رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«يوميات طفل الفرن».. عمره 8 سنوات ويوميته 50 جنيهًا

طفل الفرن
طفل الفرن

يجلسان سويًا على أريكة خشبية مواجهة للمنزل، يبدو حديثهم هامًا، الأول يتكئ بزراعه على حافة الأريكة بائسًا ومنهمكًا في إخراج المسمار الذي التصق بحذائه، بينما يرتدي الآخر قميص أزرق، يحمل حقيبته على ظهره، كان في طريق عودته من المدرسة، وإذا به يقابل صديقه فجأة، وجده حزينًا فاقترب منه لعله يخفف من وطأة حزنه وبدأ حديثهما.

محاولات مستميتة قام بها «عمرو» لإقناع صديق طفولته «إسلام خليفة» بالعودة إلى المنزل، لكنه رفض وقرر البقاء في الشارع، هاربًا من بطش أمه، يعمل «إسلام» في «فرن عيش» باليومية منذ دخول والده السجن لمساعدة والدته في تغطية احتياجات المنزل، يقول: «والدي كان يعمل بالفرن، لكنه أخذ حكم بالحبس لمدة 9 سنوات في المنيا، ذهبت إلى الفرن لأعمل مكانه، أحمل أقفاص العيش بمفردي وأنقلها إلى الزبائن، أما والدتي فتبيع الفراولة في السوق على المحطة».

يقطن «إسلام» في قرية «برطس» بالجيزة، عمره 8 أعوام ولديه أخ صغير يُدعى «خليفة»، يمكث برفقة ابنة خاله وقت ذهابه هو وأمه إلى العمل، ما زال صديقه «عمرو» يحاول إقناعه لكنه لا يستجيب: «لابد أن تعود للمنزل وتخبر والدتك أن صاحب الفرن ضربك وهذا ما دفعك أن تتركه وترحل»، 5 أيام مضت على عمله في الفرن لكنه لم يعد يحتمل، يقول: «أذهب إلى العمل 10 صباحًا وأعود إلى المنزل 11 مساءً، صاحب العمل يعاملني بقسوة والأقفاص ثقيلة وأشعر بتعب شديد وأنا أحملها، أمي هتموتني من الضرب عندما تعلم أننى لم أعمل اليوم».

يؤكد «إسلام» أن يوميته 50 جنيها تدخرها والدته في «الحصالة» الخاصة به، كي يتحمل مسئولية ذاته ويشتري الملابس التي يريدها في العيد، يتوافد الصبية واحدًا تلو الآخر حول «إسلام» منهم من يتهكم عليه قائلًا: «رايح فين يابن خليفة إنت مش سيبت المدرسة»، يلتقط منه آخر أطراف الحديث: «أصل أبوه في السجن وكل يوم يعيط عليه، كان بيشرب برشام وحشيش الحكومة طبت عليه قفشوه وخدوه في البوكس ومشيوا».

ما زال «إسلام» غارقًا في صمته لا يعلم ماذا سيفعل عندما تعود والدته إلى المنزل، بينما يقول ثالث: «لما بيجنن أمه بتروح شقلاه بالاتنين كيلو، عشان كده مش بنلعب معاه لإن ساعات واحد ياخده يدي للتاني حشيش وبرشام بيوصل الحاجات دي للناس، هو طالع زي أبوه»، يقترب «أحمد» من هذا التجمع الطفولى وينضم إليهم معلقًا: «لو كان عايش في بيئة كويسة وظروف حلوة مكنش هيطلع كده»، بينما يتجه «إسلام» إلى حيث لا يعلم ويعود الشارع إلى صمته مرة أخرى.