رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إله البعث يظهر فى أمريكا.. «الدستور» تحضر افتتاح معرض آثار مصر الغارقة فى أمريكا

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه

شهدت مدينة سانت لويس، بولاية ميزورى فى الولايات المتحدة الأمريكية، اليوم، بدء فعاليات معرض الآثار المصرية الغارقة، الذى يحمل اسم «أسرار مصر الغارقة»، حيث تعتبر المدينة المحطة الرابعة للمعرض، الذى طاف ٣ دول منذ بداية عام ٢٠١٥.

حضر الافتتاح، الذى شهدته «الدستور»، الدكتور خالد العنانى، وزير الآثار، والدكتور مصطفى وزيرى، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، ومجموعة من الشخصيات العالمية المهتمة بالشأن الأثرى.
ويطوف المعرض، الذى يضم منحوتات تصور البشر والآلهة فى العصور القديمة، ٤ ولايات أمريكية، لمدة ٣ سنوات، بحيث يعرض فى كل ولاية لمدة ٦ أشهر، تبدأ بمدينة سانت لويس الأمريكية، وتحصل وزارة الآثار على ٤٠٠ ألف دولار نظير المعرض، وبعد كل ١٠٠ ألف تذكرة، تحصل على دولار عن كل تذكرة.

وتوضح القطع المعروضة أساطير أوزوريس وأسراره، التى تعد من أهم الأساطير الدينية فى مصر القديمة، والتى شكلت جزءًا كبيرًا من حضارتها وفنونها.

هنا تسلط «الدستور» الضوء على المعرض بداية من خروجه من مصر، مرورًا بأهم القطع الموجودة به، وانتهاء بعرض خلفية عن الآثار المصرية الغارقة.

بدأ رحلته من باريس ثم انتقل إلى لندن ومنها لزيورخ.. ويضم 293 قطعة أثرية
انطلق معرض «أسرار مصر الغارقة» من باريس، ثم انتقل إلى العاصمة البريطانية لندن، ومنها إلى مدينة زيورخ السويسرية، على أن يختتم جولته فى الولايات المتحدة الأمريكية.
وجرى توقيع عقد تنظيم المعرض بين الدكتور ممدوح الدماطى، وزير الآثار الأسبق، وفرانك جوديو، رئيس المعهد الأوروبى للآثار الغارقة، فى ٢٢ أكتوبر ٢٠١٤، ليبدأ المعرض جولته رسميًا عام ٢٠١٥ فى ثلاث عواصم أوروبية هى: باريس، ولندن، وزيورخ فى سويسرا.
ويضم المعرض ٢٩٣ قطعة أثرية تحكى أساطير الإله «أوزوريس»، وآثار مصر الغارقة، التى عثر عليها بمدينتى هرقليون وأبوقير وميناء الإسكندرية الشرقى، إلى جانب القطع المستعارة من مناطق مختلفة، منها ٢٣ قطعة من المتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية، و١٢ قطعة أثرية من متحف مكتبة الإسكندرية، و٢٠٩ قطع من المتحف البحرى بالإسكندرية، و١٨ قطعة من المتحف المصرى، و٣١ قطعة من المتحف القومى بالإسكندرية.
بدأت أولى محطات المعرض فى عاصمة النور، بتاريخ ٧ سبتمبر ٢٠١٥، تحت عنوان: «أوزوريس.. أسرار مصر الغارقة»، وذلك بمعهد العالم العربى بالعاصمة الفرنسية باريس، وقام بافتتاحه الرئيس الفرنسى السابق فرنسوا أولاند، بحضور عدد من الوزراء من بينهم الدكتور ممدوح الدماطى، وزير الآثار الأسبق، وسامح شكرى، وزير الخارجية، والمهندس خالد رامى، وزير السياحة الأسبق، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات البارزة.
زار المعرض، الذى بلغت مساحته ١١٠٠ متر مربع، خلال وجوده فى باريس، ما يقرب من ١٠٠ ألف زائر، فيما كانت أبرز اللقطات ــ عند افتتاحه ــ لـ«أولاند» الذى استقبل القِطع عاجزًا عن التعليق، وكانت صورته التى نشرت وقتها، شاهدة على ذلك.
بعد ستة أشهر لعرض «أسرار مصر الغارقة» فى باريس، انتقل فى ٦ مارس ٢٠١٦، لمحطته الثانية بالمتحف البريطانى فى لندن، بعد أن أصدر المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، قرارًا بسفر ٢٩٣ قطعة أثرية ضمن المعرض.
وشارك فى حفل الافتتاح نخبة من الشخصيات الوزارية والحكومية وأعضاء البرلمان وكبار الصحفيين والكتاب، بالإضافة إلى وزير الآثار الدكتور خالد العنانى، وسفير مصر فى بريطانيا ناصر كامل.
وينقسم المعرض إلى خمسة أقسام، بدءًا من قصة «هرقليون» و«كانوبوس»، ثم قسم حول وجود اليونانيين فى مصر ويسرد التبادل بين البلدين، مرورًا بأسطورة الإسكندر الأكبر والبطالمة، وصولًا لأسطورة أوزوريس وإيزيس وابنهما حورس، وانتهاء بقسم حول مصر وروما، يستكشف غزو الإسكندرية من قبل الرومان فى عام ٣٠ قبل الميلاد. وفى فبراير ٢٠١٧، افتتح وزير الآثار المعرض بمحطته الثالثة بمتحف رايتبرج بمدينة زيورخ السويسرية، واستمر العرض لمدة ستة أشهر.
وأشار «العنانى»، خلال الافتتاح، إلى النجاح الذى حققه المعرض فى محطتيه السابقتين بمدينتى باريس ثم لندن، متمنيًا أن يحقق مزيدًا من النجاح فى آخر محطاته.
وعلى الرغم من أن سويسرا كانت آخر محطات المعرض المثير للدهشة، وفقًا للخطة الموضوعة، إلا أن متحف سانت لويس بأمريكا تقدم بطلب لوزارة الآثار برغبته فى استضافة المعرض لمدة ٦ أشهر أخرى، حيث يتوقع أن يشهد إقبالًا واسعًا من المواطنين الأمريكيين وزائرى الولايات المتحدة الأمريكية.

