رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السفير الذهبى توت عنخ آمون يتجلى فى لوس أنجلوس.. غدًا

 توت عنخ آمون
توت عنخ آمون

فى ١٩٢٢، كان عِلم المصريات على موعد مع اكتشاف غيّر وضع الآثار المصرية بشكل استثنائى، عندما أزيح تراب آلاف السنوات من فوق مقبرة «توت عنخ آمون»، على يد البريطانى هوارد كارتر.
منذ ذلك التاريخ، تابع العالم فى دهشة القطع الفنية شديدة الروعة، التى تنتمى لآثار الدولة الحديثة «العصر الذهبى للإمبراطورية المصرية القديمة».
وعبر عقود، تدفق ملايين الزوار ليروا تلك الكنوز فى بيتها بالمتحف المصرى فى التحرير، كما غادرت البلاد مجموعة متميزة منها للمرة الأولى عام ١٩٦١، طافت فى معارض عدة دول، ليتعرف العالم على الفرعون الذهبى الصغير.
وستبدأ مقتنيات الفرعون الصغير رحلة تجلٍ، خاصة للعالم ككل، غدًا السبت، بافتتاح معرض آثار «توت عنخ آمون» فى مركز كاليفورنيا للعلوم بولاية لوس أنجلوس الأمريكية، التى تنتظر الحدث بفارغ الصبر، بعد دعاية غير مسبوقة، كبداية لرحلة طويلة، تغيب فيها قطع من المقبرة الذهبية عن أرض الوطن، لتلعب دور السفير الأهم والاستثنائى لتاريخ بلد عمره ٧ آلاف سنة.

المعرض يضم 166 من مقتنيات الفرعون الشاب مع استبعاد التوابيت.. و٥ ملايين دولار عائدًا عن كل محطة
الفكرة جاءت حين طلب جون نورمان، رئيس شركة المعارض الدولية «EI LC» والمجموعة الدولية للإدارة العالمية «IMG» بالولايات المتحدة، إقامة معرض باسم «توت عنخ آمون: الفرعون الذهبى»، فى الفترة من ٢٤ مارس ٢٠١٨ حتى ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٤.
وتقدم «نورمان» لوزارة الآثار بقائمة قطع أثرية بعينها، كان من ضمنها قناع الفرعون الذهبى، وهو ما رفضته الوزارة، فحاول استبدال كرسى عرش الملك بالقناع، فرُفض الطلب أيضًا، إذ ينص القانون على منع خروج القطع الفريدة.
بعد ذلك، جرى الاتفاق على مجموعة مكونة من ١٦٦ قطعة أثرية من مقتنيات مقبرة «توت عنخ آمون» فى المتحف المصرى، بعد الحصول على موافقة لجنة المعارض بوزارة الآثار، التى تضم فى عضويتها أفرادًا من داخل الوزارة وخارجها، يمثلون الجوانب العلمية والقانونية والمالية، ومن لهم خبرات سابقة، وهى معنية بالإشراف على تنظيم المعارض الأثرية بالخارج.
وتشكلت لجنة مصغرة للتحقيق فى جواز خروج القطع الأثرية التى جرى اختيارها مسبقًا، وفى عضويتها مسئولون من المتحف الذى ستخرج منه القطع، هم: مديره، ورئيس الإدارة المركزية للترميم، أو مدير الترميم، وأصحاب العهد الأثرية.
وبحثت اللجنة حالة الآثار المطلوبة وخلوها من أى شروخ عميقة يمكن أن تؤثر عليها أعمال التغليف والنقل أثناء التجهيزات الخاصة بالمعارض، مع عدم السماح بخروج القطع النادرة أو المميزة، أى التى ليست لها نماذج أخرى مشابهة. وبعد أن تأكدت من شروط خروج القطع، رفعت تقريرًا للجنة المعارض بالموافقة على القطع المختارة أو طلب تبديلها بقطع أخرى.
بعد ذلك، جاء وقت الحديث عن المقابل المادى لاستعارة وعرض قطع «الفرعون الذهبى»، وقيمتها التأمينية فى حالة حدوث أى ضرر، إذ يتوجب مراعاة طبيعة القطع المتفق عليها، خاصة أن «توت عنخ آمون» له وزن فى دول العالم واسمه قادر على جذب ملايين الزوار لأى معرض موجود به.
