رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الأرملة البتول».. زوجة القمص بيشوى كامل: السماء منحته لقب «قديس» قبل الكنيسة

زوجة القمص بيشوى
زوجة القمص بيشوى كامل

- طبيبه طلب منه السفر إلى لندن للعلاج فرفض وقال: «مثلى مثل كل أبناء الكنيسة»
- أنفق راتبه على الفقراء والمحتاجين وكنت أسارع لادخار جزء منه لمنزلنا

لم تحصل على لقب الراهبة أو المكرسة، ولم تنعم بزيجة كالمتعارف عليها عند جميع النسوة، بل حصلت على ما هو أسمى، متمثلًا فى «البتولية»، حسب العقيدة المسيحية.
«تماف أنجيل باسيلى»، أرملة القمص بيشوى كامل التى زارتها «الدستور» فى منزلها بمنطقة «كامب شيزار» بالإسكندرية، تزامنًا مع احتفال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمرور ٣٨ عامًا على رحيل زوجها الذى منحه الأقباط لقب «قديس»، قبل منحه إياه من قبل «المجمع المقدس».
وكشفت السيدة «تماف» ــ وهى شقيقة الأنبا ديمتريوس أسقف ملوى وإنصنا والأشمونين للأقباط الأرثوذكس بمحافظة المنيا ــ فى حوارها الصحفى الأول، العديد من خبايا وأسرار حياة القمص بيشوى وقصة احتفاظهما بـ«البتولية» رغم زواجهما، التى لم تكشفها من قبل.

■ بداية.. متى بدأ القمص بيشوى كامل الخدمة الكنسية؟
- بدأ الخدمة عام ١٩٤٨ وهو فى السابعة عشرة من عمره بخدمة التربية الكنسية فى كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك، وكان لا يزال طالبًا فى الجامعة، وبعد أن كانت خدمة «مدارس الأحد» فى ذلك الوقت تُقام فى المدارس القبطية المحيطة بالكنيسة، نقلها إلى داخل الكنيسة.
ولأمانته ومحبة الجميع له، تم اختياره ليكون أمين عام خدمة فى تلك الكنيسة، وفيما بعد أصبح أمينًا عامًا على كنائس الإسكندرية، وهو ما لم يزد أبدًا من كبريائه، لأن وداعته وتواضعه كانا أكبر من أى شىء.
■ ماذا كان يدرس فى الجامعة.. وكيف بدأ إلقاء دروسه؟
- كان يدرس فى كلية العلوم، إلى جانب دراسته «علم النفس»، وكثيرًا ما جمع بين الخدمة فى الكنيسة وتلك الدراسة، حتى إنه كان فى خدمة الكنسية، قبل يوم واحد من أدائه امتحان الدبلومة فى علم النفس.
وخلال تلك الخدمة، ألقى كلمة كانت سبب فرحة وبركة لكل الحضور، وفى اليوم الثانى امتحن الدبلومة ونجح بتقدير امتياز، والغريب أن الدكتور الذى امتحنه أعجب به جدًا، ورغم أنه لم يكن مسيحيًا، فإنه قال له: «قول لى بقى أنت ناوى على إيه؟.. رهبنة ولا ناوى تترسم قسيسًا؟»، وفعلًا تمت سيامته كاهنًا بعدها بفترة بسيطة.
■ لماذا اتجه القمص بيشوى للرهبنة.. ومتى بدأ فيها؟
- كان «أبونا» يشتهى الرهبنة، ويتردد على الدير كثيرًا، وفى ديسمبر ١٩٥٤ وتزامنا مع فترة صوم الميلاد، أخد قرارًا نهائيًا بالرهبنة، وذهب لدير السريان بوادى النطرون، وبالفعل قبلوه وبدأ يستعد، لكن فى اللحظات الأخيرة أصيب والده بشلل نصفى، وكان لا بد أن يكون بجواره حتى يطمئن على حالته الصحية.
وفى ١٨ نوفمبر ١٩٥٩، أخذ «بيشوى» ــ الذى كان يسمى «سامى» وقتها ــ فصله فى مدارس التربية إلى الدار البابوية بالإسكندرية، لينالوا بركة البابا كيرلس السادس، وما أن قبَّل يديه حتى فوجئ بالبابا وهو يخبره بأنه سيرسمه كاهنًا بعد ٤ أيام.
