رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سر الندّاهة.. لماذا ينتحر المراهقون؟

جريدة الدستور

تسببت ظاهرة انتحار المراهقين، من المدمنين على ممارسة لعبة «الحوت الأزرق»، فى حالة من الجدل الواسع حول العالم، نظرًا لما سببته من صدمة ومفاجأة لذويهم، وصولًا إلى مصر التى شهدت انتحار نجل نائب برلمانى سابق، بسبب معاناته من الاكتئاب، فى ظل الحياة فى الواقع الافتراضى الذى خلقته له اللعبة.
وفتح النقاش حول اللعبة بابًا للتساؤل عن انتشار ظاهرة الانتحار بين الشباب والمراهقين، وأسباب تزايد نسبة المنتحرين من بينهم، وآلية تعرف الأهل على وجود ميول انتحارية عند أبنائهم، بالإضافة إلى كيفية الوقاية منها.

3 مراحل قبل التنفيذ.. وتفهم اضطرابات صغار السن يمنع تحول الميول لواقع

يفرق الأطباء والخبراء النفسيون، بين وجود أفكار انتحارية تراود البعض، وتحول هذه الأفكار إلى سلوك وممارسة، يتمثل فى محاولة الفرد قتل نفسه، للتخلص من أعباء الحياة، موضحين أنه يمر بـ٣ مراحل، هى: «الأفكار، ثم السلوك، ثم التنفيذ فى الواقع المادى».
فى المرحلة الأولى، يتكون لدى الفرد نوع من الهواجس أو الخواطر أو النوايا، التى تتعلق بالرغبة فى التخلص من الحياة، وهى مرحلة قد تنتهى أو تتطور، تبعًا للطبيعة النفسية للشخص ذاته، ولظروفه الاجتماعية والشخصية، وطبيعة المسببات التى أوقعته فى هذه الحالة.
أما المرحلة الثانية، أى السلوك، فيقول الخبراء إنها تلك الإجراءات التى يتخذها الشخص الذى يفكر أو يستعد لإنهاء حياته، وتتعلق بكيفية تحويل الفكرة إلى حقيقة قابلة للتنفيذ فى الواقع المادى، وتسبق المرحلة الثالثة، وهى مرحلة التنفيذ ومحاولة الانتحار، التى قد تنجح أو تفشل.
ويشرح الخبراء أن إدراك مراحل الانتحار المختلفة، يمكن أن يسهم بشكل كبير فى مكافحة هذه الظاهرة فى بدايتها، أو فى مرحلة الفكرة الانتحارية.
يدفعنا ذلك إلى التساؤل عن أسباب ميل المراهقين إلى التفكير فى الانتحار، فى هذه السن. يوضح الخبراء أن فترة المراهقة تتسم بكونها فترة مليئة بالتوترات والتغيرات، سواء فى الجسم أو الفكر أو المشاعر، ما يسبب ضغطًا متزايدًا على نفسية المراهق، يجعله يعانى من الإجهاد والارتباك، والخوف، وعدم اليقين، فى ظل رغبته فى تحقيق النجاح، والتفكير فى الأشياء بطرق جديدة، والتميز عن محيطه.
وتتسبب هذه الضغوط فى حدوث اضطراب لدى المراهقين، يؤثر على قدرتهم على اتخاذ القرارات فى حياتهم خاصة إذا تزامن ذلك مع انفصال عائلى أو صعوبات مدرسية مثلا. وفى ظل هذه الحالة، يشير الأطباء النفسيون إلى أن فكرة الانتحار تطرح نفسها على ذهن المراهق، كأحد الحلول السهلة.
ووفقًا للمعهد الأمريكى الوطنى للصحة العقلية، تؤكد الأبحاث العلمية تزايد أعداد المنتحرين فى هذه المرحلة العمرية بشكل كبير، وإن كانت نسبة نجاح المراهقين فى التخلص من حياتهم، لا تزيد على مرة واحدة، من بين كل ٢٥ محاولة فاشلة. ويرى الخبراء النفسيون أن أهم عوامل ميل الشباب فى سن المراهقة إلى الانتحار، تتمثل فى نقطتين، أولاهما الإصابة بمرض الاكتئاب، بما يصاحبه من أعراض انعزالية، وإحباط عام، وثانيتهما الإدمان واستعمال المواد المخدرة، بما يصاحبه من سلوك عدوانى أو انسحابى، ورغبة فى إيذاء الذات وإيلام الآخرين.