عرض منظم المعرض ٣ ملايين دولار عن كل محطة للمعرض، الأمر الذى رفضه الدكتور خالد العنانى، وزير الآثارــ وفق تصريحات خاصةــ فعاد «نورمان» بعرض آخر وهو ٤ ملايين دولار، فكان الرد بالرفض أيضًا، فكان الرقم النهائى هو ٥ ملايين دولار، ووافق الوزير، لكن بشروط تسمح بالحصول على أرباح إضافية على القيمة الأساسية.
ويحصل الجانب المصرى ممثلًا فى وزارة الآثار، وفق الاتفاق، على ٥ ملايين دولار عن كل مدينة ستدخلها القطع، بإجمالى ٥٠ مليون دولار عن ١٠ مدن سيزورها المعرض.
بالإضافة إلى ذلك، تحددت نسبة ١٠٪ من أرباح المعرض تحصل عليها مصر أيضًا، لأن المنظم سيفتتح منافذ لبيع هدايا عليها صور لـ«توت عنخ آمون» بجانب قاعة عرض القطع الأثرية، ولذا رأى «العنانى» أن مصر من حقها الحصول على هذه النسبة من أرباح تلك المنافذ، على الرغم من عدم مشاركتها فى تمويل المعارض الموجودة فيها.
وبالتفصيل، فإن وزارة الآثار ستحقق عائدًا ماديًا من دخل التذاكر يحسب كالتالى، سداد دولار أمريكى عن كل تذكرة دخول للمعرض بعد وصول عدد الزوار إلى ٤٠٠ ألف زائر، ثم يزيد لـ٢ دولار عن كل تذكرة مع بلوغ الزوار نصف المليون، ثم ٣ دولارات عند حاجز الـ٦٠٠ ألف زائر، و٤ دولارات مع رقم ٧٠٠ ألف زائر.
بعد ذلك يستقر رقم الـ٤ دولارات عن كل تذكرة، وهنا راعت وزارة الآثار بعض النقاط أثناء التعاقد، منها أن تحصل مصر على تلك القيمة على إجمالى تذاكر دخول المعرض، بعد ما كان الاتفاق فى الماضى على التذاكر الكاملة فقط.

يطوف دولًا مختلفة.. ووزير الآثار: خير دعاية لافتتاح المتحف المصرى الكبير نهاية ٢٠١٨
يطوف معرض «توت عنخ آمون»، ١٠ محطات، بمدة عرض تتراوح ما بين ٦ و١٠ أشهر فى المحطة الواحدة، إضافة إلى شهرين لعمليات التغليف والنقل.
ينطلق المعرض من مركز كاليفورنيا للعلوم بـ«لوس أنجلوس» فى مدينة كاليفورنيا، من غدٍ السبت، حتى ٦ يناير ٢٠١٩، ثم يذهب إلى مدينة «النور»، باريس، فى قاعة «لا فيليت»، ولمدة ٦ أشهر من ١٨ مارس ٢٠١٩ حتى ٣١ سبتمبر من العام نفسه، قبل أن يمر على مدينة «الضباب»، لندن، ويدخل قاعة «ساتشى» للفن من نوفمبر ٢٠١٩ إلى أبريل ٢٠٢٠.
بعد ذلك، ستكون العودة مرة أخرى إلى الولايات المتحدة، فى المحطة الرابعة للمعرض بواشنطن، فى متحف «سمسونيان»، من يونيو ٢٠٢٠ حتى أكتوبر من العام نفسه، ثم يذهب إلى سيدنى فى أستراليا، حيث تدخل قطع «توت عنخ آمون» المتحف الأسترالى وتظل هناك لنصف سنة، من ديسمبر ٢٠٢٠ حتى يونيو ٢٠٢١.
بعد ذلك سيكون المعرض على موعد مع رحلة آسيوية قصيرة، فى كوريا الجنوبية، وذلك بالمتحف الوطنى هناك، فى الفترة من أغسطس ٢٠٢١ حتى يناير ٢٠٢٢، قبل أن يعود مرة أخرى إلى أمريكا، هابطًا فى ولاية فيلادلفيا بمعهد فرانكلين، من أبريل ٢٠٢٢ إلى ديسمبر من العام نفسه.
