رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مَنْ أنتم.. مذكر عذراء!

جريدة الدستور

أتذكر وقوفنا أنا وصديقاتي أمام رفوف تلك المكتبة القريبة من مدرستنا في مرحلة الثانوية العامة، وذلك الكتاب الذي طالما تطلعنا لقراءته ولكن لم تجرؤ إحدانا على شرائه، كتاب يحمل عنوان "أسرار البنات" وعلى الرغم من أننا نحمل ذلك التصنيف ومدوَّن في كل أوراقنا الرسمية أننا "بنات" فإننا نجهل تمامًا تلك الأسرار.

أقصى ما كنا نستطيع فعله هو أن تجازف إحدانا أثناء انشغال البائع مع أحد الزبائن لتقرأ علينا بعض عناوين الفهرس فيعصفنا الفضول ولكن يهزمنا الخجل أيضًا ثم نخرج من المكتبة بكل ما أردنا شراءه ما عدا ذلك الكتاب الذي ظل معلقًا على الرفوف لسنوات حتى تغير لون غلافه وتثنت أطراف صفحاته من أثر كل يد حاولت التلصص عما بداخله وتركه مرة أخرى.

ربما هى مشكلة عانت منها فتيات الثمانينيات على الأخص، فتملكتهن الهواجس والأساطير التي تنقلوها بينهن.. فكم من فتاة وهمت الأخرى أن ممارستها ركوب الدراجة أو الرياضة بها خطورة على عذريتها وربما فقدتها وهي لا تدري، هواجس جعلت كل فتاة تهاب تلك الليلة المنتظرة برغم سلوكها المستقيم طوال حياتها، فأصبح بطل المرحلة كتابا آخر عنوانه "أسرار ليلة الدخلة" ولكنه لقى حتفه على نفس الرف بجوار الكتاب الأول.

أسرار.. أسرار!!
لماذا أصبح كل ما يثير فضولنا ويجيب عن تساؤلاتنا وينهي مخاوفنا أسرارا؟
ولماذا يتركنا الجميع حائرات حول تلك الأسرار محاولات استحضار الجرأة لشرائها بالمال؟
أتذكر قصة صديقة قبل زفافها بيوم جلست إليها إحدى قريباتها والتي تطوعت لتخبرها أخيرًا عن أسرار تلك الليلة فلخصت لها كل شيء في جملة واحدة "إعملي نفسك مبسوطة".
وكأن الجميع يتعمد أن تصل الفتاة إلى بيت زوجها وهي جاهلة بكل شيء، حتى يتضح له ذلك جليًا فيطمئن أنها فتاة مهذبة، بل سعيدة به حتى لو بالكذب والادعاء، مجاملة زوجية لطيفة ثمنها سعادة امرأة!!
مجتمع مثير للسخرية والشفقة أيضًا يفوق قدراته أن يعترف بأن الجنس ثقافة.

إن المعلومات الصحيحة المباشرة في السن المناسبة نجاة من هواجس قد تترك آثارًا قبيحة طوال العمر..
فسعادة المرأة حقٌّ كسعادة الرجل.

أنه إن كان خطأ وعارًا على الفتاة أن تتساهل أو تسوقها رغباتها قبل الزواج فهو عارٌ على الفتى أيضًا..
أن حكم الرجل على المرأة المثقفة جنسيًا أنها منحلّة أو مشكوك في أمرها يعادل نفس غباء المرأة التي تجد الرجل المنحل "المقطَّع السمكة وديلها" شابًا مثاليًا وضامنًا للسعادة لأن من هنا جاء الحكم عليكِ..
فهو لم يتثقف إلا بالطريقة المحظورة عليكِ التي سمح له المجتمع بممارستها بكل فخر، فلو وجدكِ  مثله إذًا فقد فعلتِ ما فعل بالتأكيد.

لطالما تركت التفكير في كل سخافات المجتمع وتناقضاته وأثارت غضبي اللغة التي لم أجد فيها يومًا جوابًا لسؤالى المُلِحّ: ما هو مذكر "عذراء"؟