رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ربنا» ليس كلام الخطباء


إن القيم الأخلاقية النبيلة، مثل الصدق، والأمانة، يجب أن نسلكها، «حبًا» فيها. وليس «خوفًا»، من العقاب الإلهى، أو ما يعرف بالوازع، أو الرادع الدينى.. إنها حقًا ملاحظة جديرة بالتوقف. إننا بلد متخم بالمواعظ الدينية، والفتاوى الدينية، والبرامج الدينية، واللغة الدينية. وخطب كل يوم جمعة فى الجوامع، والمساجد التى تستخدم الميكروفونات العالية، كلها وازعات، ورادعات دينية، وحض على الأخلاق الدينية، والسلوكيات الدينية. ومع ذلك نحن نشهد تدهورًا فى الأخلاق المستقيمة، وانحدارًا فى غياب الضمائر الحية فى كل مجال.
ودائمًا ما تساءلت، وما زلت أتساءل: لماذا فشل الخطاب الدينى، فى تحسين الأخلاق، والإقلال من الفساد، ومعدلات الجريمة، وإيقاظ الضمائر النائمة، وتنظيف النفوس العفنة، والذمم الخربة؟.
أنا الآن أكتب هذا المقال، فى وقت صلاة الجمعة، ويأتينى صوت خطيب المسجد المواجه لبيتى، مرتفعًا جدًا بالميكروفون، رغم أننى أضع سدادات أذن مستوردة تكلفنى الكثير أسبوعيًا.. أسمع خطيب الجامع يرهب الناس من عقاب الله، إذا ارتكبوا المعاصى، والرذائل، وابتعدوا عن الصراط المستقيم.
لكن تبقى الحقيقة أو المفارقة. أنه مع كثرة التحذير من عقاب الله، أخلاق الناس، وضمائرهم، تزداد سوءًا.
وأعتقد أن السبب، هو أن الخطاب الدينى، يقوم على «التخويف»، من سُلطة «خارج» الإنسان، تتربص به. إن «الصدق»، أو «الأمانة»، فضيلة، لأننا «نختارها» بكامل وعينا، ومبادئنا، وحريتنا. الصدق الذى «نُجبر» عليه كذب. والأمانة التى «تفرض بالإكراه» باطلة، والإنسان، الذى تُفرض عليه الفضيلة، يصبح عنيفًا، ومتناقضًا.
هناك الملايين فى العالم، الذين «لا دين لهم»، سماويًا، أو أرضيًا، مثل الصين، لكنهم يتحلّون بمكارم الأخلاق، بوازع من ضميرهم الإنسانى الحر، وليس بسبب جهر الميكروفونات بالتخويف المستمر من عقاب الله. «ربنا»، ليس كلام الخطباء فى الميكروفونات الصاخبة، الذى يخيفنا من سلطة السماء. لكنه الاقتناع الهادئ، بأن استقامة الأخلاق هى الطريق المختصر، للسلام، والأمن، والسعادة.
هل نتصور أن «ربنا»، يسعده أن الإنسان يمتنع عن الشرور، والرذائل، والفساد، والجشع، وإيذاء الآخرين، لأنه يخاف العقاب، ويريد ركنًا فى الجنة؟ أم يسعد بالإنسان الذى يؤمن بأن أخلاق الخير، هى ما يجب أن يتبعه، حبًا فى الخير، ورغبة داخلية أصيلة، لاحترام إنسانيته، وإنسانية الآخرين؟.
من بستان قصائدى
بعد أن قرأ تقرير الأشعة.. قال لى الطبيب:
«التهاب مزمن فى المرارة.. ولا بد من استئصالها...
ابتسمت وهمست بينى وبين نفسى: «وماذا عن مرارة الروح.. ومرارة الفقد..
ومرارة الذكريات.. ومرارة الحنين.. ومرارة الزمن.. ومرارة فنجان القهوة؟».