رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مَقام.. مستشفى الإسماعيلية العام!


ربما كان بين الأسرار الدفينة، التي لا يعرفها غير كبار مسئولينا وأولاد «الذينَ» أو الحزينة، أن أحد أولياء الله الصالحين، صلَّى أو أقام، أو تم دفنه في المكان الذي أقيم عليه مستشفى الإسماعيلية العام. وإلا بماذا تفسر قيام هؤلاء بالتوافد عليه، فرادى وجماعات، طوال ١٥ سنة تقريبًا، لافتتاحه أو لإعادة افتتاحه، أو لمتابعة أعمال تطويره أو لأي سبب أو «تلكيكة».. وأحيانًا بدون؟!

عدة أخبار قد تراها عادية، لكنها أعادتني إلى زمن الشقاوة يا حسين. وذكّرتني بكارثة حدثت وتكررت في عهد الرئيس الأسبق. والأهم هو أنها جعلتني أتشكك في وجود ذلك السر الدفين الذي جعل هذا المستشفى العام، يتحول إلى مقام. والمقام، لمن لا يعرف، هو ذلك المكان الذي يزوره البسطاء، قدرًا أو عقلًا، لطلب البركة والشفاعة. وليس شرطًا أن يكون المقام قبرًا لأحد الأنبياء أو أولياء الله الصالحين، بل قد يُقام على مكانٍ صلوا أو أقاموا فيه، أو مرُّوا عليه يومًا ما!.

الأخبار المنشورة، صباح السبت، قال أولها إن اللواء أبوبكر الجندي، وزير التنمية المحلية وصل إلى مستشفى الإسماعيلية العام، استعدادًا لزيارة المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء. والثاني ذكر أن الدكتور أحمد عمادالدين، وزير الصحة والسكان، وصل إلى المستشفى نفسه، يرافقه اللواء يس طاهر، محافظ الإسماعيلية، استعدادًا لزيارة رئيس الوزراء. وطبيعي أن يكون الخبر الثالث عن وصول رئيس الوزراء إلى المستشفى، وقيامه مع الوزيرين والمحافظ بتفقد أعمال تطويرها، قبل أن يصدر توجيهاته بسرعة الانتهاء منها. ثم توالت الأخبار التي تناولت مشروعات أخرى تفقدها رئيس الوزراء، خلال زيارة لمحافظة الإسماعيلية.

الكلام، كما ترى، جميل ومعقول، ولا يمكنك أن تقول شيئًا عنه. لكن ما قد يدهشك قليلًا هو أن محافظ الإسماعيلية قام في أغسطس ٢٠١٦ بزيارة ميدانية للمستشفى نفسه، لمتابعة أعمال تطوير كانت عبارة عن تركيب «مراوح سقف» تبرعت بها جمعية أهلية. أما ما سيدهشك كثيرًا، وما قد يصيبك بالصدمة، وبالاضطرابات التي تحدث بعدها، فهو أن حجر أساس المستشفى نفسه، وضعه الدكتور أحمد جويلي، رحمه الله، حين كان محافظًا للإسماعيلية من ١٩٩١ إلى ١٩٩٤، وأن تشغيل المستشفى بدأ في ديسمبر ٢٠٠٣، ثم قام عاطف عبيد، رئيس الوزراء الأسبق، في ٢٥ يناير ٢٠٠٤، بافتتاحه رسميًا.

