رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سعيد الشحّات: «ذات يوم» يكشف صفحات التاريخ المجهولة.. وهذا رأيي في «زيدان» (حوار)

صوره من الحوار
صوره من الحوار

«لا أخوض ولا ألعب إنّما أبحث عن كلمة صدق، ينتظرها قارئ سمع ولم يرَ فصول التاريخ برواياته المتعددة، وما أتمنّاه هو أن تُصبح تلك الحروف «ذات يوم» شعاعًا للنور ومرصدًا للتنوير».

هكذا قدّم نفسه للقارئ أثناء حديثه، ويضيف سطرًا على ذلك: «أنا أحد المهموين بإعادة اكتشاف صفحات التاريخ المجهولة، أحاول رد الاعتبار للمهمّشين ممَن ظلمتهم رواياته، باعتبار أن مَن أحب وأوفى لا يجوز أن ينسى أو يُنسى».

إنّه سعيد الشحات مدير تحرير اليوم السابع، والذي التقته «الدستور» في حوار صريح جدًا تحدث فيه من القلب عن أحدث مؤلفاته «ذات يوم»، والذي يقدم من خلاله الفصول المنسية من حكاوي التاريخ، وقبل أن تنتهي كلمات الشحات انجرف تيار الحديث بعيدًا عن كتابه؛ ليخوض في سيرة ومستقبل الصحافة الورقية، وغيرها من الموضوعات الشائكة، ودارت عجلة الحوار.
◘ بداية.. أي رحيق إبداعي تولّدت لديك فكرة الغوص في أعماق صفحات كتاب التاريخ والتي تجسّدها بقلمك في باب «ذات يوم»؟

○ فكرة التّصدي للتآريخ والتاريخ في كتابتي أمر تشكّل داخل وجداني منذ نعومة أظافر، وقت أن كنت في المهد صبيًا، حيث كانت تستهويني قراءة كتب التراث ومجلدات التاريخ بصورة كبيرة ومثيرة، وبمرور الوقت تحوّلت تلك العادة إلى عبادة أؤدّي أركانها في صورة كتابات أسطّر حروفها في باب «ذات يوم».

◘ يقول البعض إنّك في «ذات يوم» تمكّنت من تحويل الأرقام إلى كلمات لها مدلول ومعنى.. كيف صنعت تلك الخَلطة الصّحفية؟

○ أوّلًا، عندما بدأت في خوض غمار تجربة كتابة «ذات يوم»، اكتشفت وقتها أن الأمر ليس بالسهولة التي كنت أتصوّرها؛ فكافة الأحداث التي تشتبك معها تجد مريدين معها ومضادين لها بالتالي فالإنحياز إلى أيّ من هذين الفريقين هو إجهاز على حق قارئ ينتظر مقولة صدق من الكاتب، وبالتالي فكل موقف تاريخي يحتاج إلى مراجعة وتثبيت وتحقيق.

ثانيًا، دائمًا ما كنت حريصًا على أن يكون لي أسلوبي الخاص في طريقة تناول تلك الحكايات، حيث كنت أبحث عن التغريد خارج السرب، وكان الملجأ هو صياغة تلك الأحداث بأسلوب أدبي سهل ومبسّط، يجمع ما بين الكتابة الرّوائية والصّحفية، بصورة تجعلك مُسيطرًا على عقل وقلب القُراء.

ثالثًا، أستطيع، الآن، أن أقول إنني نجحت في حل تلك المعادلات، والدليل طريقة تفاعل الجماهير مع باب «ذات يوم»، حيث أصبح هناك صدى كبير لما يتم ذكره، واستقبال طيّب لكل ما يتم كتابته.

◘ لكن حوادث التاريخ كثيرة ومتشعّبة.. فأي مِن زواياه يستهويها قلمك؟

○ تستهويني تلك الزوايا المنسيّة والمجهولة من صفحات التاريخ، فالأحداث الطويلة والوقائع التاريخية الكثيرة، تتوه في زخمها بعضًا من التفاصيل المهمة والدقيقة، لذا دائمًا ما تجدني أبحث عمّا هو مجهول وغير موجود.

قلمي دائمًا ما يحاول الربط بين الموضوعات الكبيرة بجزيئتها الصغيرة لتخرج الموضوعات أشبه بالبنيان المرصوص، تشُد بعضها بعض وتلك الطريقة التي اتّبعها، تُسهّل وتيسّر من وضع الأمور في سياقها الصحيح والملائم، ودائمًا ما تأتي النهاية أشبه بصورة درامية مكتملة الأركان.

