رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الدستور» تحقق فى أزمة احتكار «أديب نوبل»

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

قبل أيام، تفجرت أزمة بطلها هو «الحاضر الغائب»، نجيب محفوظ، عندما احتج مجموعة من الكتاب والمثقفين، فى بيان نشروه بمواقع التواصل الاجتماعى، على «احتكار» دار الشروق لأعمال «أديب نوبل»، ونشرها مجموعة محدودة منها لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، ما ينذر بـ«انقراض» الإبداعات الأخرى لـ«صاحب الثلاثية».
دار النشر المصرية، الأكثر شهرة وثراء على مستوى الإمكانيات والكتاب والعناوين، هى المالك الحصرى لنشر أعمال «محفوظ» عندما تعاقد مؤسسها الراحل «محمد المعلم» مع «محفوظ» واشترى منه حقوق نشر كل أعماله، بعد رحلة نشر طويلة وممتدة مع «مكتبة مصر»، التى أسسها شقيقا عائلة السحار، عبدالحميد، وسعيد، وهما من الأصدقاء الأوائل لـ«محفوظ».
وردت «الشروق» على تلك المطالب، معتبرة أن اقتصار نشر هذه الأعمال عليها «حق قانونى» بموجب تعاقدات، ورفضت مخاوف الكتاب والمثقفين ومطالبهم بتدخل «الثقافة» لكسر هذا الاحتكار وإتاحة نسخ شعبية من أعمال «محفوظ».
كيف يمكن أن نواجه أزمة الحفاظ على الحقوق القانونية لدار الشروق مع إتاحة ما أنتجه نجيب باعتباره تراثًا إنسانيًا؟.. هذا ما تحاول «الدستور» الإجابة عنه فى السطور التالية.




تاريخ الأزمة: مثارة من 2015 بعد اختفاء أعماله.. و«حرب البيانات» أشعلتها من جديد
بيان المثقفين الأخير ليس وليد اللحظة، إذ أنه فى نوفمبر ٢٠١٥، أثار الكاتب محمد خير أزمة غياب طبعات أعمال «صاحب نوبل»، عندما كتب مقالا فى أحد المواقع، قال فيه إنه لم يجد فى مكتبات «الشروق» نسخة من مجموعة «دنيا الله» أو رواية «ليالى ألف ليلة»، متهما الدار بمضاعفة أسعار الروايات، فور شراء حقوقها.
الانتقادات الموجهة لـ«الشروق» منذ سنوات إذن، لكن هذه المرة وقع مثقفون وأدباء على بيان طالبوا فيه الحكومة، ممثلة فى وزارة الثقافة، بالتحرك لإتاحة أعمال الكاتب الراحل، مستشهدين بـ«أكثر من أديب ومفكر من بينهم عبدالرحمن الشرقاوى صاروا نسيا منسيا بسبب احتكار أعمالهم».
اتهامات المثقفين للدار لم تقف عند حد إهمال تراث صاحب «أولاد حارتنا»، بل تعدت ذلك إلى ما يلمح بمؤامرة تنفذها «الشروق»، معتقدين أن صاحبها إبراهيم المعلم يتقاعس عن إعادة طبع أعمال «محفوظ» لكى يفسح المجال لكتاب معاصرين أمثال علاء الأسوانى، ويوسف زيدان، وأحمد مراد، وهم من الأسماء «الأكثر مبيعا» فى مصر حاليا.
الدار ردت بالنفى على اتهامات المثقفين، معلنة فى بيان آخر، أن كتب «محفوظ» الـ٥٦ متاحة لكل القراء فى مصر والعالم، مضيفة: «الطبعة الرابعة من رواية (المرايا) نفدت خلال الأسبوعين الماضيين».
وزادت الدار أن «كل كتب أديبنا العالمى متاحة الآن بالعربية، فى طبعات إلكترونية على ٣ منصات عالمية، هى أمازون، وجوجل بوكس، وفودافون كتبى».
واستنكرت الدار أى تدخل فى «العلاقة القانونية» بينها وبين ورثة «محفوظ»، مشددة على أنها تنشر أعمال الكاتب الراحل «وفق عقود نشر خاضعة لأحكام القانون»، كما رفضت استغاثة بيان المثقفين بوزارة الثقافة، قائلة إنه ليس من اختصاصها سحب حق النشر من الدار.
وبعيدا عن أزمة الأعمال، فإن هناك حالة من الشد والجذب واضحة بين المثقفين و«الشروق»، اتضح ذلك على سبيل المثال عندما أعلنت الدار عن «اكتشاف» نصوص جديدة لـ«محفوظ» من «أحلام فترة النقاهة»، نشرتها فى ديسمبر ٢٠١٥ تحت عنوان «الأحلام الأخيرة»، فى ذكرى ميلاده، لكن هذا الاكتشاف الأدبى قوبل بتشكيك من مثقفين قالوا إنه لا ينتمى لكتابات صاحب نوبل.
الأزمة استقطبت أطرافا من الكتاب والمثقفين هنا وهناك، ما بين اتهامات بين الجميع بـ«الدفاع عن المصالح» وليس عن «محفوظ»، وكان منطقيا بالطبع أن أغلب المدافعين عن موقف «الشروق» هم الكتاب المتعاقدون معها، فيما جاء مؤيدو بيان المثقفين ممن لم يدخلوا جنة الدار.
موقف ورثة «محفوظ»، بدورهم، جاء على لسان ابنته «أم كلثوم» مدافعة عن «حقهم المبدئى فى تحديد الجهة التى تنشر أعمال أبيها»، منتقدة عدم رجوع المثقفين للأسرة قبل إصدار البيان الغاضب.


