رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هنا سيوة.. «الدستور» تتحدث إليكم من جنة الله على الأرض

جريدة الدستور

- المنازل تكتسى بـ«الأصفر».. انتشار اللهجة الأمازيغية بين الأهالى.. والأطفال يستقبلون الزوار بكلمات ترحيب إنجليزية

٨ ساعات هى المدة التقريبية التى تستغرقها فى الطريق من الإسكندرية للوصول إلى واحة سيوة، وكل ما تحتاجه فى رحلتك بعض الملابس الصيفية و«جاكيت»، على أن تترك عقلك فى شوارع المدينة قبل أن تصعد إلى «الأتوبيس».

الرحلة تنقسم إلى جزءين، ليس فى الوقت فقط، بل فى أغلب تفاصيلها، الأول تصل خلاله فى ٤ ساعات إلى مرسى مطروح دون الشعور باختلاف عن رحلات الصيف، فأنت على طريق الساحل الشمالى، ومع دقات الخامسة من مشوارك يبدأ الجزء الثانى من الرحلة، وينطلق الأتوبيس فى قلب الصحراء متجها إلى الجنوب الغربى فى مطروح بمسافة حوالى ٣٠٠ كم، حيث تقع «واحة سيوة».

هناك سنصحبك فى رحلة قصيرة نتنقل خلالها بين عصور تاريخية مختلفة تركت بصمتها على الواحة، وعيون مياه تشق قلب الصحراء، حيث تتمكن من مشاهدة الغروب مع ٣ من أوجه الطبيعة المختلفة: الصحراء والمياه والنخيل.






صدفة قادت لمقابر الفراعنة فى «جبل الموتى».. وهنا تلقى الإسكندر نبوءة غزو العالم


بين انخفاض درجات الحرارة والأكمنة الأمنية، قضينا الساعات المتبقية فى رحلتنا، إلا أنك تجد فيها من المتعة ما لم تعشه من قبل، ومع ضوء النهار تظهر رمال الصحراء بلونها الذهبى، على جانبى الطريق، بينما يسير الأتوبيس منفردا، حتى تصل إلى الموقف المخصص فى قلب الواحة.
تجد فى انتظارك هناك عددا من وسائل النقل الخاصة، تحملك إلى وجهتك، كل ما عليك هو إخبار السائق باسم الفندق المتجه إليه وتترك الباقى عليه.
اللون الأصفر بدرجته الهادئة أول ما يلفت انتباهك عند تحركك داخل الواحة، فحتى المنازل اكتسبت لون الصحراء، وهى فى الأغلب مكونة من طابقين لا أكثر، ومبنية من مادة «الكرشيف»، التى يستخدمها أهالى سيوة وتمزج بين الملح والطين.
هدوء الواحة ليس ميزة صباحية تتغير مع مرور ساعات اليوم، الشوارع فى أغلب الأوقات خالية، إلا من بعض الأطفال يرددون عبارات الترحيب بلغة إنجليزية سليمة، لا يفرقون بين سائح أجنبى وعربى، فى وقت الظهيرة قد تلمح أحدهم لا يتجاوز عمره السادسة يقود عربة «كارو» تحمل سيدة أو أكثر.
خوض التجربة منفردا أو بصحبة عدد من الأصدقاء، يمنحك الحرية فى اكتشاف تفاصيل «الجنة المفقودة»، كما يطلق عليها البعض، بداية من طبيعة الحياة، العادات والتقاليد، الملابس، الصناعات، مرورًا بسر انتشار ٣ ألوان بعينها فى أغلب أركان الواحة، وعلاقتها بـ«البلح»، كلماتهم التى لا تفهمها فى بعض الأحيان حين يتحدثون بـ«الأمازيغية»، فضلا عن الراحة النفسية والألفة التى تشعر بها فى المكان.
