رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التربية بالقدوة والتعليم بالمعاصرة


تابعنا بكل تعاطفٍ المشهد الرائع لتلك الجنازة الحاشدة لوداع معلم مثالى نبيل من جانب طلابه وأولياء الأمور والزملاء، بل أهل المنطقة التى عاش فيها، وقد تكرر ذلك المشهد المؤثر فى وداع أكثر من معلم، وكتبت مندهشًا حزينًا لعدم مشاركة وزير التربية والتعليم والمحافظ وغيرهما من القيادات فى مثل تلك المناسبات ليعربوا عن تقدير مؤسساتهم لأصحاب تلك النماذج القدوة.
فى زمن افتقاد القدوة والمثل الطيب بالقدر والشكل المأمول، نأمل أن يؤكد أهل القرار والمسئولية على كل ما من شأنه إعلاء القيم الإيجابية وأصحابها، وأن يتنبه الإعلام لدوره المهم فى إلقاء الضوء، بل تنوير وجوه أصحاب مبادرات العمل الوطنى والإنسانى المتميز والرائد.. لماذا لا تكون أسماء الفصول فى كل مدارسنا بأسماء أبطالنا عبر التاريخ (الأحياء والأموات والشهداء) والعلماء والمخترعين البارزين والسياسيين النبلاء أصحاب الأدوار التاريخية ونجوم الفن والرياضة وغيرهم فى كل المجالات؟.. نختار منهم من يمثل القدوة الصالحة.
وأتساءل: هل تنبه أحد للأرقام التالية التى خرج بها أحد مراكز الأبحاث فى مجال تطوير التعليم، مثل أن نسبة ١٠٪ من الطلاب الذين أشاروا إلى أن المعلمين يتناقشون معهم أثناء الحصص الدراسية، ٤٠٪ أفادوا مطالبتهم بحفظ المقررات الدراسية، كما وقف المسح على مشاكل فى البنية الأساسية فى المدارس، حيث جاءت نسبة ٤١٪ من مدارس الريف بها مشاكل فى الفصول، سواء فى تحطم مقاعد الطلبة أو النوافذ أو الأبواب، أما فى العشوائيات فنسبة ٣٥٪ من فصول المدارس تفتقد الإضاءة والتهوية؟!.
وبمناسبة البحوث العلمية وأهميتها، أكاد أتخيل أن الناس فى كل الدنيا تسعدهم مخرجات الأبحاث العلمية والتكنولوجيا المعاصرة وتسهم فى رقيهم وتقدمهم، إلا فى عالمنا النامى، فالتكنولوجيا المعاصرة التى نكتفى باستخدامها كمستهلكين قد تتسبب فى تراجع حضارى وقيمى فى بعض الأحيان.. فالهاتف المحمول على سبيل المثال أسهم بشكل ما فى تيسير سبل التواصل والإنجاز وامتصاص قدرٍ ما من حجم البطالة، ولكن تعال عزيزى القارئ نرصد هذا الكم الهائل من السلبيات نتيجة سوء التعامل مع ذلك الاختراع العبقرى.. انتشار استخدامه فى الغش فى الامتحانات، استخدامه فى دوائر التفجيرات الإرهابية، فضلًا عن استخدام هواتف غير معلوم أصحابها فى ارتكاب جرائم، وكيف باتت تلك الأجهزة وسائل تنبيه سريعة فى دوائر أهل الشر للإفلات من كمائن الشرطة ومتابعاتها؟، وكيف صار الحال على الطرق السريعة وارتفاع نسب الحوادث ونزيف الأسفلت بسبب الانشغال بمكالمات تذهب بأصحابها إلى فعل كوارث بشعة؟.. كل ذلك وغيره الكثير على الجانب المادى، أما على الجانب الإنسانى والنفسى والمجتمعى فالأمر بات فى منتهى الخطورة.. حالات تفسخ أسرى، وتزايد حالات فسخ الخطوبة، وارتفاع نسب الطلاق، وفلتان عيار البنات والشباب، وسلم لى على أى محاولات للرقابة والتتبع يا بابا كولمبو ويا ماما أجاثا كريستى.
