رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رئيس قوي لروسيا القوية


 

تحت هذا العنوان، نشر الموقع الإلكتروني لـ«المرشح المستقل فلاديمير بوتين»، مقاطع من برنامجه الانتخابي. ومن الموقع الإلكتروني، انتقل العنوان (أو الشعار) إلى لافتات حملها مؤيدو الرئيس الروسي الذي فاز في الانتخابات التي جرت، الأحد، بفترة رئاسية رابعة، نظريًا، وخامسة عمليًا.

الانتخابات الرئاسية الروسية كانت بالفعل محسومة لصالح «بوتين» الذي انتشل بلاده من مرحلة التهميش التي عاشتها في تسعينيات القرن الماضي وبدايات هذا القرن، واستعاد مكانتها كقوة عظمى، وأرهق منافسيه، بسبب الطفرات التي شهدتها روسيا، داخليًا وخارجيًا، خلال فترات رئاسته. غير أن الإصرار على وصف الانتخابات بأنها «هزلية»، شكلية، أو لا تنافسية، لا ينتقص من الرئيس الروسي ولا يشكك في فوزه المستحق، بقدر ما يهين منافسيه، السبعة، ويهينهم أكثر تركيز وسائل إعلام غربية على منع أليكسي نافالني من الترشح، وزعمها أنه كان المنافس الأقوى، وأن تهمة الاختلاس التي أدين فيها، قضائيًا، تم تلفيقها، لإزاحته!.

الفوز يمكن وصفه بأنه كبير ومستحق، استنادًا إلى نسبة المشاركة في الانتخابات، وإلى النسبة التي حصل عليها «بوتين»، مع أنه هو نفسه سبق أن أعلن مِرارًا، أنه غير مهتم بنسبة فوزه ولا تعنيه نسبة المشاركة، وأنه سيرحب بأي رقم يمنحه الحق في أن يشغل منصب الرئيس. غير أن وسائل الإعلام المعادية لروسيا، لعبت طوال ثلاثة أشهر، على توقعات متشائمة بشأن نسب الإقبال. ونقلت عمن تصفهم بأنهم خبراء أن سبب عزوف الناخبين يرجع إلى أن النتائج تكاد تكون معروفة سلفًا، وإلى تزايد الأعباء المعيشية للمواطنين تحت ثقل الأوضاع الاقتصادية المتردية. بينما أظهرت استطلاعات حديثة أن نسبة الإقبال المتوقعة لن تقل عن ٦٥٪ وجاءت النتائج (المبدئية) قريبة من تلك النسبة.

نسبة من أدلوا بأصواتهم، حتى الساعة ١٢ ظهر الأحد، بتوقيت موسكو، كانت تقترب من ٣٥٪. ومع أن النتائج النهائية، سيتم إعلانها نهاية الأسبوع الجاري، على الأرجح، كما أعلن متحدث باسم لجنة الانتخابات المركزية الروسية، الإثنين. إلا أن النتائج المبدئية قالت إن نسبة المشاركة في التصويت تجاوزت ٦٧٪، وأن ما يزيد على ٧٦.٦٧٪ منها كانت من نصيب الرئيس الروسي، ليتقدم بفارق كبير جدًا على أقرب منافسيه، بافل جرودينين، مرشح عن الحزب الشيوعي الروسي، الذي حصل على ١٢٪ بينما ذهبت أصوات ٦٪ فقط إلى فلاديمير جيرنوفسكي رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي.

بهذا الشكل، تكون نسبة المشاركة قريبة من تلك التي شهدتها انتخابات ٢٠١٢، بينما لم يسبق أن حصل بوتين، طوال مسيرته السياسية، على النسبة التي حصل عليها (أو فاز بها)، الأمر الذي أتاح لمتحدثة باسم حملته الانتخابية القول: «الأرقام تتحدث عن نفسها». وأن تراها «بمثابة التفويض الذي يحتاجه بوتين لاتخاذ قرارات مستقبلية» وأنها «تحمل رسالة بأن الشعب الروسي قادر على التعبير عن وجهات نظره بإرادته». وكنت أشرت، أمس، إلى أن حصول «بوتين» على النسبة نفسها التي حصل عليها في الانتخابات الماضية (٦٤٪) لن تعني فقط أن الروس يريدون استمراره رئيسًا، لست سنوات مقبلة، بل ستعني أيضًا أنهم يمنحونه تفويضًا لمواصلة مشروعه، ولمواجهة الضغوط الغربية المتزايدة، ومحاولات فرض نوع من العزلة والحصار على روسيا.

مع ذلك، هناك من أرجعوا كثافة التصويت أو زيادة نسبة الإقبال على الصناديق، إلى قيام الكرملين بإطلاق حملات دعائية واسعة، وظّف فيها كل مقدرات الدولة ووسائل الإعلام الحكومية. كما ظهرت تفسيرات ترجعها (ترجع كثافة التصويت) إلى رشاوى انتخابية قدمتها السلطات، مثل وجبات طعام، توزيع هدايا في موسكو وبعض المدن الكبرى على الناخبين بعد الإدلاء بأصواتهم، وحصول المشاركين، الشباب، على بطاقات لحضور حفلات موسيقية.

غير الرشاوى الانتخابية، قيل أيضًا إن مؤسسات فرضت على موظفيها المشاركة، وطلبت منهم تقديم إثبات لقيامهم بـ«الواجب الوطني». وقيل إن كثيرين من الذين التقطوا صورًا لأنفسهم وهم يقومون بهذا الواجب، لم يفعلوا ذلك للاحتفاظ بصور للذكرى، بل لأنهم سيقدمونها لإثبات مشاركتهم. وقيل، كذلك، إن وسائل الإعلام الحكومية الروسية تعمدت طوال ساعات التصويت أن تعرض لقطات لنجوم الرياضة والفن والثقافة الموالين لبوتين وهم يدلون بأصواتهم. ولم تهتم بأي شخصية عامة معارضة، كما ذكرت إذاعة «صدى موسكو» المعارضة، التي رأت أن ذلك جزء من الانتهاكات غير المباشرة، لأنها لا يمكن أن تقع تحت طائلة القانون. وكانت التخريجة الأقرب إلى النكتة هي أن «بوتين» تعمّد الإدلاء بصوته في وقت مبكر جدًا، لكي يؤثر على المواطنين ويدفعهم إلى التصويت!.

قفزات إلى مناطق أبعد أو رقصات مختلفة، ظهرت في صحف بريطانية. في جريدة الجارديان، مثلًا، كتب أندرو روث تقريرًا قال فيه إن «الفوز في الانتخابات كان سهلًا»، زاعمًا أن محللين وشخصًا مقربًا من الكرملين رأوا أن أول ما يتوجب على «بوتين» فعله بعد الفوز بدورة رابعة هو إعداد خطة للهرب. وعن باحث في مركز كارنيجي، اسمه كونستانتين جاتزي، نقل «روث» أن التحدي الأكبر أمام بوتين في الفترة الرئاسية الجديدة هو «التوصل لوسيلة لنقل السلطة تضمن سلامته وسلامة عدد كبير من المقربين له»، مرجحًا أن الرئيس الروسي قد يجد الحل الأسهل هو الاستمرار في السلطة إلى ما لا نهاية!.

..ولا يبقى غير الإشارة إلى أنك ستجد حولك، بعد أيام، قفزات ورقصات من هذا النوع، وقد يضاف إليها بعض التوابل. ووقتها، لن تكون مخطئًا لو استنتجت أنهم يشربون من «الماسورة الأم» نفسها!.