◘ يُوصف علم التاريخ بأنه أكذوبة كبرى وأكبر جهاز لتكييف الهوى، فكيف تستطيع المحافظة على الخيط الرفيع الفاصل بين حدّي التهوين والتهويل؟

○ عندما أتصدّى للكتابة في باب «ذات يوم»، فدائمًا ما يكون قلمي حريصًا على الابتعاد عن فخ الكتابة بصورة انطباعية وتلقائية، فأنا أحكي الوقائع مستندًا إلى الواقع التي حدثت فيه وأحاط بها وتلك زواية.

الزواية الأخرى تتمثل في أنني عند تناولي لحدث ما، فهنا لا أخوض ولا ألعب، إنّما أضع الأمور في سياق متكامل، وأترك الحكم للقارئ وحده، حرصًا على المصداقية التي ينشدها.
◘ من أي مَنْبع تستقي منه تلك المعلومات التاريخية الغزيرة والشيّقة؟
○ المنابع التي تُفيض بتلك المعلومات شتي، ومنها؛ المراجع التاريخية والبحوث والدراسات الأكاديمية ومُذكّرات السير الذاتية ومقالات الرأي وغيرها، فمهمتي هنا تتنوع أدواتها وأدوارها، فالبداية تأتي من عند تجميع كل الأراء التي تتشابه في التفاصيل، ثم يأتي الدور لاحقًا على تقييمي لكافة تلك الوقائع، والتي أتعامل مع أحداثها بنظرة واقعية لا يغلفها الهوي.

وأستطيع أن أؤكد لك أنني أثناء اطّلاعي على كافة تلك المواد؛ اكتشفت بنفسي مقدارًا هائلًا من الكوارث؛ فمعظم روايات التاريخ عندنا أحداثها مبتورة، فكل يُغنّي على ليلاه، والأنكى من ذلك والأشد بؤسًا مذكرات السير الذاتية، فمعظم كاتبيها لا يملكون شجاعة الاعتراف بالخطأ أو الخطيئة، وكأنهم قدّيسين لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم.

◘ برأيك هل تتحمّل الدولة الجزء الأكبر من مسئولية الارتباك الحادث بشأن تلك الأحداث التاريخية خاصة أنها ترفض الكشف عن معظم تلك الوثائق التي بحوزتها؟

○ الدولة مطالبة بحل تلك الإشكالية الكبيرة، فالتناول المتشعّب للأحداث التاريخية، والذي يكون في بعض الأحيان ظالمًا سببه عائدًا إلى غياب الرّاوية المنصفة والوثيقة الصحيحة؛ وهى الآن، مطالبة بالكشف عما لديها من أوراق ومستندات.

وأستطيع أن أقول إن هذا الأمر لم يعد لتأخيره معنى، في ظل حالة الثراء التي نمتلكها في تلك المواد التاريخية؛ حيث يمثل ظهورها دحضًا لأقاويل وافتراءات أشخاص وجماعات حاولوا تسويق وتفسير أحداث التاريخ لصالحهم.

◘ وأنت تُقلّب في صفحات التاريخ هناك بعض الأحداث التي تُعد بمثابة حقل ألغام، فهل تضع تحتها خطوط حمراء ولا تقترب من تفاصيلها؟

○ لا توجد خطوط حمراء في طريقة تناول أشخاص أو أحداث تاريخية، فالمساحة واحدة وحرة تمامًا أمام كل الآراء؛ شريطة أن تكون قريبة من العقل ويحكمها المنطق، ومثلما ذكرت لك سابقًا؛ بعضًا من القضايا التاريخية التي أتناولها قد تكون بالفعل أشبه بحقل ألغام؛ لكنني مع ذلك دائمًا ما أضع الآراء التي تؤيّد وتعارض جنبًا إلة جنب، ثم أبدأ بعدها في نقدها وبتجرّد تام.

باختصار الكلمة الأخيرة بخصوص تلك الأحداث دائمًا ما أحتكم فيها إلى عقلي وفطتني لترجيح كفّة إحداها على الأخري.

◘ ترى.. هل يحتاج التاريخ إلى إعادة نظر في فصوله بعد كل هذه السنوات الطويلة؟

○ فصول التاريخ لا تحتاج إعادة نظر؛ لكن المطلوب هو البحث من جديد في سلبيات وإيجابيات جميع هذه الأحداث مجتمعة، نحن، الآن، مطالبون بالبحث عن مواطن الضرر، وإذا ما كنا قد نجحنا في تلاشيها، وكذلك الحال مع نقاط النفع، ومدى النجاح في الاستفادة منها والبناء عليها بحثًا عمّا ينفع الناس.

