رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مواطنون: عندما نرى من فقدوا أوطانهم.. نحمد الله على نعمة مصر

جريدة الدستور

للمغتربين اهتمامات قد تختلف عن تلك التى تشغل المصريين فى الوطن، وهى اهتمامات يفرضها اختلاف أماكن وجودهم والثقافات التى يقتربون منها، لكنهم ـ سواء كانوا تحت شمس الخليج الحارقة، أو فى صقيع أوروبا ـ يشتركون فى معنى واحد، أن مصر هى البيت الأبدى الذى لا مهرب من العودة إليه لاستكمال الحياة أو للراحة فى ترابه.
فى «الغربة».. هذا المصطلح المحتشد بالمعانى والمشاعر، يصبح لكل شىء معنى آخر.
هنا العَلَم، والوطن، وترابه، وجيشه، وكل ما ينسب إليه أو يشتق منه أكثر قداسة وحضورًا فى ضمير المصرى الحق الذى كلما أمعن فى الغياب عن وطنه زاد حضورًا فيه وارتباطًا بمفرداته.
من هنا، تمثل الاستحقاقات الوطنية، بدءًا من مباراة للمنتخب وانتهاء باختيار رئيس، لحظات كاشفة، بل استثنائية، فى يوميات المصريين اللاهثة خلف تفاصيل كثيرة لا تُغنى عن الانشغال اللحظى بما يجرى فى البيت الكبير مصر.
فى الانتخابات، مثال لواجب وطنى، تتلاشى الحواجز والحدود التى يتواجد خلفها المصريون المغتربون، وتتكثف الصور التى يصلح كلُ منها ميدانًا لقراءة المعانى الفياضة بالحنين والوطنية، لكنها تبقى جميعًا تحت ظل علم واحد تهفو إلى مستقبل واحد وتترجم أملًا واحدًا مفاده أن تصبح مصر «قد الدنيا».
قصد السفارات والقنصليات فعل نادر فى يوميات المصريين المغتربين لا يقدمون عليه إلا مضطرين، ولعل أحدًا ممن لم يجرب الإقامة خارج مصر لا يعرف أصدق نصيحة متبادلة بيننا، باختلاف أماكن وجودنا، وهى «لا تلجأ إلى السفارة والقنصلية إلا مضطرًا».
ولتلك النصيحة، وربما تكون الأصدق فيما يتبادله المصريون من خبرات، جذر عميق فى تجربة الاغتراب لسنا فى وارد الاقتراب منه، لكن الإشارة إليها واجبة لندرك دلالات زحف المصريين فى الخارج إلى السفارات والقنصليات التى يتجاوز معناها الآن، أى فى أيام الانتخابات، كونها جهات تمثيل لوطن، طوابير الانتخابات فى هذه الأيام، كما نعيشها فى الإمارات، ليست كغيرها فى أى وقت أو أى مكان، هنا لا مجال للتأفف، ولو كان تحت شمس لا تحتمل، تمتد العلاقات وتطول الحكايات والآمال مهما طال الطابور أو وقت الانتظار.
رسائل إلى الله والوطن وقيادته كلها دعاء بألا يخيب الرجاء أو يضل السعى فى مواجهة «الأشرار»، هنا الرسائل لا تتوقف عند مرشح لم يعد وجوده مرتبطًا فقط بضرورة فرضتها أحداث سوداء عشناها قبل أربع سنوات، لأن هذا الرجل الآن، وهو رئيس انتهت ولايته الأولى، أصبح، أراد أو لم يرد، عنوانًا لمنعطف تاريخى فى مسيرة مصر يمكن تلخيصه فى كلمتين: استعادة الوطن.
هذا الوطن الذى استعدناه يدرك قيمته أكثر، المصريون المغتربون، ففى قلب حكاياتهم اليومية، أينما كانوا، قصص لأشقاء ضاقت بهم أوطانهم، وبعضها لم يبق منه شىء، وركبوا أهوال البحر والبر بحثًا عن مستقر ولو كان مترًا فى متر. هنا يعيش المصريون فى قلب مآسٍ أبطالها بيننا، لكن لهم بقايا ممزقة فى وطن يقتتل ناسه أو يتصارع فوق ترابه أغراب.
هنا نعرف أشقاء يئسوا من استعادة وطنهم وهمهم الأكبر أن يجدوا بديلًا آمنًا لأطفالهم وأجيالهم المقبلة.
هنا نحمد الله كل صباح على نعمة مصر، حين تنادى نأتيها مهرولين، وكلنا ثقة أنه مهما طال الغياب، فهى المستقر وجنة المأوى.