ورغم تعدد المناطق الأثرية إلا أن بعضها يعد محطات أساسية لأى زائر، وعلى رأسها «جبل الموتى»، وهو أحد الآثار الفرعونية فى الواحة، يرجع إلى الأسرة ٣٠، يتميز بشكله المخروطى، ويضم مئات المقابر المنحوتة من العصور الفرعونية واليونانية والرومانية، يُعرف بين سكان الواحة بـ«جبل المصبرين أو المُحنطين»، إذ كان «الجبانة» الرئيسية للأهالى فى تلك الحقبة التاريخية.
محمد عمران جيرى، أحد أبناء الواحة، اعتاد مصاحبة رحلات الزائرين للتعريف بتاريخ سيوة، يقول: «الواحة مرت بعصور تاريخية رئيسية، هى الفرعونى، متمثلًا فى الأسرتين الـ٢٦ والـ٣٠، واليونانى الرومانى، متضمنًا البطلمى».
ويروى لنا قصة اكتشاف مقابر «جبل الموتى»، التى لم يُكتشف منها حتى الآن سوى ٢٠٪، ويقول: «أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية لجأ الأهالى إلى الجبل كمخبأ، وحينها فوجئوا بما يضمه من مقابر، وسبقهم فى هذا الاكتشاف رجل إنجليزى بنى فندقًا مجاورًا للجبل عام ١٩١١».
أقاويل كثيرة ترددت حول استغلال الرجل الإنجليزى للعمالة الموجودة لديه فى التنقيب عن الآثار داخل الجبل، يقول «جيرى»، كاشفًا أن أبرز المقابر الموجودة فى الجبل مقبرة «سى آمون»، الذى يرجح أنه كان حاكما محليا للواحة، وتحتفظ مقبرته بألوانها حتى الآن، وتمزج بين العصور: الفرعونى واليونانى الرومانى.
وتتضمن المقبرة رواية تخص «سى آمون» تقول إنه تزوج من سيدة مصرية وأخرى يونانية، فتظهر المصرية حاملة طفلها، مرتديا الزى اليونانى، وتظهر اليونانية حاملة طفلها مرتديا الزى الفرعونى، كدليل على مزج الحضارة.
حب التجربة والبحث والاكتشاف، صفات لا بد أن تتوفر فى زائر الواحة، فهى لن تبوح لك بتفاصيلها منذ اللحظة الأولى، فتحتفظ ببعضها حرصا على عودتك مرة أخرى تحقيقا لشعار «سيوان يطبحاك» وهى كلمة أمازيغية تعنى «سيوة تناديك»، ولا يقتصر هذا الشعار على أهل الواحة بل يمتد إلى آثارها.
فإلى جانب «جبل الموتى»، هناك طريق ضيق يوصلك إلى قاعة تتويج الملك، التى تقع فى أعلى نقطة بـ«معبد الإسكندر»، وعلى خلاف اسمه فهو معبد فرعونى يرجع إلى الأسرة ٢٦، فى الفترة من ٦٦٣ إلى ٥٢٥ قبل الميلاد، والذى شيد على هضبة ترتفع عن سطح الأرض بحوالى ٣٠ مترا، وزاره الإسكندر الأكبر عام ٣٣١ قبل الميلاد، فتلقى نبوءة آمون فى بداية غزوه.
قاعة التتويج تصعد إليها بدرج صخرى مستدير، يقع فى منتصف المعبد، وعلى اليسار تجد بئرًا جافة يصل عمقها إلى حوالى ٣٠ مترا، وبعد خروجك من قاعة التتويج يمكنك أن تشاهد الواحة من كافة الجهات، فأمامك تظهر تجمعات النخل، وخلفك مجموعة من الجبال، وعلى يمينك بحيرات المياه، هذا هو المكان الأمثل لالتقاط الصور التذكارية.
أثناء خروجك من المعبد تلتقى أطفالًا صغارًا يحاول كل منهم أن يروج لبضاعته، التى تتكون من عصا خشبية مغطاة بأوراق ملونة على شكل «مروحة»، تعينك على تحمل ارتفاع درجة الحرارة ببعض الهواء، فرغم انخفاض درجات الحرارة فى مدن الوجه البحرى والقاهرة، إلا أن الواحة قررت أن تكون ذات مذاق مختلف، فصباحا تجد درجات الحرارة المرتفعة الخالية من الرطوبة، والتى يلزمها ارتداء الملابس الصيفية فى فصل الشتاء، بينما تحتاج إلى ارتداء «معطف» فى المساء، تجنبا لانخفاض درجات الحرارة.
