رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل أصبحت عودة وزارة الإعلام ضرورة مُلحة؟


هناك ثلاث حقائق لا تخطئها العين.. الأولى أننا نعيش ونواجه حروب الجيل الرابع، التى تعتمد أساسًا على الإعلام والحروب الكلامية وإطلاق قذائف الأكاذيب والشائعات وهى أخطر كثيرًا من القنابل التقليدية، وثانيتها أن هناك حفلة إعلامية «غير نظيفة» تُدار على مصر يوميا من خلال أكثر من قناة تليفزيونية ووكالة أنباء كبرى وصغرى ومتوسطة.. وهذه الحفلة مهمتها بث الشائعات وشق الصفوف وهز ثقة المصريين فى كل خطوة من الخطوات الكبرى التى اتخذتها مصر فى السنوات الأربع الأخيرة.
أما الحقيقة الثالثة المؤسفة فهى أننا نمتلك منظومة إعلامية ضخمة لا عقل يخطط لها، ولا بوصلة تحدد توجهاتها، ولذلك فهى تفشل فى الجولات الأولى دائمًا من المعارك الإعلامية التى توجه إلينا.. بداية من معركة توسعة قناة السويس والتسليح وشراء الرافال، وانتهاء باتفاقية شراء الغاز الإسرائيلى.. مرورًا بمعارك سد النهضة وتيران وصنافير ومعركة الانتخابات الرئاسية.
لهذا نقول دائمًا إنه لو كان لدينا إعلام واعٍ يعكس حقيقة ما يدور فى مصر، لرجل الشارع العادى من ناحية وللعالم بأسره من ناحية أخرى، لضمنّا خطوات أكثر صلابة فى هذه المعركة الوجودية التى تخوضها مصر بقيادة رئيس تسابق خطواته أحلامه وآماله.
■ علينا أن نواجه أنفسنا بحقيقة مرة وهى أن إعلامًا بلا ربان يقوده، ولا بوصلة توجهه هو أشبه بسفينة لديها جسم قوى ومحركات جبارة، لكنها معرضة للغرق فى أى لحظة ولأتفه الأسباب.
■ إعلام بلا ربان لن يستطيع أن يكبح برامج التوك شو من أن تشعل الفتن وتهيل التراب على وجه المجتمع بحثًا عن موضوعات ساخنة وفضائح تجذب المشاهدين، وبالتالى تضمن استمرار المعلنين والرعاة لهذه البرامج، المهم الأرباح حتى لو قامت مذيعة بتشويه صورة الناس فى حمام شعبى وتصويرهم بالشواذ فينتحر أحدهم نتيجة الضغوط العصبية، التى تعرض لها، وبعدها تثبت المحكمة براءة أصحاب الحمام، وحتى لو اتهمت نفس المذيعة الشعب كله بأن كل فرد فيه كان ضحية للاغتصاب (!!)، ليس مهمًا أن يتم تناقل هذه الفضائح وإعادة نشرها بواسطة الإعلام المعادى، فالمهم- عندهم- نسبة المشاهدة، حتى لو قامت مذيعة بإغلاق سماعة الهاتف فى وجه سفير دولة لنا معها مشكلة مصيرية حول مياه النيل، وحتى لو اضطرت أخرى للدفع لعصابة لخطف الأطفال لتصوير لقطات تدر إعلانات بعشرات الملايين.
■ عندما يكون الإعلام بلا ربان فإنه يترك مذيعة تصرخ فى وجه الحكومة بالصوت الحيانى إذا اقتربت من رجال الأعمال، وتصور للناس أن السماح باستيراد الدجاج المجمد هو قتل للصناعة الوطنية، لكنها تتغاضى عن إصرار أصحاب مزارع الدواجن على قتل الناس جوعًا بسبب غلاء منتجاتهم بصورة مبالغ فيها، تصرخ لأن الدولة رفعت أسعار الفائدة فى البنوك، ونجحت فى جلب تحويلات من المصريين بالخارج تناهز الثلاثين مليار دولار فى سنة، وخفضت معدل التضخم بمقدار عشرة بالمائة فى سنة، لكنها لا ترى إلا معاناة رجال الأعمال لأن ذلك سوف يؤثر على فوائد قروضهم.
