رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محطة التحرير القادمة فى سوريا


ماذا بعد العدوان الثلاثى على سوريا؟ ما نتائج هذا العدوان؟ وإلى أين ستكون وجهة الجيش العربى السورى القادمة؟.. أسئلة أثارها الهجوم الثلاثى بصواريخه وطائراته على سوريا بعد أن جاءت النتائج لصالح الرئيس بشار الأسد والدولة السورية.
عسكريًا، لم يغير العدوان من واقع انتصارات الجيش العربى السورى وحلفائه على الأرض، فقد فرضت قوات الجيش سيطرتها الكاملة على مدينة دوما آخر معقل المعارضة المسلحة وجيش الإسلام فى الغوطة الشرقية، ورفع العلم السورى على مبنى فى دوما إيذانًا بالسيطرة الكاملة.. استطاعت وسائل الدفاع الجوى السورى التعامل مع ٧٠٪ من الصواريخ، وأسقطتها بمنظومة دفاع جوى قديمة، ما دفع الروس إلى الموافقة على تزويد الجيش السورى بمنظومة صواريخ أرض ــ جو «سى ٣٠٠، وسى ٤٠٠» وغيرها من الأسلحة المتطورة، ولم تحقق الضربة الثلاثية خسائر بشرية فى العسكريين واكتفت بإصابة ثلاثة من المدنيين.. وتفادت الصواريخ فى ضرباتها أى تواجد محتمل لقوات روسية على الأرض.
سياسيًا.. اكتسبت العلاقات السورية مع الحلفاء، قوة جديدة. فها هو حسن نصر الله يؤكد أن العدوان فشل فى تغيير المعادلة لصالح إسرائيل وبعض الدول الإقليمية.. أما على أكبر ولاياتى، مستشار المرشد الإيرانى، فيرى أن الوجهة القادمة ستكون إدلب، وكذا الشمال السورى الذى تقع بعض مناطقه تحت سيطرة أمريكية، وأن العدوان لم يحقق أى نجاح.
ومن العراق أكد نور المالكى، الرئيس العراقى، رفض بلاده استخدام القوة كطريقة لحل الصراع السورى، فى ظل تصاعد الأزمة، وأيضًا أعلنت كل الفصائل الفلسطينية إدانتها الكاملة للعدوان بما فيها «حماس»، التى أدانت العدوان واعتبرته خدمة للكيان الصهيونى.
شعبيًا.. كان التفاف الجماهير فى سوريا حول القيادة السورية تأكيدًا لصحوة شعبية، فقد خرج آلاف السوريين بعد الهجوم بساعات إلى ساحة الأمويين فى دمشق، منددين بالعدوان، ومؤكدين دعمهم لقيادتهم. وأظهرت مشاهد لسوريين يتابعون مباراة لكرة القدم فى طرطوس، أنهم شعب لا ترعبهم أمريكا ولا غيرها.. ونُشرت صور للرئيس السورى الراحل حافظ الأسد وهو يقول: «سوريا لا تخيفها حاملات الطائرات ولا تخيفها الأساطيل».
أما على مستوى القيادة، فكان الفيديو الذى بثه التليفزيون الرسمى للرئيس بشار، وهو يصل إلى قصر الرئاسة مبكرًا حاملًا حقيبة إلى قصر الرئاسة، ليظهر صلابة وتماسكًا فى مواجهة آثار العدوان الثلاثى، مؤكدًا أن الموضوع لا يستحق الاهتمام الذى أولاه له العالم كله.