مطالب بطبعات شعبية «حكومية» والرجوع للأسرة فى حسم مصير الأعمال


طالب الدكتور شاكر عبدالحميد، وزير الثقافة الأسبق، الحكومة، بالتفاوض مع دار «الشروق»، لإصدار طبعات شعبية بأسعار مخفضة.
وقال «عبدالحميد»: «الأمر يجب أن يكون بالتعاون والاتفاق، مع ضرورة احترام العقد المبرم بين الأطراف صاحبة الحقوق، فهناك ورثة وهم من لهم حق التصرف فى الأعمال الأدبية لمحفوظ».
وأيدته الكاتبة الروائية سلوى بكر، التى قالت إنه على وزارة الثقافة المعنية بهذا الأمر التفاوض مع الدار لنشر أعمال محفوظ كاملة فى مكتبة الأسرة، بأسعار مناسبة للجمهور.
ورأى الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى، أنه لا مفر من احترام تعاقد محفوظ مع «الشروق»، وأكمل: «ما دام هناك عقد يقر بذلك، فعلينا الانتظار حتى تنتهى مدته».
وأيد «حجازى» مطالب المثقفين للدار بتوفير الأعمال للقراء، لكنه رفض فكرة نزع حقوق النشر منها.
بدوره، أوضح الشاعر والروائى محمد خير، وهو أحد الموقعين على البيان: «لا نطالب بتأميم الأعمال، ولا نطلب من الدولة أن تنتزع الحقوق بالقوة، ولكن نريد الدخول فى مفاوضات جدية تصل فيه لحل يرضى جميع الأطراف سواء دار النشر أو الورثة، ويسمح للقراء أن يطلعوا على أعمال نجيب محفوظ».
واعتبر الروائى محمد العون أن موقف ابنة محفوظ «أم كلثوم» هى الكلمة الحاسمة فى الأزمة، عندما قالت إن ورثته فقط هم أصحاب الحق فى التعامل مع أعماله واختيار الدار المناسبة لنشرها.
وأضاف «العون»: «المهم هو احترام القانون والعقد الذى وقعه نجيب محفوظ بنفسه مع الدار»، معتبرا أن الكلام عن أن أعمال الكاتب الراحل ملكية عامة، مخالف للقانون، ويتفق معه فى ذلك الروائى محمود عبدالوهاب.
الروائى الشاب تامر شيخون رأى أنه «ما دامت دار الشروق تعاقدت قانونيًا مع محفوظ أو ممثله القانونى أو ورثته على نشر أعماله بمقابل مادى وبشروط، فلها الحق الحصرى فى ذلك طوال فترة التعاقد». وعن المطالب بمنع الممارسة الاحتكارية فى الأنشطة الفكرية والثقافية، قال «شيخون»: «من الممكن سن قانون لذلك الغرض، لكن المشكلة فى إمكانية تطبيقه بسبب التعقيدات الهيكلية الكثيرة».
واقترح بوضع تشريع «يمنع أى دار نشر من أن تحتكر أعمال مبدع حصريًا، وتحديد مدة النشر بخمس سنوات مثلًا، وقتها لو وقع الطرفان على عقد احتكار غير محدد الفترة سيصبح لاغيًا، لأنه مخالف لأحكام القانون».
من جانبه، بيّن الدكتور أحمد مجاهد، الرئيس السابق للهيئة العامة للكتاب، عدم إمكانية أن تطبع هيئة نشر حكومية مؤلفات «محفوظ»، لأن هذا يعرضها للمساءلة القانونية.