معبد «واحة الغروب» ليس أسطورة.. «عين كليوباترا» قبلة الفتيات للاستحمام.. وسوق للمنتجات البدوية

ضابط مصرى فى عهد الزعيم أحمد عرابى يدعى «محمود» انتقل إلى الواحة مصطحبا زوجته الأجنبية العاشقة للآثار، لم تتردد فى قبول عرضه الذى تلاقى مع رغبتها فى البحث عن قبر الإسكندر الأكبر، رواية نسجها الروائى بهاء طاهر حملت عنوان «واحة الغروب»، البعض حسبها محض خيال، إلا أن الواحة تحتفظ حتى الآن بمسرح الحادث الذى انتهت به الأحداث.
على بعد خطوات من «معبد الإسكندر»، وتحديدا فى منطقة تحمل اسم «أم عبيدة» ترقد أطلال «معبد آمون»، الذى ذكر «طاهر» قصة تفجيره على يد «محمود»، مأمور الواحة، عام ١٨٩٧، ليقضى على آمال زوجته، التى سببت له أزمات مع أهالى الواحة، ويقول «على»، السائق المصاحب لنا فى الرحلة، إن أحجار المعبد نُقل معظمها بواسطة «محمود» لبناء مسجد الواحة وغيره من المبانى.
وفى رواية أخرى فإن تحطم المعبد سببه زلزال ضرب الواحة عام ١٨٨١، ولم يتبق منه سوى الجدار الأمامى تستند إليه بعض الأحجار، ويحمل هذا الجدار نقوشًا فرعونية، تضم صورة للفرعون وهو يركع للإله.
على بعد خطوات قليلة من «معبد آمون»، وداخل منطقة «أم عبيدة» تقع «عين جوبا»، التى تشبه فى شكلها قرص الشمس، وهو سبب تسميتها «عين الشمس»، كانت قديما قبلة فتيات الواحة للاستحمام قبل العرس، بينما تحولت فى السنوات الأخيرة لمزار سياحى تزوره الفتيات المصريات والأجنبيات للاستحمام، تشبها بالملكة كليوباترا، حيث تذكر بعض الروايات قصة نزول الملكة فيها أثناء زيارتها للواحة، لذا أُطلق على البحيرة «عيون كليوباترا».
النخيل يشكل جزءًا كبيرًا من المشهد، فهو يحيط بالبحيرة من كافة الاتجاهات، وحول البحيرة تجد سوقًا مصغرة تقدم المنتجات السيوية من مشغولات يدوية وملابس، كذلك يمكنك تناول مشروب بارد أو دافئ- حسب رغبتك- أثناء جلوسك فى الكافيتريا الموجودة فى المحيط، والتى تمنحك فرصة الاستمتاع بهدوء الطبيعة.
وأكثر ما يميز «جوبا» عن غيرها من العيون كونها دافئة فى الشتاء، باردة فى الصيف، فى محاولة منها للاستحواذ على اهتمامك، وتحاط العين بسور حجرى بُنى لحمايتها من الردم بسبب عوامل الطبيعة.
«جبل الدكرور»: حمامات رملية لمدة 3 أشهر.. وابتهالات للطريقة المدنية الشاذلية
لم ينته اليوم الأول بعد، فأنت الآن فى طريقك إلى «درار إبريق»، أو «جبل الدكرور»، الذى يضم مجموعة كبيرة من الغرف، تصل إليها بسلم حجرى، على يساره تتصدر لافتة تنسب المكان إلى واحدة من الطرق الصوفية، وهو حالة خاصة، إذ يشهد الكثير من أنشطة الواحة فى الصيف والشتاء.