إذن لم يحقق العدوان هدفه العسكرى بتدمير البنية العسكرية للجيش السورى أو إجباره على تغيير مواقعه على الأرض، التى استطاع تحقيقها خلال الأشهر الماضية خاصة فى حلب والغوطة الشرقية. الجيش العربى السورى الذى امتص الضربة بهدوء وخرج منها بخسارة طفيفة لا تعدو ضربات على مدرج لمطار تم إصلاحه أو هدم لمبنى بحوث علمية.. أبحث هنا عن الإجابة عن السؤال الأهم: إلى أين ستكون الوجهة القادمة؟.. الخريطة تغيرت لصالح قوات الجيش السورى، بعد أن سيطر مؤخرًا على الغوطة الشرقية المحاذية لدمشق، ولم يبق للمعارضة سوى بضع مناطق بالقلمون شمالًا وجيب محاصر جنوبًا، وخرجت الفصائل من دوما لتخسر سيطرة الفصائل فى جيب محاصر جنوبى دمشق ببلدة يلدا وبييلا وبيت سحم.. وفى الجوار يبسط تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» سيطرته على أربعة أحياء جنوبى دمشق، وهى مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن والتعوم، بعد تهجير معظم أهلها.. أما فى ريف دمشق الشمالى، فما زالت الفصائل تسيطر على أجزاء من منطقة القلمون تضم مدن الضمير وجيرود الرحيبة.. ويحاصر الجيش السورى هذه المناطق، وهى تخضع منذ سنوات لاتفاق هدنة معه، لكن سقوط الغوطة الشرقية سمح للجيش بأن يبدأ فى التفاوض مع المعارضة على خيارين لا ثالث لهما.. إما التهجير أو المواجهة، وباتت مناطق ريف إدلب، الوجهة الأخيرة لجميع المهجّرين من المناطق التى يحررها النظام.
إدلب التى تقع فى شمال غرب البلاد، ربما ستكون هى الوجهة القادمة للجيش السورى، وهى تمثل أكبر معسكرات اللاجئين السوريين التى يسيطر عليها مقاتلو الفصائل المسلحة، وقد تكون هى الهدف التالى للجيش السورى.. عدد سكان إدلب يبلغ نحو مليونى نسمة من بينهم مئات الآلاف من السوريين الذين تم إجلاؤهم من مدن كانت قوات المعارضة تسيطر عليها واستعادها الجيش العربى السورى. وزير الخارجية الفرنسى جان إيف لودريان، حذر من وقوع كارثة إنسانية، وأشار فى مقابلة مع صحيفة لوجورنال دور ديمانش الفرنسية الأسبوعية، «هناك خطر من حدوث كارثة إنسانية جديدة، ويجب تقرير مصير إدلب من خلال عملية سياسية تتضمن نزع سلاح الميليشيات».. أما الجانب الإيرانى، فقد عبر مستشار المرشد الإيرانى على أكبر ولاياتى عن تطلع بلاده إلى أن تتحرر إدلب فى القريب العاجل، فهى مدينة مهمة وتأمل إلى السيطرة عليها وتحريرها من قبضة مقاتلى المعارضة المسلحة. ويبدو أن التحرك إلى إدلب أو الجيش السورى بغارات على أماكن متفرقة من ريفى إدلب وحماة المتجاورين، استهدف عدد منها مخيمات النازحين قرب قرية أرنبة فى جبل الزاوية، كما استهدف منطقة ترملا فى جبل شحبور بريف إدلب.. وتم قذف بلدة الهبيط ومرشد عابدين فى ريف إدلب الجنوبى، وتم قطع طريق الهبيط ــ خان شيخون أمام حركة المدنيين إثر اقتتال مستمر بين هيئة تحرير الشام وجبهة تحرير سوريا. ويعتبر الطريق بين الهبيط وخان شيخون طريقًا رئيسيًا للحركة من ريف إدلب، إلى ريف حماة، وقد أتى قطع الطريق بعد تقدم واسع للهيئة فى إدلب، وسيطرتها على خان شيخون وعشر قرى أخرى، وسيطرة تحرير سوريا على قرية عاجل وجمعية السعدية وثلثى النعمان والضبعة بريف حلب الغربى، بعد انسحاب تحرير الشام منها، وعلقت المنظمات الإنسانية فى محافظة إدلب عمليها الإغاثى والطبى، على خلفية المواجهات العسكرية، ومن بين الجمعيات، الجمعية الطبية السورية ــ الأمريكية «sams»، واتحاد المنظمات الإغاثية «uossm»، ومنظمة أطباء عبر القارات الرابطة الطبية للمغتربين السوريين، ومنظمة شفق، ويدًا بيد من أجل سوريا، وإغاثة سوريا، وسوريا للإغاثة والتنمية، وكذا تم إيقاف العمل فى مستشفى المعرة الوطنى، وإيقاف العمل غير الإسعافى فى جميع المشاريع.
وبعد العدوان الثلاثى، يمضى الجيش السورى بثبات نحو استعادة السيطرة على كامل الأرض، حيث يتحكم حاليًا فى نحو ٦٠٪ من البلاد، وهو يحاول حاليًا بسط النفوذ الكامل على العاصمة دمشق، من خلال طرد تنظيم داعش من أحياء جنوب العاصمة، خاصة اليرموك والحجر الأسود والتضامن والقرم.