بهذا الشكل يكون بناء المستشفى قد استغرق عشر سنوات تقريبًا، ويكون الفاصل الزمني بين بدء التشغيل والافتتاح الرسمي أقل من شهرين. ومع ذلك، نشرت جريدة الأهرام في ٧ مايو ٢٠٠٥ خبرًا من عنوان و١٢ كلمة يقول إن الرئيس حسني مبارك يفتتح خلال أيام مستشفى الإسماعيلية العام باستثمارات بلغت ١٣٠ مليون جنيه. ومع نهاية الأسبوع الأول من يونيو ٢٠٠٥ ذكرت كل صحف القاهرة أن الرئيس سوف يزور الإسماعيلية خلال أيام، وأنه من المقرر أن يفتتح عددًا من المشروعات، بينها مستشفى الإسماعيلية العام الذي أقيم على مساحة ١٧ فدانًا، بتكلفة بلغت ١٣٦ مليون جنيه، وأتمنى أن تكون لاحظت أنها كانت ١٣٠ مليونًا في «مايو ٢٠٠٥»، قبل أن أفاجئك بأن محافظ الإسماعيلية، أعلن في مارس ٢٠١٧ أن الاعتمادات المالية المخصصة للمستشفى نفسه بلغت ٣٦٢ مليونًا!.

لا تشغل بالك بالأرقام، فما يعنينا الآن هو أن الرئيس الأسبق كان ينوي «أو ينتوي» في يونيو ٢٠٠٥، أن يقوم بإعادة افتتاح «مستشفى الإسماعيلية العام» الذي سبق أن افتتحه عاطف عبيد، قبلها بـ«سنة ونصف». وكانت تلك النية، نية إعادة الافتتاح، هي سبب الكارثة التي أشرت إليها في البداية. وما حدث باختصار مخل، هو أنه طبقًا لإجراءات «التأمين» المتّبعة، في ذلك الوقت، تم إخلاء المستشفى من كل النزلاء، أي من كل المرضى، وإلقاؤهم في الشارع، فحدثت مضاعفات لبعضهم، ومات آخرون، منهم المواطن حسن علي محمود حسن، الذي فارق الحياة، قبل مرور ساعتين على طرده من «العناية المركزة»!.

وقتها، ذهبت إلى الإسماعيلية، وزرت المقام «المستشفى» برفقة زميلي وصديقي جمال حراجي، وتحققت من صحة الكوارث، التي تسببت فيها إجراءات تأمين الزيارة، وكتبت التفاصيل كاملةً، ونشرتها جريدة «صوت الأمة»، تحت عنوان «زيارة السيد الرئيس قتلت الحاج حسن»، وكان للعنوان مكان بارز في الصفحة الأولى للجريدة. ولا أقول ذلك، إلا لأفاجئك بأن كل الحقوقيين والمناضلين، لم يلتفتوا إلى الموضوع، ولم يحركوا ساكنًا أو يهتز فيهم متحرك، ربما لأن القطط كانت تقتات على ألسنتهم في تلك الفترة، وربما لانشغالهم بالآنسة كوندي «كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة» التي زارت القاهرة في هذا الوقت. ومما يؤسف «أو يقرف» أن غالبية هؤلاء الحقوقيين والمناضلين ما زالوا يتصدرون المشهد، ويقيمون الدنيا، لمجرد أن خروفًا تعثر أو «بطنه وجعته»!.

لن أوجع دماغك بما تم إعلانه في ٢٠١٢ وفي ٢٠١٤، عن الانتهاء من أعمال تطوير المستشفى نفسه أو المقام. فقط سألفت نظرك إلى أن الأخبار الجديدة، التي أعادتني إلى الزمن الأغبر يا حسين أو «مليجي»، تم نشرها صباح السبت ٢١ أبريل، أي في اليوم التالي مباشرة لاحتفالات أو مهرجانات «فور تويتني»، Four Twenty، أو اليوم العالمي للحشيش، وهو أحد مظاهر ما يصفونها بـ«الثقافة المضادة»، Counter Culture. وفي هذا اليوم المبارك، يوم ٢٠ أبريل من كل عام، تُقام مهرجانات في الدول التي تسمح قوانينها ببيع وتعاطي المخدرات، «الحشيش والماريجوانا تحديدًا»، وتتجدد فيه الدعوات بتقنينها، والسماح بتعاطيها في كل دول العالم!.