مزار أثرى ومشفى للعلاج، هكذا عُرف الجبل، يمكنك زيارته فى أى وقت، فهو دائما مفتوح للزائرين دون رسم دخول، وفى يونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر وأكتوبر، يمكنك مشاهدة الوجه الآخر للجبل حين تدب الحركة فى كافة أرجائه، بينما يبدو طوال أيام العام ساكنًا هادئًا.
بداية من يونيو حتى سبتمبر يكون موسم «الدفن» فى الرمال، الذى يحرص على اللحاق به كثير من الأجانب والمصريين من مرضى الصدفية والروماتيزم وغيرهما، فالجبل يتحول فى هذا الشهر إلى «حفر» صغيرة تحوى كل منها جسد إنسان لا يظهر منه سوى الرأس، المعروفة بـ«الحمامات الرملية»، وعقب الخروج من الرمل يمكنك البقاء فى غرفة الإعاشة الموجودة فى الجبل، طوال ٩ أيام هى مدة العلاج.
وفى أكتوبر، يجتمع أهالى الواحة فى الليالى القمرية الثلاث الموافقة لهذا الشهر، للاحتفال بما يُطلق عليه «عيد الحصاد»، أو «السياحة»، بينما يسميه البعض «عيد الصلح»، وفقا للرواية المتداولة حول تاريخ المعارك بين الشرقيين والغربيين من أهالى الواحة فى القرن الـ١٥.
ووفق تلك الرواية، انتهت المعارك باتفاقية صلح نصت على تبادل النسب بين الجانبين، والاجتماع فى ٣ ليال من كل عام أعلى الجبل، على أن يُصنع خبز موحد فى كافة منازل الواحة، يجمعه أتباع الطريقة المدنية الشاذلية ويقدمونه فى وجبة واحدة هى «الفتة»، وتقام عقب صلاة الظهر، ولا يمس أحد الطعام إلا بعد أن يقول كبير الجلسة: «بسم الله الرحمن الرحيم».
وفى مساء اليوم الأول يشارك الأهالى فى ابتهالات الطريقة المدنية الشاذلية داخل الخيام المعدة سابقا، على أن ينتهى الاحتفال فى اليوم الرابع بمسيرة كبيرة.
تلك هى الرواية الأبرز والأكثر ترديدا عن قصة الجبل، إلا أن محمد عمران جيرى كشف لنا جانبًا آخر لم نكن نعلمه، وهو أن المهرجان الذى يتوافد عليه المئات من السياح لمشاهدته ما هو إلا فعالية صوفية خالصة، لا علاقة لها بالصراع القديم بين الشرقيين والغربيين.
يقول «جيرى» إن الاحتفال يقام عادة فى أكتوبر أو فى بداية نوفمبر، حسبما يتزامن مع الليالى القمرية، وهو ضمن مظاهر الألفة والتعاون بين أهالى الواحة.
والمسئول عن تنظيم الاحتفال هو الطريقة المدنية الشاذلية، التى يرجع تأسيسها إلى الشيخ محمد حمزة ظافر المدنى، وهو من مواليد المدينة المنورة وانتقل إلى المغرب العربى، وجاء إلى الواحة للقاء مريديه عام ١٢٨٥ هجريا، فاختاروا ساحة جبل الدكرور لإقامة احتفالية ووليمة ترحيبا به، واستمعوا إلى نصائحه، وفق «جيرى».
وأضاف: «اعتمد الأهالى الاحتفالية، فكانت تقام ليوم واحد كل عام، ثم استحسنوا الأمر وقرروا إقامته لمدة ٣ أيام»، موضحا أن الفعالية الختامية للاحتفالية- وهى المسيرة- ترفع أعلام الطريقة الشاذلية قاصدة مسجد سيدى سليمان لإقامة حلقة ذكر.