أحمد الخميسى: على الدولة شراء أعماله

رأى الكاتب أحمد الخميسى أن نجيب محفوظ يعبر عن «حالة» تحول فيها إلى ما هو أكثر من أديب، موضحًا: «هو رمز قومى بفضل إبداعه والمكانة التى يشغلها بين الناس فى وطنه».
وشبه الخميسى، أديب نوبل بأنه «مثل الأهرامات والمتاحف، لا يحق لأحد احتكار أعماله بالمعنى المباشر للكلمة، لا دار نشر ولا فرد»، مطالبًا وزارة الثقافة والدولة بالحفاظ على تراثه الأدبى، وذلك عن طريق نشره وتمكين الشعب منه بأرخص الأسعار. وأضاف: «لا ندعو لتحطيم حقوق الملكية الفردية، لكننا نقول إن هناك حالات خاصة يجب أن يسرى فيها قانون آخر هو (حقوق الشعب فى ثرواته القومية)»، موضحًا أنه ينبغى مراعاة الجانبين معا: حقوق الملكية الفردية وحق الشعب فى نجيب محفوظ، وذلك بشراء الدولة أعمال «محفوظ» من الدار التى تحتكرها

إبراهيم فرغلى:الملكية الفكرية لا تعنى الاحتكار

قال الروائى إبراهيم فرغلى، إنه ليس لأحد فضل على نجيب محفوظ، فإذا كان أى ناشر يتوهم أنه يعرف ما ينبغى أن ينشر من أعماله، أو لا ينشره، نظرًا لرؤيته الخاصة فى السوق، فهذا أمر يسىء لأى دار نشر قبل أن يسىء لـ«محفوظ».
وأوضح أن عقود الملكية الفكرية لتنظيم وضمان حق المؤلف فى بيع كتبه، وليست حقا للناشر لكى يتحكم فيما ينشر وما لا ينشر منها، مؤكدًا أن الأصل فى التعاقد هو الالتزام الأخلاقى من الناشر بنشر وإشاعة الكتب بكل السبل المتاحة، وإلا أصبح إخلالا بصيغة التعاقد. وأشار إلى أن مصر ملتزمة باتفاقيات حقوق الملكية الفكرية، التى تقول بأن الملكية العامة للإنتاج الأدبى تأتى بعد ٥٠ سنة من وفاة المؤلف، أو ٧٠ فى القانون الأمريكى، مستنكرًا خلو هذه المواثيق مما يحدد الموقف من توقف الناشر عن إنتاج عمل يمتلك الناشر حقوقه.