قال البابا وقتها: «لن نستطيع البدء فى بناء كنيسة مار جرجس قبل رسامة كاهن خاص بها»، فهتف أحد القساوسة ويُدعى «مينا»: «ها هو الشاب الذى يصلح لأن يرعى شعب الكنيسة»، مشيرًا إلى القمص بيشوى.
وبعد أسئلة قليلة، وضع البابا الصليب على رأسه، وقال له: «علامة معطاة من الله أن تصبح كاهنًا وسأرسمك الأحد المقبل»، وبالفعل منحه البابا فرصة يومين، فظل يصلى حتى يظهر الله إرادته.
■ كيف تحقق زواجكما بعد أن اتجه القمص بيشوى للرهبنة؟
- جاء «أبونا» ليطلبنى للزواج فى العاشرة من مساء نفس الليلة التى تم ترسيمه فيها، وبالرغم من أننى كنت أفكر فى الرهبنة، فإن البابا كيرلس طلب منى الموافقة على الزواج، فأشعرنى وكأن تلك رسالة من الله لى، وتمت الخطبة يوم الخميس ١٩ نوفمبر ١٩٥٩، كما تمت صلوات الإكليل «الزواج» مساء الثلاثاء ٢٤ نوفمبر، ولم يغير قرار الزواج ما اشتهاه قلب «أبونا بيشوى» للرهبنة ولا حتى أنا، بل تعاهدنا على تحقيق شهوة قلوبنا «البتولية» حتى النهاية، وكل منا كانت له جلسة خاصة بمفرده مع البابا كيرلس السادس، فى هذا الشأن.
■ تعتقد كثير من الفتيات أن الزواج من قساوسة يدمر الرباط الأسرى والمجتمعى.. ما ردك؟
- من يعتقدن ذلك، لم يصلن بعد للقامة الروحية التى وصل لها من تم اختياره للكهنوت، لأن من يعيشون فى سلام مع الله ومحبة له يريدون أن يصل كل الناس لهذه الدرجة، التى يصل فيها المرء لاكتمال محبته مع الله، الذى قال: «إن أردت أن تكون كاملًا اترك كل شىء واتبعنى».
والترك هنا لن يحدث إلا من قلب أحب الله أكثر من كل شىء فى العالم، وأكثر من أى عظمة أو أى شهرة مثل «أبونا بيشوى كامل»، الذى كان لا يبحث عن الشهرة أبدًا.
والفتاة التى تخاف الزواج من قسيس، هى ذات قامة روحية قصيرة، كل ما تفكر به أنها تريد أن «تشبع من زوجها»، وتقضى أغلب وقتها معه، بينما أنا كنت سعيدة بخدمة أبينا لله، ولم يحدث أن اصطحبنى لـ«نغير جو» فى مكان ما، أو نسافر أى بلد كنوع من الترفيه، مثلما يفعل بعض القساوسة حاليًا كراحة لفترة ما، لأن «راحة أبينا فى خلاص النفوس».
■ ما تفاصيل حياته فى خدمة أبناء الكنيسة؟
- لو رأى عائلة منقسمة كان يسهر طوال الليل ليصلى من أجل حل مشكلاتهم، ولو طلب أى إنسان مساعدته ــ ولو فى ساعة متأخرة بعد نصف الليل ــ كان يستيقظ ويجرى مسرعًا إلى البيت، ليكون فى خدمتهم، والصلاة من أجلهم.
كان يرى أن أعظم خدمة هى خدمة الله، ولم تهمه أمور الدنيا والماديات، ولم يكن لدينا سوى راتبه الشهرى، و«عمره ما شاله فى جيبه.. كان حاطه فى درج البوفيه، وبيصرف أغلبه على الفقراء»، لدرجة أننى كنت أحاول اللحاق وادخار جزء من راتبه لمصروفات ومستلزمات البيت قبل صرفه على المحتاجين.
■ هل كانت له أى معجزات؟
- أبونا بيشوى له ظهورات كثيرة عندنا فى البيت، شهد عليها الجيران، كما رأى حراس أمن الكنيسة الكثير منها أثناء تواجده فيها، فى حياته كانت له معجزات كثيرة وبعد وفاته أيضًا.
ومن تلك المعجزات، ما حدث أثناء مرضه فى المستشفى، إذ دخلت السيدة العذراء وشفت له ذراعه، وعندما قال له الأطباء إنه مصاب بـ«السرطان» فى بطنه، دخل غرفة العمليات، ومعه صورة للعذراء، فطلبت منه الممرضة أن تأخذها حتى لا تضيع منه، لكنه رفض قائلًا: «عايز العدرا تدخل معايا»، وبالفعل حدثت المعجزة، ولم يجد الأطباء أى «سرطان».