أسماء عدة أُطلقت على الاحتفال، من بينها مهرجان السياحة، والمقصود بها- حسب قول جيرى- سياحة التصوف، التى تهدف للخروج من البيوت للتأمل فى ملكوت الله، كذلك تُسمى احتفالات الحصاد، لتزامنها مع أيام جمع محصولى البلح والزيتون، واحتفالات الليالى القمرية، لتزامنها أيضا مع الأيام الثلاثة القمرية فى الشهر العربى، ويوضح أن القائمين على الطريقة المدنية الشاذلية نفوا أى صلة بين الاحتفالية ورواية الصلح.
جاكوزى و«مقشر بشرة» ربانى فى بحيرات الملح.. وساعة غروب خيالية فى «فطناس»
من الآثار لسحر الطبيعة، حيث بحيرات صغيرة بلون الفيروز تحيطها كرات بلورية بيضاء، يطلق عليها «بحيرات الملح»، وهى فى الأصل مناجم على مساحة ٤٠ فدانًا يستخرج منها الملح.
ومنذ ٣ أعوام ظهرت القيمة الحقيقية لتلك البحيرات، التى يقصدها السياح للاستفادة من الملح فى «تقشير» الجسم، إضافة إلى أنها تساعد على الاسترخاء، عند جلوسك على الحافة الصخرية للبحيرة، ما إن تمس قدمك الماء حتى تشعر بحركة دائرية تشبه «الجاكوزى»، ما يمنحك حالة من الهدوء.
لم تكن «بحيرات الملح» من المزارات المعتادة بالنسبة للزائر المصرى، إلا أن أهالى سيوة نجحوا فى جذبه إليها بإظهار ما تحمله من جمال وفوائد، واقتصر الأمر فى البداية على التقاط الصور التذكارية، لما يسببه لونها من إبهار، فعند وصولك إليها تشعر وكأنك أمام لوحة فنية يمتزج فيها الأزرق والأصفر الهادئ فى مشهد يصفى الذهن.
ومع اقتراب موعد الغروب عليك أن تحدد وجهتك، ويكون أمامك ٤ اختيارات لوداع الشمس، بين النخيل، أو الجبال، أو الصحراء، أو المياه، وفى اليوم الأول تكون «جزيرة فطناس» هى الخيار الأمثل، فبعد الصعود والنزول بين الجبال والآثار، تحتاج إلى السكون أمام مشهد يجمع بين ٣ من خيارات مشاهدة الغروب، فهناك تجلس بين النخيل، بينما تستمع إلى صوت الأمواج الخفيفة فى البحيرة، ويظهر فى خلفية المشهد «جبل جعفر»، حيث تغرب الشمس وكأنها تختبئ خلفه.
عند وصولك للجزيرة تقابلك لافتة ترحب بقدومك، وبعد خطوات تظهر عين صغيرة للمياه الدافئة، دائرية الشكل، بينما يقف بعض الأشخاص على الحافة الصخرية للقفز فى المياه.
بعد تجاوزها تمر بين النخيل لتصل إلى الشاطئ، هنا عليك أن تحدد اختيارك، هل تفضل الجلوس على مقاعد من «جريد» النخل، أم تفترش الأرض على أن تلتف وأصدقاؤك حول «طبلية» من الخشب، فى أى من الحالتين ستكون البحيرة وجهتك.
وفى أحد جوانب الشاطئ يمتد جسر خشبى من النخيل، يستغله البعض لالتقاط الصور التذكارية، ورغم جمال الطبيعة إلا أن الحالة لا تكتمل دون تجربة الشاى السيوى، الذى يقدم فى «براد صغير» يسمى «الزردة» ويضاف عليه عشب «حشيشة الليمون»، أو«اللويزة» وهو عشب صحراوى يكسب الشاى مذاقًا مميزًا.
اختلاف طبيعة المكان وكثرة التفاصيل يأسرانك منذ اللحظة الأولى، وحين تلحظ عدم تناولك أى وجبة بعد الإفطار، تكافئك الواحة بوجبة من أكلاتها المميزة داخل «كامب» فى قلب الصحراء، حيث تنقطع شبكات الاتصال لتمنحك ساعات من الراحة والهدوء.