■ عندما يكون الإعلام بلا ربان أو بوصلة فإنه يسمح لمذيعة بأن تسىء لبلد عربى خلال زيارة رئيس الدولة إليه، وما المانع فقد تركوها من قبل تسىء أشد الإساءة لدولة عربية أخرى لطالما وقفت بجانب مصر؟!، ويسمح لمذيع شهير بتخصيص حلقة كاملة عن شائعة مغرضة أطلقتها وكالة رويترز عن أن القاهرة أخطر العواصم على النساء، ويخصص فقرة فى برنامجه لعدة أيام لتبييض صورة هشام جنينة.
وبعيدًا عن الإعلام المرئى فقد يصاب القارئ بحالة من الهوس، وهو يطالع مواقع صحف قومية كبرى أو بواباتها الإلكترونية، ويرى أخبارًا أقرب إلى الفضائح وتقارير لا تجرؤ عليها المواقع الإخوانية، وعناوين لا تعكس المضمون وتعرف أن السبب هو البحث عن الـ«ترافك» من أجل الإعلانات والأرباح أيضًا.
وفى غياب الربان ترى غيابًا كاملًا لعشرات القنوات التليفزيونية والإذاعية الحكومية عن الصورة، بل إن بعضها يبدو، وكأنه يتحدث إلى شعب آخر.
عندما نستعرض هذه الصورة لا بد أن يخطر على بالنا سؤال حيوى.. بل لا أبالغ إذا قلت إنه سؤال تاريخى.. وهو: هل كان من قبيل المصادفة أن نتقبل فكرة إلغاء وزارة الإعلام، فى وقت تتعرض فيه مصر لحرب إعلامية ضروس، كانت أحد أسباب ٢٥ يناير، وهل كان من الحكمة أن ننفذ الفكرة ونلغى أكبر وأقدم وزارة للإعلام فى العالم العربى فى هذا الوقت؟ وهل حسبنا كيف يمكن أن نواجه هذه الحروب الكلامية التى يتم التخطيط لها بدقة، ويتم تنفيذها بكل دهاء، فى حالة غياب عقل يوجه الإعلام أحيانًا ويسانده أحيانًا أخرى، ويضع حدًا لشططه فى الوقت الذى يتطلب الأمر ذلك؟!.
هل كان علينا أن نوافق أصحاب الدعاوى التى تقول إن وجود وزارة الإعلام أمر لا يجب أن يحدث إلا فى زمن الحرب فقط؟ وأن استمرار هذه الوزارة هو ضد الديمقراطية وحرية التعبير؟، ولماذا لم نواجههم بأن بريطانيا وهى أم الديمقراطية بها وزير مسئول عن شئون الثقافة والرياضة والإعلام.. حتى اليوم وحتى هذه الدقيقة؟!.
مع كل الاحترام للدستور الذى ألغى وجود وزارة للإعلام فى مصر، مستبدلًا إياها بالهيئة الوطنية للإعلام علينا أن نقف ونسأل أنفسنا: هل كان إلغاء أقدم وزارة للإعلام فى العالم العربى خطوة لصالح مصر؟ وهل تستطيع الهيئة الوطنية للإعلام، مع كل الاحترام لها ولأعضائها الذين يتمتعون بتاريخ مهنى حافل، ولا يشكك أحد فى وطنيتهم- القيام بنفس مهام الوزارة؟.
وقبل أن يتسرع أحد فى الإجابة، أود أن أذكر أنه إذا قررت دولة أو عدة دول أن تشن عليك حربًا تقليدية، فسوف تسعى لحرمانك من امتلاك أسلحة الردع، لتضمن إصابتك بهزيمة منكرة، أما إذا قررت هذه الدول أن تشن عليك حربًا من حروب الجيل الرابع، التى تطلق فيها قذائف الشائعات والأكاذيب لتحطيم الروح المعنوية لشعبك وشق صفوفه ودفعه لتدمير نفسه بنفسه، فلا بد أن تحرص هذه الدول على حرمانك من امتلاك إعلام قادر على توجيه الناس وقيادة الرأى العام، لتحصل على نفس النتيجة: هزيمة منكرة وتدمير ذاتى لبلدك.
أعتقد أننا بحاجة ليس فقط لإعادة وزارة الإعلام، بل لإنشاء «قيادة» أو غرفة عمليات دائمة، لأننا فى حالة حرب تشن علينا من منصات إعلامية تنفق عليها المليارات، وتدار بواسطة دول عدة، وكلها تستهدف أمن واستقرار مصر.