رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلى أين ستأخذنا «سيدة الحفر السوداء»؟


ربما تستطيع آلة الإعلام الأمريكية، أن تقنع ملايين «الطيبين» حول العالم بأن اختيار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لجينا هاسبل لتكون أول سيدة تترأس أقوى جهاز مخابرات فى العالم، وهو الـ«سى آى إيه»، يمثل انتصارا جديدا للمرأة فى الولايات المتحدة الأمريكية أرض الأحلام والفرص الذهبية.
لكن الحقيقة أن الأمر أسوأ من ذلك بكثير، فجينا هاسبل البالغة من العمر ٦٢ سنة، ليست مجرد امرأة، بل هى ضابطة مخابرات سرية، وخبيرة فى التعذيب، سبق أن دعا المركز الأوروبى للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان المدعين العام الألمان فى العام الماضى للتدخل قانونيًا، وإصدار أمر اعتقال بحقها على خلفية ارتباطها بعمليات تعذيب المعتقلين.
وتعرف هاسبل بأنها «سيدة الحفر السوداء»، والحفر السوداء هى السجون التابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، التى تقع خارج أراضى الولايات المتحدة. ويرتبط اسم هاسبل بدورها فى إدارة أحد هذه السجون فى تايلاند، حيث كان يتعرض المعتقلون المشتبه بكونهم إرهابيين إلى أحدث وأبشع أساليب التعذيب لانتزاع الاعترافات وأشهرها الإيهام بالغرق.
وهى متهمة بإدارة برنامج الاستجواب المكثف للمتهمين بالإرهاب، وهو ما يرقى إلى درجة التعذيب، بحسب تقرير لجنة الاستخبارات فى مجلس الشيوخ الأمريكى، كما ينسب إليها أيضا مسئوليتها عن تدمير فيديوهات استجواب سجلتها المخابرات المركزية الأمريكية، وذلك خلال تحقيق كانت تجريه وزارة العدل الأمريكية، والذى انتهى دون توجيه أى اتهامات.
وقد نقلت صحيفة «يو إس توداى»، عن نائب الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية كريستوفر أندرس، أن هاسبل غارقة بملف التعذيب، سواء من خلال إشرافها على سجن تايلاند، أو تدمير أدلة على علاقة بعمليات التعذيب.
وقال كريستوفر أندرس إن أحد الرجال الذى كان يخضع للتحقيق ضمن أحد السجون التى كانت تديرها قال إنه تعرض لمحاولات إيهامه بالغرق ٨٣ مرة، بالإضافة إلى ضربه بالجدار، واحتجازه داخل صندوق لدفن الموتى، وأضاف أنه بعد ترقيتها إلى مقر وكالة المخابرات المركزية، عملت على تدمير الأدلة المرتبطة بجرائم التعذيب التى ارتكبت فى السجن الذى كانت تديره.
نحن إذن أمام خبيرة فى التعذيب، واستخدام أبشع الأساليب لانتزاع الاعترافات من المتهمين، وخبيرة أيضا فى إخفاء آثار جرائمها، ولا شك أن اختيار سيدة بهذه النوعية لهذا المنصب، يعكس طبيعة العقلية التى تسيطر على الأمور فى البيت الأبيض الآن، فبعد ١٤ شهرا من تولى الرئيس دونالد ترامب المسئولية، أصبح واضحا للجميع أن زعيم أكبر دولة فى العالم، رجل لا يلتفت إلا لما يعتبره مصلحة له ولبلاده، حتى لو كان ذلك على جثث الآخرين، فهو الرجل الذى تباهى بأنه أعطى الأمر بضرب قاعدة خان شيخون فى سوريا، وهو يتناول الحلوى بعد الغداء مع الرئيس الصينى.. وهو الذى أخذ كل ما أراد من أصدقائه العرب، ثم أعلن القدس عاصمة لإسرائيل دون أن يهتم بأى شىء، كما أنه الذى أدان قطر لأنها صاحبة تاريخ طويل فى تمويل الإرهاب، ثم باعها أحدث الطائرات وتعهد بحمايتها من الدول الأربع الرافضة للإرهاب.
ترشيح جين هاسبل لهذا المنصب، يؤكد أن الولايات المتحدة، تصدر إلينا شعارات جوفاء عن الحرية واحترام حقوق الإنسان، لكنها تدوس على كل هذه الشعارات بأحذيتها، فكل شىء مباح من أجل أمريكا العظيمة، ورئيسها الذى يتعامل بعقلية الكاوبوى، وبالتالى فهو ينظر للآخرين باعتبارهم أبقارا، عليها أن ترد حليبها لسنوات، ثم تذبح لتؤكل دون أن تذرف عليها دمعة واحدة.
ومن منطق الكاوبوى أيضا وجدنا الرئيس ترامب، يتبنى قرارا بفرض ضرائب على الحديد والألومنيوم الذى تستورده الولايات المتحدة من دول العالم، فهل من المنطق أن يفرض المستهلك ضريبة على المنتج؟.
المعلومات تشير إلى أن الولايات المتحدة، تعد أكبر مستورد للحديد فى العالم، حيث تستورد ٨ فى المائة من الواردات العالمية، وخلال ١٠ أشهر من ٢٠١٧ استوردت ٢٧ مليون طن مترى من الحديد من ١١٠ دول.. وبالمنطق العادى لا يمكن أن تكون الأكثر احتياجا والأكثر تبجحا، لكن الكاوبوى الأمريكى له منطقه الخاص، ولو كانت لديه ذرة شك فى أن الدول المصدرة للحديد والألومنيوم، يمكن أن تتخذ إجراءات عقابية ضده، أو توقف صادراتها أو تقللها لما تبنى مثل هذا القرار العجيب.
الحقيقة أننا سمعنا صيحات اعتراض كثيرة على قرار ضريبة الحديد والألومنيوم، من الاتحاد الأوروبى وكندا ومن مجموعة تويوتا اليابانية، ولكن لا نعرف إذا كانت هذه الصيحات كافية لوقف إصدار مثل هذا القرار.
نفس الشىء سمعناه عن قرار ترشيح جينا هاسبل لرئاسة المخابرات المركزية الأمريكية، من شخصيات بارزة داخل مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهورى والديمقراطى، على رأسها السيناتور جون ماكين الذى قال إن «تعذيب المعتقلين فى المعتقلات الأمريكية خلال العقد الماضى يعد واحدًا من أحلك الفصول فى التاريخ الأمريكى»، وقال أيضا إن مجلس الشيوخ سيؤدى مهمته فى دراسة سجل «هاسبل» وكذلك معتقداتها حول التعذيب وموقفها من القانون الحالى.
من حق الكاوبوى الأمريكى أن يتباهى بقوة عضلاته، وبمهاراته فى التسديد على الأهداف، وفى ترويض الأبقار ونهب خيراتها، لكن عليه أن يدرك فى النهاية أن نهايات أفلام الويسترن ليست دائما سعيدة، وما زال أمامه فى هذه اللعبة السخيفة التى يتعالى فيها على أقرب حلفائه أقل من ثلاث سنوات، ثم يلقى فى المكان الملائم له فى ذاكرة التاريخ.