أبرز القطع: تمثال للإلهة تاورت قادم من المتحف المصرى.. وعين حورس
تضم أبرز القطع الموجودة بالمعرض تمثالًا صغيرًا من البرونز لأحد الفراعنة ــ عثر عليه فى هرقليون ــ أبوقير، ويبلغ ارتفاعه نحو ٢٠.٥ سم، منحوت بدقة عالية، وقد تم اكتشافه فى الجهة الغربية الجنوبية من معبد آمون فى هرقليون.
ويظهر التمثال وهو واقف يرتدى التاج الأزرق والنقبة المعتادة «الشنديد الملكى»، متخذًا وضع المشى، وممسكًا عصا فى يده اليمنى.
ويعتقد أن يكون هذا التمثال لأحد ملوك الأسرة الثلاثين، أو ربما هو الملك «بسماتيك الثانى» من الأسرة السادسة والعشرين، وذلك وفقًا للكتابات الموجودة داخل الخرطوش الموجود على الحزام.
كما يضم المعرض تمثالًا للإلهة تاورت قادمًا من المتحف المصرى بالقاهرة، ويؤرخ لعصر الأسرة السادسة والعشرين (٦٦٤: ٥٢٥ ق.م).
وتظهر الإلهة فى هيئة فرس النهر واقفة تستند على كفوف الأسد، وتدل هيئتها على الخصوبة والأمومة، حيث كانت الإلهة تاورت تعيش فى النيل وترتبط بالتربة السوداء التى تقدم الخصوبة للأرض، وهى شكل من أشكال الإلهة نوت الأم الروحية للإله «أوزوريس».
ونقش على قاعدة التمثال معنى «تاورت»، وتعنى «العظيمة»، كما نقش اسم «ريرت» وهو اسم آخر من أسماء الإلهة «نوت»، كما نقش على عمود الظهر طلب الحماية من الإلهة لـ«نيتوكريس» ابنة الملك بسماتيك الأول، أما عن المخالب الأمامية فتستند على ثلاثة رموز هيروغليفية تعنى «الحماية». ويحتوى كذلك على صدرية من الأسرة ٢٢ عثر عليها فى تانيس بمقبرة شاشانق الثانى (-٨٩٠ق.م) من المتحف المصرى بالقاهرة، وترجع قطعة الحلى هذه إلى الملك شاشانق الأول (٩٤٥-٩٢٥ق.م)، كما هو موضح بالنقش الموجود على الجانب الأيسر أسفل القارب، وتمثل القلادة قارب الشمس طافيًا على المياه الأزلية تحت سماء مرصعة بالنجوم، أما قرص الشمس المطعم باللازورد، تحميه أجنحة إيزيس ونفتيس المحيطة به من الجانبين.
كما يحتوى على عين حورس (الأوجات)، من العصر البطلمى، من حفائر هرقليون، خليج أبى قير مصر (SCA 1123) وتمثل هذه التميمة عين الصقر حورس الإله، ابن أوزوريس، الذى أصيب على يد عمه (ست) وشفى بقوى الإله إيبيس (تحوت).
وتعد الأوجات أيضًا رمزًا لقمر ١٤ الكامل (البدر)، ورمزًا لاستعادة جسد أوزوريس الذى قطع لأربعة عشر جزءًا، وترمز العين أيضًا لشفاء الجروح والجسد.