◘ تقول إن التاريخ ليس بحاجة إلى إعادة نظر، فكيف تُقيّم الدعوات التي يطلقها كاتب مثل يوسف زيدان.. التي اعتاد من خلالها أن يطعن في الثوابت والرموز التاريخية؟

○ منذ أن خرج يوسف زيدان على رؤوس الأشهاد ناشرًا لدعوته، أعلنت رفضي لما يردده ويقوله؛ فالكارثة في الأوقاويل التي يستند إليها أنها دائما ما تحمل وجهة نظرة أحادية مطلقة، تأخذ زاوية واحدة من الكادر، بينما تتجاهل بقية جوانب المشهد بأكمله.

والدليل على ذلك طريقة تناوله للثورة العرابية، تجده استند في مزاعمه على كتاب محدد بينما تجاهل بقية المراجع الأخري كـ«مذكرات عرابي» والتاريخ السري للاحتلال الإنجليزي وكتاب «مصر والمصريون» لمؤلفه سليم النقاش.

يوسف زيدان نجح في جميع أحاديثه في نزع الأحداث من سياقها التاريخي، وتجريد الوقائع من أسبابها، ودعني أسأل كيف له من أن يطبق معايير حقوق الإنسان في وقتنا الحالي على شخصية تاريخية كصلاح الدين الأيوبي، بالرغم من أن لكل عصر ظروفه ومسبباته ومعطياته ونتائجه.
◘ وهل تقف مع الدعوات التي تطالب مجلس النواب بإصدار قانون يُحرّم الإساءة إلى الرموز والثوابت التاريخية؟

○ لسنا بحاجة إلى صياغة قانونية تُجرّم الإساءة إلى الرموز والثوابت التاريخية، نحن، الآن، أحوج إلى مشروع فكري، يمثل نواة لثمرة نقطف من رحيقها فيما بعد طفرة ثقافية وتعليمية.

فعندما يتعرض المجتمع إلى حالة ضعف، فالمؤكد أنه هنا يقف أمام مأزق؛ وبالعودة إلى دروس التاريخ؛ تجد أن النجاة من هذا الخناق والعبور من هذا الخندق يتمثل في الثقافة والتعليم، والعنصران السابقان هما الوثيقة التاريخية والوسيلتين البنائتين اللذان يمثلان طوق النجاة لأي مجتمع يريد الحفاظ على تاريخه من دنس التلويث، ويبحث أيضًا عن طريق آمن نحو مستقبل ينشده.

◘ تُمثل الحقبة الناصرية واحدة من أشد فترات التاريخ المصري إثارة وغموض، فكيف يتناولها قلم سعيد الشحات باعتباره كاتبًا معروف عنه نزعته الناصرية؟

○ لا أقول لك إنني ملك، فأنا في البداية والنهاية إنسان تحكمه بعض من العواطف، وينجاز قلبه وقلمه إلى قضايا بعينها، وبالرغم من نزعتي الناصرية وإيماني اللا محدود بشخص الزعيم جمال عبد الناصر، لكنني دائمًا ما أتعامل بموضوعية وتجرد تام أثناء تناولي لتلك الحقبة، وكتابتي تشهد على ذلك.

وطالما إنك قد أثارت ذلك السؤال؛ فالواجب يُحتّم علىّ هنا أن أسجل شهادتي حول تلك الفترة التي أراها واحدة من أكثر الحقب في تاريخنا المعاصر، التي تعرضت للتشوية من قبل أشخاص وجماعات، لأجل مآرب وأغراض سياسية لا تخفى على أحد.

وأكبر دليل على ذلك يتمثل في اتفاقية حق تقرير المصير التي انفصلت بمقتضاها السودان عن مصر، والتي يكيل بسببها كثيرين الاتهامات إلي النظام الناصري، معتبرين إيّاه قد فرط فيها بأبخس الأثمان، وهي أوقاويل ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ولا تمت للحقيقة بأدنى صِلة.

◘ باعتبار أن قلمك يلامس قضايا التاريخ.. فهل يمتلك سعيد الشحات ثقافة الاعتراف بالخطأ؟

○ بالطبع، أمتلك شجاعة الاعتراف بالخطأ، فالقضايا التاريخية التي يتعرض لها قلمي قد تطولها أحيانًا بعض الأخطاء، باعتبار أن التاريخ في الأساس هو لغة الأرقام، وهي لغة خادعة في بعض الأحيان.