سمير الأمير:الحكومة يجب أن تكون صاحبة الامتياز

حذر الروائى سمير الأمير من «ترك ميراث نجيب محفوظ الأدبى لدار خاصة فى بلد كمصر يصعب التكهن بنوايا أصحاب دور النشر فيها، وقال «الأمير»: لا يجب مقارنة دور النشر عندنا بـ«بنجوين» خاصة أن «الشروق» على سبيل المثال تبيع كتابًا من حوالى ١٠٠ ورقة عن الدكتور غنيم.. طبيب الفقراء بـ٧٥جنيها. وشدد على أنه يضم صوته لكل المطالبين بفك أسر «التراث المحفوظى»، موصيًا الحكومة بأن تكون صاحبة الامتياز فى طباعته لكونه يتعلق بتاريخ مصر.

صبحى شحاتة:ما يحدث يُشبه «بيع الهرم»

طالب الروائى صبحى شحاتة، الدولة ومؤسساتها، بحماية التراث كملكية للشعب كله. وقال «شحاتة»: «الشعب فوض الدولة لحماية تراثه والحفاظ عليه، لذا لا يجب أن يستحوذ القطاع الخاص التجارى على ما هو عام، ويستثمره فى تجارته ومشاريعه وسياساته». واعتبر أن أعمال نجيب محفوظ، فى قيمتها التاريخية والثقافية، مثل الهرم الأكبر، قائلًا: «إن كنا نستطيع إعطاء الهرم للقطاع الخاص فلنفعل هذا مع محفوظ».

صفاء عبدالمنعم:ينبغى إتاحة الكتاب للجميع

قالت الكاتبة صفاء عبدالمنعم، إنها ضد احتكار أى عمل أدبى لصالح أى أحد، مهما كانت الأسباب، باعتبار أن الأدب جزء من الهوية بشكل عام، مبررة رأيها بأنه أحيانًا يكون من مصلحة المحتكر إغفال عمل أو بعض الأعمال. وأضافت: «لو كانت الدولة تهتم بشكل حقيقى بالإبداع لظهر الكتاب كفكر وثقافة أكثر منه سلعة»، معتبرة أن «احتكار الكتاب مثل احتكار الدواء، وشحه فى السوق ضرر بالغ بالبشر».


زين عبدالهادى:الدار تحتكر مسودات «صاحب الثلاثية»

طالب «عبدالهادى» الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة، بالتفاوض مع دار «الشروق» لشراء حقوق نشر كتابات نجيب محفوظ منها، ودعا إلى ضرورة معرفة طبيعة العقد بين الورثة ودار «الشروق»، حتى يمكن لوزارة الثقافة أن تعمل وهى على بينة من هذا الأمر، مشددًا على ضرورة تدخل الوزارة. خاصة أن الأمر لا يتعلق فقط بأعمال محفوظ المنشورة، بل بمسودات أعماله بخط يده، وهذا فى حد ذاته يمثل تراثًا ضخمًا.


مصطفى نصر:وضع تشريع لمنع العبث بالتراث

رأى الروائى السكندرى مصطفى نصر، أن احتكار نشر أعمال نجيب محفوظ، جزء من مشكلة كبيرة، يعانى منها أدباء مصر، الذين لا يجدون من يحميهم. واعتبر أن الوارث الحقيقى لأعمال نجيب محفوظ هم الكتاب، من أعضاء اتحاد كُتّاب مصر وأعضاء نادى القصة، فالأمر يعنيهم أكثر مما يعنى أحدًا، وأضاف: «المفروض أن تحمى الدولة تراثنا، وكتب نجيب محفوظ جزء من هذا التراث الحضارى»، مطالبًا مجلس النواب بسرعة مناقشة وإصدار قانون يمنع العبث بتراث كُتابنا الكبار وحماية أعمالهم.