أوزوريس.. إله الحساب ورئيس محكمة الموتى يخطف الأمريكيين
بطل المعرض «أوزوريس»، وهو إله البعث والحساب ورئيس محكمة الموتى عند قدماء المصريين، ومن آلهة التاسوع المقدس الرئيسى فى الديانة المصرية القديمة، فطبقًا للأسطورة الدينية المصرية القديمة كان «أوزوريس» أخًا لإيزيس ونيفتيس وست، وتزوج بإيزيس، وأبوهما هما جب إله الأرضو، ونوت إلهة السماء.
وتبدأ الأسطورة عندما قتله الشرير ست أخو أوزوريس، بعد وضعه فى تابوت، ومن ثَم إلقاؤه فى نهر النيل، وقطع أوصاله ورمى بها إلى أنحاء متفرقة من وادى النيل، وعندها بكت إيزيس وبدأت رحلتها بحثًا عن أشلاء زوجها، وفى كل مكان وجدت فيه جزءًا من جسده بنى المصريون المعابد، مثل معبد أبيدوس الذى يؤرخ لهذه الحادثة.
وموقع المعبد أقيم فى العاصمة الأولى لمصر القديمة أبيدوس، حيث وجدت رأس أوزوريس، وفى رسومات المعبد الذى أقامه الملك سيتى الأول أبورمسيس الثانى الشهير تشرح التصويرات الجدارية ما قامت به إيزيس من تجميع لجسد أوزوريس، ومن ثَم عملية المجامعة بينهما لتحمل ابنهما الإله حورس الذى يتصدى لأخذ ثأر أبيه من عمه، وبسبب انتصاره على الموت، وهب أوزوريس الحياة الأبدية والألوهية على العالم الثانى.
وكان تصور المصرى القديم أن حورس سوف يأتى بالميت بعد نجاحه فى اختبار الميزان، ويقدمه إلى أوزوريس، ويُعْطى ملبسًا جميلًا ويدخل الحديقة «الجنة».

من أين جاءت الآثار الغارقة؟
تعود بداية اكتشاف آثار مصر الغارقة تحت الماء إلى عام ١٩١٠، إذ كان مهندس الموانئ الفرنسى فرانك جوديو مكلفًا بإجراء توسعات فى ميناء الإسكندرية الغربى، واكتشف حينها منشآت تحت الماء تُشبه أرصفة الموانئ غرب جزيرة فاروس.
وفى عام ١٩٣٣، تم اكتشاف أول موقع للآثار الغارقة فى مصر، وذلك فى خليج أبى قير شرق الإسكندرية، وكان مكتشفه طيار من السلاح البريطانى، وقد أبلغ الأمير عمر طوسون الذى كان معروفًا بحبه للآثار، وكان عضوًا بمجلس إدارة جمعية الآثار الملكية بالإسكندرية فى ذلك الوقت. وبدأ التعرف على آثار الإسكندرية الغارقة بمنطقة الحى الملكى فى عام ١٩٦١، عندما اكتشف الأثرى الراحل، كامل أبوالسعادات، كتلًا أثرية غارقة فى أعماق البحر بمنطقة الميناء الشرقى أمام كل من لسان السلسلة وقلعة قايتباى.
وتم الكشف عن مجموعة كبيرة من هذه الآثار فى عام ٢٠٠٠ فى مدينة «هرقليون» الغارقة التى اكتُشفت عام ٢٠٠٠ بواسطة المستكشف الفرنسى «فرانك جوديو» Franck Goddio، وكذلك فى منطقة شرق كانوبوس التى اكتشفها جزئيًّا عمر طوسون عام ١٩٣٤، ثم أعادت بعثة المعهد الأوروبى اكتشاف الموقع.
وفى عام ٢٠٠١ أعلنت البعثة المصرية ــ الفرنسية المشتركة، بخليج أبى قير بالإسكندرية عن الآثار الغارقة، واكتشاف مدينة أثرية مهمة فى قاع البحر على بعد ٦ كيلومترات من ساحل الخليج ترجع للعصر البطلمى، وتشير دلائل إلى وجود مدينة «هرقليون» الإغريقية بالموقع.
وحتى الآن لم يتم انتشال سوى ٤٠٪ فقط من تراث مصر الغارق، على الرغم من مرور ما يقرب من مائة عام على اكتشاف هذه الضروح الضخمة التى بنتها الفراعنة، بداية من الأسرة الثامنة عشرة، وما تبعتها من حضارات متعاقبة على مصر.