رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد يونس يكتب: إلى التي علمتني ألا آكل الميتة

أحمد يونس
أحمد يونس

من جنوب غرب القارة الآسيوية إلى شمال إفريقيا أرسل لك التهاني، من الكويت العاصمة إلى عروس الصعيد أنقل لك الأحاديث، أيتها المربية الفاضلة والمعلمة الأولى والأم الحنونة.
أحاسيس ورسائل طويلة يطويها قطار العمر، وأنا بعيد عنك، تلك المسافات البعيدة التي صنعت بينى وبينك حالة من الحنين ولحظة من لحظات السكون والتأمل، أهديك من طيب كلماتي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
سيدتي، تعرفين أننى لا أملك ياقوت علي بابا، ولا ذهب قارون، ولا ملك سليمان.. ولا حكمة لقمان النبي، تدرين أنني مجرد إنسان بسيط، قلبه مليء بحب كل من حوله، معطاء كما علمتني، مسامح ومتجرد مثلك، أحياناً أتساءل لماذا فعلت كل ذلك بي؟.
أمي، أنت كلمة ساكنة في بطانة أوردتي، رمز النجاح والتضحية، "ماي هيرو" قوية كالجبال، كريمة كالأمطار، ولحسن حظي أن أخرج للحياة من رحمك الرحيم، لأرتوي من قلبك الكبير، ولا كلام بعد الكلام يا سيدة القصر والسكون ورائدة سيدات الكون.
نعم أنا أكتب لأتغزل فيك، ولا كلمات تفي حقك، ولا رسائل جديرة بمقامك الرفيع، سوى ذكريات أسردها، محفورة بوجدان "جنوبي" كان يعرف جيدا أن الضلال يكمن فى مغادرتك..وفي السفر الطويل.
من ذا الذي دفعك للتخلى عن إسورتك الذهبية القديمة من أجلي؟، وتصارعين كل من يقف ضدي مهما كانت درجة قربه بك، ومع كل هذا ها أنا أحيا بعيدا عنك، أليس هذا ضرب من ضروب الجنون؟.
خرجت من رحم السكون إلى صخب الحياة التي جاهدتي لخفض توتراتها وطمأنتني بحضنك الدافئ الذي أعيش فيه أماناً غير محدود، ثم كبرت وتعلمت حروف الهجاء، وكنت معلمتي الأولى وملهمتي وسيدتي الجميلة، وما زلت جميلة أتدرين ذلك؟.
عايشت البشر مترفعاً عن كل شرورهم، مبتعداً عن موائدهم لأننى تعلمت منك ألا آكل الميتة، وشبعت في كنفك، وناقشت رسالة الدكتوراه فى الأخلاق واخترت عنوانها -أمي نموذجاً- ثم كبرت وكبرتي يا أمي، ولا زالت أناملي ترتعش شوقا لملامستك من أجل احتضانك، أناملى التي تبحث عنك فى كل مكان، طفلي الوحيد الذي يناديك كلما رآني رغم حداثة عمره، فينادي "تيتا" ويقبل صورة "تيتا" و"يبتسم كلما رآك على جوالي، وكانه يقول أنا أحب من تحب وأنا أقول له حب أمك كما أحب أمي، فهل ثمة حب أغلى من أمي، كل عام وأنت أمي.