فى حلقة مهمة من حلقات برنامج (٩٠ دقيقة) رصد لنا مُقدمه الإعلامى الأكاديمى «محمد الباز» تفاصيل مشهد أراه مؤكدًا لجانب أو زاوية أخرى من أشكال ممارساتنا البحثية والعلمية الخاطئة حول أستاذ أكاديمى مشرف على رسالة علمية، وتصادف أنه مسئول بدرجة وزير، فإذا به يناقش الباحث من على كرسى السلطة السياسية.. وعليه أعلن د. الباز رفضه تداخل الشأن السياسى بالبحث العلمى حتى لو بدافع وطنى.. قال الباز: «ما فعلته شو سياسى، وأمر لا يليق، أنت لست أهلًا لمناقشة رسالة إعلامية فيها خطأ، أنت فى قاعة علم، كان عليك أن تحترم ذلك»، وتابع أن الجُمل التى انتقد فيها الوزير الباحث هى مقتطعة من السياق وفقًا لوجهة نظر الباحث، لكى يقوم بشو إعلامى، مطالبًا الوزير بالاعتذار، معقبًا: «أنت كسرت خاطره اعتذر يا دكتور».. حرية البحث العلمى مكفولة وفق كل الدساتير والقوانين مادامت لا تقترب من مخاطر تهديد الأمن القومى ومصالح الوطن العليا.
وبالمصادفة، وفى سياق فقرات تلك الحلقة المهمة، أجرى د. الباز حوارًا مهمًا مع المتحدث الإعلامى حول شكل التطوير المنتظر فى العملية التعليمية للتواصل مع الأطر والأشكال المعاصرة للتعليم فى العالم المتقدم، وكان من المهم توصل البرنامج للتأكيد أن خطة تطوير التعليم قائمة على تطوير النظام القائم والانتقال الجذرى لنظام تعليمى جديد تحت عنوان «خطة بناء الإنسان المصرى»، حيث ستكون الثانوية العامة ثانوية التقييم الجديد والفهم، مشيرًا إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قرر تحمل الدولة تكلفة توفير جهاز كمبيوتر لوحى (تابلت) لكل طالب، وأن الرئيس وجه بالتفاوض مع البنك الدولى لرفع قيمة القرض المقدم لتنمية قطاع التعليم من ٥٠٠ مليون دولار إلى مليار دولار، خاصة أن التكلفة الإجمالية ستصل إلى مليارى دولار.. لن يتم عمل امتحان قومى على مستوى الجمهورية لجميع طلبة الثانوية، بمعنى أن المدرسة تطلب امتحان الثانوية ويتم إرساله إليها فى يوم وساعة محددة إلكترونيًا دون طباعتها، ويتم تحميله مباشرة على الكمبيوتر اللوحى أو الكمبيوتر المكتبى للطالب الذى يجيب عنها ويرسل إجاباته مباشرة، ليتم تصحيحها إلكترونيًا، حيث سيتم إرسال نفس الإجابة لاثنين من المصححين ليتم الأخذ بمتوسط الدرجة التى يمنحها المصحح أو الدرجة الأعلى، دون أن يعرف المصحح هوية الطالب الممتحن.
أخيرًا، أتفق مع الدكتورة سهير دفراوى فى توصيفها لمشكلة التعليم فى مصر على أنها تنتج عن تأثير خمسة عوامل تبرز فى: دور إدارة وزارة التربية والتعليم لمنظومة التعليم، وتكوين المدرس وعلاقته بالمنهج، وثقافة المجتمع والمهارات الحياتية ومن ضمنها الأخلاقيات التى نشأ وتربى عليها المجتمع، والمواطنة، ودور مجانية التعليم فى مشكلة التعليم، وعلاقة التعليم بالمجتمع. عندما ننظر لإدارة الوزارة منظومة التعليم نجدها تتدخل فى إدارة المنظومة التعليمية فى كل مصر، وتقوم بالثلاث مسئوليات أساس المنظومة، والمتمثلة فى المسئولية الاستراتيجية، كما تتولى مهمة وضع المنهج وتأليف الكتب، بالإضافة للمسئولية التنفيذية، وتتولى من خلالها تعيين ورفت المدرسين والإداريين، وتقوم أيضًا بمسئولية التقييم، حيث ينوط بها وضع الامتحانات وتقييم الطلبة، بحيث لا تكتفى بالمركزية، بل تجمع بين كل السلطات، حيث تقوم بدور المدعى العام والمحامى والقاضى فى الوقت ذاته، ونتج عن ذلك أن الوزارة تُهدر مجهودها فى المسئولية التنفيذية، الأمر الذى يؤثر سلبًا فى مجهود المسئولية الاستراتيجية والتقييمية، وهذا أدى لوجود خلل فى المنظومة ككل لعدم مقدرتها على القيام بالثلاث مسئوليات، «الاستراتيجية والتقييمية والتنفيذية».