بعدها يذهب إلى متحف «فيلد» بشيكاغو من ٢٢ فبراير حتى أغسطس ٢٠٢٣، ويعود إلى آسيا مرة أخرى، لكن هذه المرة من بوابة طوكيو اليابانية، فى مركز «موراى» للفنون من أكتوبر ٢٠٢٣ إلى أبريل ٢٠٢٤.
تبقى القطع فى اليابان بعد ذلك لتصل إلى آخر محطاتها بمدينة أوساكا، لتعرض بمتحف «أوساكا» للفن، من مايو إلى نوفمبر ٢٠٢٤.
من جهته، قال الدكتور خالد العنانى، وزير الآثار، لـ«الدستور»، إن مصر بدأت إخراج معارض لـ«توت عنخ آمون» من ستينيات القرن الماضى، وعلى مدار عشرات السنين، مشيرًا إلى أن المعرض الحالى يسهم فى الدعاية لمصر والمتحف الكبير الذى سيتم افتتاحه نهاية العام الجارى، ويضم المجموعة الكاملة لـ«الملك توت»، وعددها ٥٠٠٠ قطعة.
وأشار إلى وجود عائد سياحى كبير من المعرض، موضحًا: «تمتلئ شوارع لوس أنجلوس الآن باللافتات التى تتحدث عن مصر، ما يجعل كل من فى المدينة على علم بوجود المعرض».
وأضاف: «كما أن هناك عائدًا ماديًا كبيرًا سيساعدنا فى ترميم الآثار الموجودة فى مصر، والحفاظ عليها، وهو ما يجعل الجميع يتحدث عن بلادنا بشكل إيجابى، وهذا ما نريده جميعًا، فكل طفل سيأتى لتلك المعارض يظل محتفظًا بتلك الصورة عن مصر فى ذاكرته، وبالطبع سيصبح صديقًا لمصر طوال عمره».
وطمأن جموع المصريين على القطع الأثرية المعروضة، وقال: «جميع الإجراءات التأمينية تم اتخاذها، بما فى ذلك القيمة التأمينية الكبيرة للمعرض، بواسطة شركات تأمين معتمدة، وهناك فرد من شرطة السياحة والآثار ومرمم من الوزارة رافقا المعرض أثناء التغليف، حتى وصل لمكان عرضه». واستكمل: «نتمنى أن ينجح المعرض ويجعل الجميع يتحدث عن مصر بشكل جيد»، لافتًا إلى أنه خلال افتتاح معرض الآثار الغارقة منذ يومين سأله صحفى أمريكى عن أهمية هذه المعارض، فرد: «تجعل كل من يراها يريد الذهاب إلى مصر لرؤية المزيد».
وفسر تلك النقطة: «عندما يرى الزائر ١٦٦ قطعة لتوت عنخ آمون، ويعرف أن هناك ٥٠٠٠ قطعة موجودة فى مصر، سيرغب فى الذهاب إلى مصر، لمشاهدة باقى القطع»، معتبرًا أن المعرض أفضل دعاية للمتحف المصرى الكبير الذى ينتظر الجميع افتتاحه.

خطابات ضمان بحماية القطع.. وتأمين بـ863 مليون دولار ضد الفقد أو التلف
نأتى للنقطة الأهم، وهى الجانب التأمينى للقطع لضمان سلامتها فى الدول التى ستعرض بها.
أول الإجراءات سيكون «خطاب ضمان» رسميًا تقدمه الدولة التى ستستضيف المعرض إلى الحكومة المصرية، تقر فيه بمسئوليتها عن حماية القطع طوال فترة عرضها.
الجانب المنظم للمعرض، بدوره، بدأ وقدم خطاب ضمان حكوميًا من سفير الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة، إلى وزير الآثار عن المدينة الأولى لوس أنجلوس التى ستستضيف القطع فى مركز كاليفورنيا للعلوم.
وتعهدت الحكومة الأمريكية، فى الخطاب، بضمان سلامة وحماية القطع الأثرية ضد الحجز أو الاستيلاء أو المصادرة أثناء وجودها فى أراضيها. وسيجرى توقيع اتفاق منفصل لكل مدينة على حدة، لحين تقديم الجانب المنظم باقى خطابات الضمان الحكومية الخاصة بمدن المعرض.