فى مدخل «الكامب» وتحديدًا على يمينك توجد عين مياه دافئة، فضلا عن جلسة مخصصة للتدفئة حول «راكية» نار، وهناك أرجوحة معلقة على شجرة عتيقة، إلى جانبها عدد من الخيام المجهزة لاستقبال الزائرين ولتناول الطعام.
«فراخ» - أو«لحم» - مطبوخة فى الرمل، تلك هى الوجبة الرئيسية والترشيح الأول ويطلق عليها «أبومردم» أو «المدفون»، والتى يبدأ إعدادها قبل ساعات من موعد العشاء، فيُدفن برميل من الصاج فى الرمل وداخله كمية من خشب الشجر تُشعل فى النيران لمدة ساعتين ثم تُطفأ، وقتها يتم وضع شبكة تحمل قطع الدجاج أو اللحم، وتُغطى بـ«صينية» ألومنيوم، وتترك لمدة ساعتين حتى تمام النضج.
الملوخية السيوى والخضار المطهى دون زيوت أو إضافات خارجية، خيارات إضافية تستمتع بها مع الأرز بالكارى، والزيتون.
وبعد تناول الطعام يُقدم شاى «زردة» تحت ضوء النجوم اللامعة، فرغم الإضاءة الخافتة للكامب، إلا أن كل شىء يبدو واضحًا وجليًا تحت ضوء النجوم، لتنهى يومك الأول بمشهد ساحر يبقى لصيقًا بذهنك لصباح اليوم التالى.

شيخ قبيلة «أولاد موسى» أشاد بإنجازات الدولة

عمر راجح: الرئيس طالبنا بحماية الحدود الغربية.. ونعده: «عُلم ويُنفذ»

قال عمر راجح، شيخ قبيلة «أولاد موسى» فى واحة سيوة، إن العام الجارى شهد إحياء مشروعات معلقة منذ سنوات، على رأسها الطريق الرابط بين الواحة وواحة «أم الجغبوب» فى ليبيا، الذى أعطى الرئيس عبدالفتاح السيسى إشارة البدء فيه بعد توقفه منذ الثمانينيات.
وأضاف، فى حواره مع «الدستور»، أن الرئيس وجّه بالانتهاء من مشروع الصرف الصحى فى سيوة خلال عام واحد بدلًا من ٣ سنوات، معتبرًا أن «ما يتم فى مصر يشعر به المواطن أينما كان، سواء فى سيوة أو حلايب وشلاتين».
ورأى أن متابعة أهل سيوة للعملية العسكرية الشاملة «سيناء ٢٠١٨»، تختلف عن باقى المصريين، موضحًا أن «الرئيس وجّه رسالة لأهالى مطروح خلال تدشينه مدينة العلمين الجديدة، طالبهم فيها بحماية الحدود الغربية، لذلك فإن وجودهم فى تلك المنطقة المكشوفة يحتم عليهم اليقظة طوال الوقت».
■ بداية.. ما أهم المشروعات التى شهدتها الواحة خلال ٢٠١٨؟
- هناك العديد من المشروعات التى تم تنفيذها فى مصر بصفة عامة، وفى سيوة على وجه التحديد، ومن بينها: الطريق الذى يربط قرية «أم الصغير» بالواحة، بطول ١٢٠ كم فى الجنوب الشرقى، والطريق الذى يربط سيوة بواحة «أم الجغبوب» فى ليبيا بطول ١٢٠ كم أيضًا فى الطريق الغربى.
■ ما العائد على الواحة من طريق «أم الجغبوب»؟
- المعروف أن المناطق الحدودية المصرية مع ليبيا والسودان وغيرهما، تضم قبائل ترتبط بصلات رحم وقرابة دم مع هذه الدول، ومن بينها «أم الجغبوب» التى نرتبط معها بصلة دم، لذلك فإن الطريق الجديد يسهل التواصل بين هذه الأسر، وتيسير العملية التجارية بين ليبيا ومصر.
