رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مولد المصري.. حب الأم الكبير وحب الأم الأكبر!

جريدة الدستور

حب الأم الكبير.. وحب الأم الأكبر
عندما كنت صغيرا كنت أندهش عندما أري أمهات شهداء المقاومة الفلسطينية يستقبلن جثامين أولادهن أو أشلائهم بالزغاريد والسعف والورود مرتديات بيض الثياب. كنت أري تناقضا كبيرا في المشهد الذي لم يكن ليستوعبه عقلي الصغير حينها. فكيف تفقد أم ابنها وقرة عينها ويأتيها مقتولا مضرجا بدمائه أو أشلاء وتستقبل هي كل هذه البشاعة والفجيعة والوجيعة والفقد بكل هذا الترحاب والقبول والإبتسام الممتزج بفيض من الدموع وكأنها تودع إبنها إلي بيته الجديد ليلة عرسه وليس توديعه إلي قبره.

ولكني عندما كبرت وعرفت كيف كانت تودع أمهاتنا المصريات أبنائهن من الضباط والجنود والفدائيين في حروبنا مع إسرائيل ومن قبلها في مقاومة كل محتل. كانت تضبط هندامه وتعطره وتحتضنه وتقبل يده وجبينه وتشد علي ساعديه لكي يصمد ويستبسل في مواجهة أعداء الوطن ولا يهاب الموت، فالموت في سبيل الزود عن الوطن شهادة ودرجة في الفردوس الأعلي. وكذلك كانت تفعل كل زوجة وكل أخت وكل إبنة،لكن لا واحدة تفعل أو تشعر مثلما تفعل وتشعر الأمهات،فلا أحد من البشر يمكن أن يشعر بمعني الفقد كأم فقدت وليدها بعدما صار رجلا.

أمام حب الوطن كان يهون كل حب، أمام عشقه كان يصغر كل عشق. فيالهذا الحب للوطن الذي يطغي حبه علي حب الأم لولدها! وكيف لهذا المحارب المدافع عن الوطن أن يصغر حبه لكل هؤلاء أمام حبه لوطنه ويري فيه الأم والزوجة والأخت والإبنة فيفديه بدمه!لولا تنازل الأم عن حقها في الإحتفاظ بأبنائها،ولولا تنازل هؤلاء الرجال عن حقهم في التواجد بجوار نساء أسرهم ومن يعولون،لما كان هناك وطن حر ولما عاش أحد حرًا في وطنه.

تحية إعزاز وفخر وتقدير لهؤلاء الأمهات الوطنيات في مصر وكل بقاع الأرض، تحية إجلال لأمهات شهدائنا من الجيش والشرطة في مواجهة أعداء الوطن في الداخل والخارج. فقد علمننا بالمعايشة أنه لا يوجد في هذا الكون_بعد حب الله_ حبٌ أكبر من حب الأم إلا حب الوطن، وهذا الحب هو ما يجعل الأمهات يرسلن فلذات أكبادهن لمواجهة الموت ويودعوهم بالدموع ويستقبلوهم بالزغاريد سواء رجعوا أحياءً أو شهداءً متوشحين بعلم الوطن يوم الأم هو يوم الإحتفاء بالتضحية ورمزها، يوم الإجلال للحب الكبير والحب الأكبر الذي تثكل من أجله الأمهات، فالأم لأولادها هي الوطن بكل معانيه وهي أيضا من تتنازل عن تلك المكانة طواعية وتعطيها للأم الأكبر، للوطن.. فالحب الكبير لا يُحيِّده إلا حبٌ أكبر!. في يوم الأم لا أستطيع إلا أن أري الأُمَين معًا، فكلاهما عظيم وحب كليهما كبير، وحب أمهات شهدائنا للوطن هو ما يعلمنا معني كلمة وطنية. فما أحوجنا لمثل قلوب تلك الأمهات ووعيهن ومفهوم العطاء لديهن، ما أحوجنا إلي مفهومهن للحب الكبير لأولادهن والحب الأكبر للوطن، مفهومهن عن الأم الوطن والوطن الأم! تحية لكل أم معيلة أو غير معيلة وكل أم علي قيد أي تضحية من أي نوع من أجل سعادة أبنائها وراحتهم وأن يذهبوا إلي مستقبلهم بلا منغصات.
وتحية إلي المرحومين التوأمين والأستاذين الكبيرين مصطفي وعلي أمين واللذين يرجع إليهما الفضل في الإحتفال بيوم الأم لأول مرة في مصر 1956 وليكون عيدًا سنويًا.. رحمهما الله رحمة واسعة كما أسعدا كل أمهات مصر بهذا اليوم منذ حينها وإلي أن يشاء الله. كل عام وكل أمهات الشهداء وكل الأمهات في مصر والعالم بكل خير.