المعجزة الثانية، كانت فى المستشفى أيضًا، مع امرأة عراقية مريضة، لم تجد لمرضها أى علاج لمدة ٩ أشهر، وأجرت ٩ عمليات خلال تلك الفترة، وكان لا يوجد أمل فى شفائها، وعلمت أن السيدة العذراء شفت «أبانا»، فطلبت منه أن يصلى لها.
وبالفعل، أرسل لها أبونا «مية اللقان»، وهى زجاجة على شكل السيدة العذراء من دير القديس مار مينا بمريوط، فتحسنت حالتها تمامًا بعد استخدامها.
■ بذكرك فترة مرضه.. هل صحيح أنه طلب من الله أن يُمرضه بـ«السرطان»؟
- أبونا لم يطلب المرض نهائيًا، تلك شائعة تداولها الجميع بعد انتقاله للسماء، هو صحيح كان أول من أطلق على السرطان «مرض الفردوس»، لكن لم يطلبه من الله، ومن ضمن ما كتبه: «إوعى تطلب صليب لنفسك ماتقدرش تشيله»، لذا لم يطلب المرض أبدًا، ولم يطلب الشفاء من المرض أيضًا.
■ لماذا ارتديت الأبيض بدلًا من الأسود بعد رحيله؟
- لما توفى عام ١٩٧٩ ودخلت عشان ألبس الأسود، قولت لنفسى: «فى السما لابسين الثياب البيض، وفى إيديهم سعف النخل وبيمجدوا الله ويقولوا إللى جالس على العرش له المجد والقوة.. يبقى نلبس أسود ونقعد نعيط ليه؟.. أنا مش هعيط، ولا هلبس أسود».
قررت أرتدى ثيابًا بيضاء لمدة ٣ أيام، «عشان إللى ييجى يعزينى، أقوله: أبونا فى السما وفرحان»، وعندما توفى صرخ كل الكهنة، فقولت لهم: «محدش يصرخ»، ووقفنا نصلى التسبحة، وأنا فى منتهى الانتعاشة، ذهنى مكنش مع الناس، كان بيفكر إن «أبونا» فرحان وعايزه أفرحه أكتر.
■ لماذا اضطر القمص بيشوى للسفر إلى الخارج أكثر من مرة؟
- فى لوس أنجلوس، لم تكن للأقباط كنيسة يصلون فيها، فكانوا يذهبون ليصلوا عند السريان باللغة السريانية، وهى لغة إنجليزية، لذلك لم يكونوا يتمتعون بالصلاة، فأرسلوا خطابًا إلى البابا كيرلس السادس يطلبون منه أن يرسم لهم كاهنًا.
ولشدة محبة البابا كيرلس للقمص بيشوى كامل، قال له: «يا أبونا عندك مانع تسافر شهر أو اتنين تعمل كنيسة لمجموعة من الأقباط فى المهجر وتشوف احتياجاتهم؟»، فرد: «تحت أمرك يا سيدنا».
وبالفعل أرسلوا لنا تذاكر وسافرنا للمهجر فى ٨ نوفمبر ١٩٦٩، وعدنا ٢٧ سبتمبر ١٩٧٠، أى نحو ١٠ أشهر فقط، زار خلالها أغلب الولايات، أما السفرية الثانية للمهجر، فكانت فى ١٤ يناير ١٩٧٤ وعدنا فى ٢٣ أغسطس ١٩٧٤.
أبونا بيشوى كامل كان بيحب مصر جدًا، وكان بيقول: «مهما كان عندنا فى مصر مشاكل أهون بكتير من مشاكل بره، ويكفى هنا أن الأسرة ملمومة على بعض إنما بره متشحططين»، فلذلك كان لا يحب الهجرة، لدرجة أنه أثناء مرضه طلب منه الطبيب السفر للندن لإجراء عملية، فكان رده: «أنا أسافر أتعالج بره ولو واحد من أولادى وشعب كنيستى احتاج يسافر مايلاقيش؟».
■ كم عدد الكنائس التى أسسها فى المهجر؟
- أول كنيسة بناها فى المهجر كانت باسم مار مرقس، ثم مار جرجس والأنبا أنطونيوس، وفيما بعد تم إنشاء ٧ كنائس فى الإسكندرية ومثلها فى أمريكا.