■ متى طالبتم بإنشاء هذا الطريق؟ ومتى تم البدء الفعلى فى تنفيذها؟
- نطالب به من الثمانينيات، وأخذنا وعودًا كثيرة بتنفيذه كان آخرها فى عصر الرئيس الأسبق «مبارك»، إلا أن الأحداث السياسية فى البلدين مصر وليبيا، كانت تحول دون تنفيذه، إلى أن جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، واتخذ قراره بإنشاء الطريق، وبدأ تنفيذه بالفعل.
■ ماذا عن المشروعات الأخرى؟
- ما يتم فى مصر يشعر به المواطن أينما كان، سواء فى سيوة أو حلايب وشلاتين أو غيرها، لأنها مشروعات قومية كبرى تخدم ملايين المواطنين، وفى سيوة على وجه التحديد، أنشأت القوات المسلحة مصنعًا للملح يصدر إنتاجه للخارج، إلى جانب شبكة الصرف الصحى، التى كان من المفترض الانتهاء منها خلال ٣ سنوات، إلا أن الرئيس أمر بالانتهاء منها خلال عام واحد فقط.
كما أنه ومع معاناتنا من أزمة الصرف الزراعى، أبدى الرئيس خلال مؤتمر تدشين مدينة «العلمين الجديدة»، استعداده لإرسال لجان تدرس الموقف، ووعد بتدخل القوات المسلحة لحلها، خاصة فى ظل الحاجة لذلك لاستيعاب الأعداد الكبيرة الوافدة على الواحة.
■ كيف تستعدون فى الواحة لانتخابات الرئاسة؟.. وهل سيكون هناك دور للمرأة؟
- نسعى خلال الفترة الأخيرة لحث أهالى الواحة على المشاركة فى الانتخابات الرئاسية، خاصة أن بعض المواطنين، بعدما وجدوا من يعمل ويسعى للإصلاح وينجح فى توفير الأمن والأمان، قرروا الارتكان لذلك عملًا بمبدأ أن «الرئيس سيفوز لا محالة بولاية ثانية»، لكن ذلك مفهوم خاطئ، والمشاركة ضرورية، ولذلك نظمنا حملات توعية للحث على المشاركة، أما مشاركة المرأة فى الواحة، فطبيعى أن تكون قليلة، نظرًا لطبيعة المجتمع السيوى.
■ من المسئول عن حملات التوعية.. قوى سياسية أم مشايخ القبائل؟
- الحملات ينظمها مكتب الإعلام فى الواحة، ويحاضر فيها المشايخ وشباب القبائل، إلى جانب أعضاء مجلس المدينة، دون توجيه المواطنين للتصويت إلى مرشح بعينه، فالهدف هو الحث على المشاركة الإيجابية أيًا كان الاختيار.
■ كيف يتابع أهالى سيوة العملية الشاملة «سيناء ٢٠١٨»؟
- ما يحدث فى سيناء من تواجد لتكفيريين شهدته دول عربية أخرى، لكن الفارق عندنا هو وجود جيش قوى حاسم قرر توجيه حملة قوية ضد هؤلاء الإرهابيين.
أهالى مطروح، وسيوة تحديدًا، لديهم خصوصية فى النظر لتلك العملية، باعتبارهم حراس المنطقة الغربية، ولذلك خاطبهم الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال مؤتمر تدشين «العلمين الجديدة» قائلًا: «أنتم يا أهل مطروح وعدتونى بشىء مش عاوزكم تنسوه، إنكم تحرسوا الحدود الغربية».
هذه الكلمات لها مدلول خاص، والتفسير الأقرب لها من وجهة نظرى، أن الأسلحة الموجودة فى سيناء دخلت من المنطقة الغربية، وهو ما ينبغى على الجميع فهمه، بأن الحدود الغربية مرتبطة بسيناء، وأن دعمنا للعملية الشاملة يكون بيقظتنا على الحدود الغربية، ونعده بالوفاء بذلك.
