحجارة، أعداء الحرية، والعدالة، والحضارة.. تهب عليكِ الأعاصير، وأنت، شامخة، غير خائفة.. وحين تشتهين الرحيل، تموتين مثلى واقفة».
من شواطئه، الفيروزية، البعيدة، يهنئنى «البحر»، قائلا: «كل ميلاد، وأنتِ سمكتى الحبيبة، السابحة ضد تيارات الكذب، وتصحر المشاعر.. تعجز دوامات الذكورة أن تشدك إلى أسفل.. لا يغرقك مد العنصرية الدينية الدموية.. على نار هادئة، أسمع فنجان القهوة.. سأبقى المرتشف الأول، لنزيف كلماتك، ورحيق قصائدك.. كل ميلاد، وأنا أستعذب رفقتك، حين يستعصى أو يرق الإلهام، أحتضن شرودك، وحيرتك، عندما تهرب البدايات.. أحزم حقائبى، وأذهب معك، لاصطياد عصافير الدهشة، والتأملات النائمة على الشجر، وخيال جامح، يحذره البشر...».
وقال قلبى المتعب المشرد: كل ميلاد، وأنتِ عاشقة، بلا عشيق.. زوجة، بلا زوج.. أم بلا ذرية.. أرملة بلا راحل.. مريضة، بلا داء.. محلقة، بلا أجنحة.. لحن دون غناء.. وأنتِ البكر، البتول، بلا عذرية.. وأنتِ الجُرح الغائر، دون دماء.. حينما تتذكرين أن الحياة حرث فى الماء، طيف منام، ودخان فى الهواء، لا تجزعين، ولا تهربين.. كل ميلاد، وأنتِ فى استغناء عن مضادات الاكتئاب، ومضادات اليأس، ومضادات الندم.. أنتِ كما أنتِ، بلا تجميل.. تهزمين الضجر، تروضين المستحيل.. وعند مدخل البيت، لافتة «شكرا لعدم الدخول».. على الجسد، لافتة «شكرا لعدم الاقتراب».. وعلى قطار الأحزان، لافتة «كامل العدد..».
عدت يا يوم ميلادى. لا شىء.. لا شىء واحدًا فيك تغير. عدت لامرأة، وكاتبة، تغيرت فيها، كل الأشياء. ولست أدرى أهذا يدعو إلى الفرح، أم إلى البكاء؟. أرتب للاحتفاء، أو أرتب للاختفاء؟. لا شىء معى.. إلا حقيقة الحياة التى لا أتقبلها. و«فريد» كعادته يواسينى بحنان صوته، ودفء موسيقاه: «أحبابنا يا عين ما هم معانا».