وحدث ذات يوم أنني قمت بذكر تاريخ حدوث أحد الوقائع التاريخية، لكنني بعد فترة اكتشفت بأن الأمر قد حدث فيه التباس ما؛ وعندها لم تأخذني العزة بالكبر، وسرعان ما قمت بتصويب ذلك الخطأ.
◘ قبل أن ننهي الحديث في حكاوي «ذات يوم».. أي مناطق التاريخ ما زال يحلم قلمك بملامستها؟

○ لا توجد منطقة أو قضية تاريخية أحلم بملامستها؛ لكنني ما زال يراودني الأمل الأكبر في تخليد سير كل الشهداء الذين طالتهم نار التهميش، والذي يغفل عن معرفة بطولتهم وأمجادهم كثيرين، إضافة إلى ذلك؛ فإنني مازالت راغبًا في إبراز المعارك التي خاضها المفكّرين العظام، لأجل أن تكون الغلبة لشعاع النور وأفكار التنوير.

◘ نعود إلى نقطة الأصل التي انطلق منها قلمك.. كيف ترى مستقبل الصحافة الورقية في الفترة المقبلة؟

○ الصحافة الورقية تعيش تحدي وجودي كبير، هذا التحدي خلقته مجموعة من العوامل ترتبط بظروف اجتماعية وثقافية واقتصادية، شكّلت جميعها وسائل ضغط قوية تنهش في لحم صاحبة الجلالة.

والآن؛ نحن مطالبون بتغيير النظرة إلى الصحافة الورقية، نحن مطالبون بالتعامل معها كصناعة لا بدّ وأن تتميز بكفاءة المنتج لأجل تحقيق أرباح، بجانب كل هذا لا بدّ من وجود مناخ حريات، يسمح لها بالنهوض؛ باعتبارها في الأساس مهنة حريات.

◘ لماذا تراجعت الصحافة الحزبية بتلك الصورة خاصة وأنك أحد الفاعلين في تجربة «العربي الناصري» والتي كنت شاهدًا عليها؟

○أولًا، بالنسبة لفترة صحيفة «العربي الناصري» هذه تجربة صحفية تاريخية بنت جيلها حيث ظهرت في وقت كانت الشارع السياسي، يشهد حراك سياسي قوي ومؤثر، وهو ما كان له عظيم الأثر في توهّجها وتألقها، فهذه التجربة لم تضع حدًا ولا سقفًا لحجم المخاطر التي كانت تحيط به واستطاعت أن تقدم رسالة وطنية ضد نظام مبارك، بفضل الكوادر الهائلة والملهمة التي عملت في تلك الفترة داخل جدران صحيفة العربي.

ثانيًا، التراجع الحالي في الصحافة الحزبية انعكاس طبيعي للأوضاع الحزبية السائدة، إضافة إلى كون ما تقدمه تلك الصحف يحتاج إلى إعادة نظر على مستوى الخطاب السياسي والمهني؛ عدا ذلك ستبقى الأمور على حالها دون أي تغيير.

◘ برأيك.. هل تعتقد أن الصحافة المصرية قادرة على أن تقدم وجوهًا جديدة كأجيال العمالقة محمد التابعي وهيكل وأحمد بهاء الدين والأخوين مصطفى وعلي أمين وغيرهم؟

○ الصحافة لا تخلو دائمًا وأبدًا من المواهب، لكن كل زمن دائمًا ما يعبر عن مواهبه، والتعويل على تكرار تلك المواهب أمر غير منطقي؛ فكل جيل له ظروفه الخاصة.

النقطة الثانية، في الماضي كانت الصحافة هي رأس الحربة والعامل الأكبر المؤثر في صناعة المواهب؛ لكن، الآن، تشعبت وسائل الإعلام؛ وأصبح لدينا تليفزيون وراديو بجانب وسائل التواصل، وأصبحت لكل وسيلة منها نجمها الخاص.

◘ أخيرًا.. بعد تلك الرحلة الثرية الممتدة داخل بلاط صاحبة الجلالة هل حققت كل ما كان تصبو إليه؟

○ على المستوى الصحفي أنا راضٍ تمامًا بكل ما قدمته، لكن لا أنكر أنني كنت من الحالمين بإثراء المكتبة العربية بالمزيد من الكتب والمؤلفات بعد 4 أعمال مختلفة قدمتها لم ترو ظمأي المتشوّق والمتلهف للكثير من تلك الأعمال، فعلى الرغم من ذلك، سيبقى الأمل قائمًا إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا فالإبداع عشق لا يسقط بالتقادم (!)