■ كيف ترى دوركم هذا بشىء من التفصيل؟
- علينا أن نحافظ على يقظتنا تجاه كل قدم غريبة تصل إلى الواحة، سواء جاءت بهدف العمل والاستثمار أو أى شىء آخر، فلا بد من إبلاغ الجهات الأمنية عنه، لأن ما يحدث فى سيناء من الممكن أن يصل صداه إلى مطروح، فنحن جميعًا فى مرحلة لا يجب أن نستصغر فيها أمرًا قد يسبب بعد ذلك شرارة كبيرة.
ووجودنا فى منطقة حدودية مكشوفة يضاعف حِملنا، ونحن نقف مع القوات المسلحة قلبًا وقالبًا، للحفاظ على أمن البلد من مخاطر أفكار التطرف والقتل والإرهاب وترويع المواطنين.
■ هل هناك عجز فى العمالة داخل الواحة؟
- نطلب بالفعل عمالة، تأتينا من الوادى، خاصة فى مواسم جمع المحاصيل، والمشروعات الموجودة تتطلب عمالة من الخارج، لكن العجز الحقيقى فى المتخصصين من مدرسين وأطباء ومهندسين، ولذلك وضعنا خطة لحل ذلك، وأؤكد أن الواحة خالية من البطالة، والعمل متاح بها فى كل المجالات، ومن لا يعمل اختار ذلك برغبته.
■ ما خطتكم للتخلص من عجز العمالة والمتخصصين؟
- التعليم فى واحة سيوة كان ضعيفًا فى الفترات السابقة، وكل من عمل به كان يأتى من الوادى، ويكون هدفه الرئيسى العودة للاستقرار فى بلده الأصلى، وتسببت قرارات المحافظ بعودة كل إلى بلده فى عجز بمجالى الصحة والتعليم.
ولذلك أنشأنا لجنة شعبية خاصة بالتعليم تضم: شيخ قبيلة، ورئيس مجلس المدينة، ومدير الإدارة التعليمية، وجمعية متخصصة فى التعليم، وعددًا من المتطوعين، كما نظمنا مجموعات تقوية إجبارية لجميع طلاب المرحلة الثانوية، ومن حصل على ٧٠٪ وما فوق فى المرحلة الإعدادية، وكلفنا موجهى التعليم بمتابعة الأمر، مع سداد ولى الأمر ما بين ٢٠٪ و٥٠٪ من التكلفة، على أن نلتزم بشكل مجتمعى باستكمال أجر المدرس.
وعقب امتحانات الثانوية العامة، نجمع الطلبة حسب مجموعهم وتنسيق الجامعات، ويتم تصنيفهم إلى مجموعات حسب ميولهم، ونستهدف فى المرتبة الأولى كليات الطب والهندسة، سواء جامعات حكومية أو خاصة، بالتنسيق مع المحافظ، وهى خطة خمسية، والعام الجارى هو الثانى، ونتوقع فى نهاية السنوات الخمس أن يكون هناك اكتفاء ذاتى فى جميع التخصصات فى الواحة.
■ وماذا عن نصيب الفتيات فى خطة التعليم؟
- لا نفرق فى الاختيار بين الولد والبنت، ففى العام الثانى تمكنا من إدخال ٣ فتيات إلى كلية الطب، والفارق الوحيد هو أن الآباء كانوا دائمًا ما يكتفون بتعليم الفتيات للمرحلة الثانوية فقط، لكن مع التوعية الحالية أقنعناهم باستكمال تعليم بناتهم، وكذلك توعية الشباب حتى لا يتم منع الفتاة من العمل بعد الزواج.
■ ما متطلبات الواحة الأخرى خلال الفترة المقبلة؟
- نركز على مشروع الصرف الزراعى والصحى، إضافة للمياه الجوفية، الذى قد يسبب الإسراف فيها أزمة فى الاستثمار داخل الواحة، ويضر مشروع الرئيس لاستصلاح المليون ونصف المليون فدان، خاصة أن هذه المياه محدودة وغير متجددة، ولذلك تم الاتجاه إلى إعادة استخدام المياه قبل عودتها إلى البحيرات فى الزراعة، وهو أمر تمت تجربته، ويمكننا من توفير المياه الجوفية والمساعدة فى حل أزمة الصرف الزراعى.