ويؤكد جوليان نيرون المتخصص فى الشأن السورى، أن تأمين العاصمة سيكون بمثابة رصيد جديد يبنى عليه للاستفادة من بناء القدرات على جبهات أخرى، بينها درعا وتسيطر فصائل تعمل تحت مظلة النفوذ الأردنى والأمريكى على ٧٠٪ من درعا وعلى أجزاء من المدينة مركز المحافظة.. ورغم الحشد المستمر من طرفى النزاع إلا أن أجزاء من المحافظة تشهد توقفًا فى العمليات القتالية إلى حد كبير، وهى تعد من المناطق التى تشهد ضغطًا للتوتر فى سوريا. وأوضح نيرون أن درعا تمثل مشكلة حقيقية للنظام يركز عليها منذ فترة طويلة، فى محاولة لاختراق المنطقة التى تسيطر عليها الفصائل، وصولًا إلى المدينة التى تحمل الاسم ذاته.. وتشكل سيطرة الفصائل على الحدود الجنوبية ورقة استراتيجية فى يد الفصائل، وتقوض صورة النظام لناحية إمساكه مجددًا بأراضيه. ويرى محللون أن الصعوبة تكمن فى ضرورة أن تتجنب دمشق أى تصعيد عند توجهها جنوبًا نحو الحدود مع إسرائيل.. ويرى سام هيلر المتخصص فى الشأن السورى بمجموعة الأزمات الدولية، أن لمناطق الجنوب السورى حساسية خاصة كونها تقع بين دمشق من جهة، والأردن وإسرائيل من جهة أخرى. وبالتالى قد يكون من شأن أى عمل عسكرى أن يمس الأمن القومى للدول الثلاث، كما أن درعا هى المحافظة الأولى التى شهدت انطلاق شرارة الأحداث فى سوريا وأول الاحتجاجات فى مارس ٢٠١١.
كما يرى توما بيديه أن درعا تشكل أولوية أكثر إلحاحًا من إدلب لأسباب اقتصادية ولإعادة فتح التجارة مع الأردن، ويحظى معبر نصيب بأهمية استراتيجية خصوصًا بالنسبة لدمشق إذ كانت تنتقل عبره معظم البضائع بين سوريا والأردن والخليج.
أيًا كانت الوجهة القادمة إدلب أم درعا، فقد تمكن الجيش السورى عبر السنوات الخمس الأخيرة من استعادة مدن ومحافظات استراتيجية من بينها القصير فى يونيو ٢٠١٣، حيث كانت تلك المدينة الحدودية ترى لبنان معقلًا للمعارضة.. كما تبدو معارك حلب، قريبة مما حدث فى دوما والغوطة، حيث تمكن الجيش العربى من استعادة نصف المدينة فى ٢٠١٦ التى تعد ثانى أكبر مدن سوريا، والتى سيطر عليها مقاتلو المعارضة فى ٢٠١٢، وانتهت المعارك هناك مثلما انتهت المعارك فى دوما بإجلاء عشرات الآلاف من المسلحين وعائلاتهم إلى مناطق سيطرة المعارضة فى الشمال السورى، وتم نقل المعارك فى تدمر فى محافظة حمص عن سابقتيها، حيث أعلن الجيش العربى السورى سيطرته عليها فى مارس ٢٠١٧ بعد معارك عنيفة مع داعش، وظل الجيش وداعش يتبادلان السيطرة على تلك المدينة الأثرية طوال عامين، وبعد شهرين من تحقيق السيطرة على تدمر، تمكن من إحكام القبضة على حمص ثم مدينة البوكمال فى دير الزور الحدودية مع العراق.. ولم يتخلَ الجيش عن محاولات استعادة مدن فى درعا، حيث تمكن بدعم روسى ــ إيرانى من السيطرة على بلدة الشيخ مسكين الحدودية مع الأردن فى الجنوب السورى، والتى تؤدى إلى دمشق فى الشمال والسويداء فى الشرق.
فشل العدوان وصمد الجيش السورى، وأيًا كانت وجهته القادمة شمالًا أو جنوبًا فسيكون النصر حليفه، وستعود سوريا العربية مرة أخرى دولة متماسكة تعيد التوازن فى المنطقة، وتظل امتدادًا للأمن القومى المصرى.