أما بالنسبة للتأمين المادى، فقدم الجانب المنظم الوثائق اللازمة لتغطية القيمة التأمينية لـ١٦٦ قطعة أثرية، وذلك عبر الشركات المصرية، مع إعادة التأمين عبر شركة عالمية بما قيمته ٨٦٢ مليونًا و٨٠٠ ألف دولار أمريكى، وذلك ضد الفقد أو التلف أو السرقة أو المصادرة أو الاستيلاء لكل أو جزء من القطع الأثرية، بما فى ذلك الحالات القاهرة من كوارث طبيعية والحروب والإرهاب أو الأسباب الطارئة أو الاضطرابات العامة أثناء عرض القطع.
وتتحمل الجهة المنظمة جميع التكاليف المتعلقة بالمندوبين المصريين الذين سيُكلفون بمراقبة القطع من أثريين ومرممين وضباط، حتى عودتها ثانية إلى القاهرة بما فى ذلك تذاكر السفر بالطائرة ذهابًا وعودة وتكاليف الإعاشة والإقامة فى فندق توافق عليه وزارة الآثار وتكاليف التأمين الصحى عليهم خلال مدة إقامتهم بمدن المعرض.

زيارات سابقة: معرض واشنطن أبهر عائلة كارتر.. وأزمة ألمانيا عطلت الخروج
تاريخيًا، زارت قطع مقبرة «توت عنخ آمون» العديد من المتاحف فى أوروبا وأمريكا وآسيا.
كانت المرة الأولى التى غادرت فيها بعض قطع مجموعة الملك «توت» فى عام ١٩٦١، متوجهة إلى الولايات المتحدة، حيث بقيت هناك حتى يناير ١٩٦٤، وأقيم المعرض خلال تلك السنوات فى سبع عشرة مدينة.
نفس المجموعة سافرت إلى كندا من ١٩٦٥ إلى ١٩٦٦، وبعد ذلك توجهت الرحلة إلى اليابان ثم فرنسا، وبقى المعرض هناك لمدة سنة حتى عام ١٩٦٦، وساهمت تلك الجولات فى تعزيز العلاقات بين مصر وكل تلك البلدان، خصوصًا اليابان التى انبهر إمبراطورها بقطع مجموعة «توت عنخ آمون». ومن عام ١٩٧٣ حتى عام ١٩٧٥، أقيم معرضان أحدهما فى إنجلترا والآخر فى والاتحاد السوفيتى، افتتحه وزير الثقافة السوفيتى، وجمال مختار رئيس هيئة الآثار المصرية. وفى العام نفسه طلبت الولايات المتحدة ٥٠ قطعة من المجموعة لتزور ست مدن، منها تورينو بكندا، وكانت سان فرانسيسكو هى المدينة الأمريكية السابعة التى أضيفت بعد ذلك.
وقتها اُفتتح المعرض فى واشنطن فى سبتمبر ١٩٧٦، وكان من المتوقع حضور الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون، ولكن حضر السياسى الأمريكى البارز هنرى كيسنجر، وعندما انتخب جيمى كارتر رئيسًا زارت ابنته إيمى المعرض، وشرح لها مدير المتحف المصرى بالقاهرة إبراهيم النواوى تفاصيل القطع، وكانت منبهرة للغاية بما شاهدته، فنقلت لوالدها الصورة، فدعا النواوى لإلقاء محاضرة عن الآثار المصرية فى البيت الأبيض.
لكن فى ألمانيا حلت لعنة «توت عنخ آمون» على ما يبدو، إذ سقط تمثال «سلكت»، الإلهة الخشبية المذهبة، الذى كان يحمى المقصورة التى يرقد فيها الملك الصغير، فتدمرت الكتف والرأس، وانكسرت الحية الملكية التى تزين رأسه. وعندما عادت القطع إلى مصر عام ١٩٨١، بعد رحلة استمرت نحو ٢٠ سنة، تناولت الصحافة المصرية الواقعة وهاجمت السماح بخروج القطع من مصر، فقرر البرلمان حظر أى رحلات للملك الذهبى ومقتنياته. وبعد مرور عقدين على الواقعة تقدمت سويسرا بطلب لاستقبال معرض لمجموعة الفرعون الذهبى، وأقنعت الجانب المصرى بضرورة أن تطوف قطع «توت عنخ آمون» العالم مرة أخرى.