من «النعكشة» و«الانطوائية» إلى «أنا زهقان» وآلام المعدة.. 15 عَرضًا تُنذر بالكارثة

تحدد الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ١٥ عَرضًا أساسيًا يمكن للآباء ملاحظتها بسهولة على أبنائهم، وهى أعراض واضحة، يكفى ظهور اثنين منها لدق ناقوس الخطر، والتنبه إلى أن المراهق دخل فى طور من أطوار الفكر الانتحارى، ما يتيح الوقت أمام الآباء للتصرف وعرض أبنائهم على المختصين لوقايتهم من هذه الفكرة.
ويتمثل العرض الأول فى عدم اهتمام المراهق بمظهره العام، وظهور حالة من الإهمال المفاجئ فى طريقة ارتدائه الملابس، أو تصفيف شعره، مع الامتناع عن الاستحمام، وهى أعراض اكتئابية واضحة يمكن رصدها بسهولة، ومساعدة المراهق على التخلص منها.
ويبدو العرض الثانى فى تزايد انفصاله عن أصدقائه، وتحول نظرته للحياة والخروج والرفاق إلى كونهم عبئًا عليه، مع تزايد حديثه عن وجود مضايقات فى أوساط المدرسة، وهى حالة تشير إلى شعوره بالإجهاد من الحياة، وتحولها إلى عبء غير مرغوب فيه.
ويظهر العرض الثالث، وفقًا للأكاديمية الأمريكية، فى التزايد المفاجئ لحالات إعلان العصيان والجدل، والبحث الدائم عن كسر القواعد، بلا أسباب واضحة أو مقدمات منطقية، ورغم كونها حالة سلوكية مرتبطة بالمراهقة، إلا أن تزايدها بشكل مفاجئ يشير إلى حالة تمرد ورفض للمحيط، قد تدفع لأفكار انتحارية.
كما يعد الهروب المتكرر من المنزل، أحد المظاهر الواضحة التى تشير لوجود خلل فى نفسية المراهق، وعدم تقبله حياته وأسرته، لذا ترتفع معدلات الانتحار لدى الأطفال المشردين أكثر من غيرهم.
كما ينذر تخلى المراهق عن ممتلكاته العزيزة، والهدايا والأشياء الثمينة والقيّمة، التى ارتبط بها فى مرحلة سابقة بوجود مشكلة كبيرة تؤثر عليه نفسيًا، لكون تخلى الطفل عن الأشياء العزيزة يرتبط عادة بالرغبة فى التخلى عن الحياة، فى أحيان كثيرة.
وتؤكد الأكاديمية الأمريكية، أن كثيرًا من المراهقين يميلون للكتابة عن الموت، ويسطرون بأيديهم مجموعة من الكتابات الظلامية والمتشائمة، وهى ظاهرة شائعة ترتبط عادة بالميل للتخلص من الحياة، وهى مسألة يمكن كشفها بسهولة بالبحث فى أوراق المراهق، وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعى.
كما يميل المراهقون الراغبون فى التخلص من الحياة إلى الحديث عن ذلك، والإفصاح عن نواياهم لبعض أصدقائهم من المقربين، أو الحديث عن الأمر على سبيل المزاح، ويؤكد الخبراء النفسيون، أن المزاح فى مسألة الانتحار يجب أخذه دائمًا على محمل الجد، لكونه يعد محاولة من المراهق لاستكشاف ردود فعل من حوله، حال إقدامه على هذه الخطوة.
ويميل الشباب ممن تستحوذ عليهم أفكار انتحارية إلى الوحدة، ويؤكدون دائمًا رغبتهم فى ذلك، ويحرصون على الابتعاد عن التجمعات العائلية والمناسبات والأصدقاء، وهى تغيرات سلوكية تكفى لإثارة الريبة لدى الآباء، خاصة إن صاحبتها أعراض أخرى، من السابق ذكرها.
كما يشكو الراغبون فى الانتحار عادة من أعراض مرضية معينة، تتمثل فى الصداع المستمر، أو آلام المعدة، ما يشير إلى إصابتهم باضطراب القلق، ويزيد من رغبتهم فى الانتحار.
وتترافق عبارة «أنا فاشل»، برغبة المراهق فى التخلص من حياته، وهى حالة تسيطر عليه، حتى لو كان موفقًا فى حياته من وجهة نظر المجتمع والمحيطين به، لذا يجب الالتفات إلى تقييم الطفل لنفسه، مهما كانت آراء من حوله.
وترتبط الميول الانتحارية أيضًا باضطرابات النوم، فعادة ما يميل المراهق المكتئب إلى الاستيقاظ طوال الليل والنوم طوال النهار، وهذا التغير فى أنماط النوم يستحق الاهتمام، لأنه يشير إلى أعراض اكتئابية واضحة.
كما يكرر المراهقون عبارة: «أشعر بالملل»، وهى عرض قد يشير حال استمراره وتكراره إلى عدم رضا الشخص عن نمط حياته، ما قد يدفعه للتخلص منها، بالإضافة إلى ذلك يعانى أصحاب الميول الانتحارية من فقدان التركيز، وعدم القدرة على بذل مجهود بدنى أو ذهنى، وهى أعراض ربما تشير حال اجتماعها إلى وجود مشكلة كبيرة، فى نفسية المراهق.
وتوضح الأكاديمية أن أعراض الملل وفقدان التركيز، وتدهور الصحة العامة، تشير إلى العرض الأخير من أعراض الميول الانتحارية، وهو تعاطى المواد المخدرة، أو الكحوليات، وهى مواد تزيد من رغبة الشخص فى التخلص من حياته، إن ترافقت مع الأعراض السابقة.