رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. شملان يوسف العيسى يكتب: ماكرون وملف الإسلام فى فرنسا

شملان يوسف العيسى
شملان يوسف العيسى

أكد الرئيس الفرنسى، فى أول اجتماع لمجلس الوزراء، فى بداية العام الحالى، أنه يعلن إرادته الدافعة باتجاه تنفيذ الإصلاحات التى وعد بها الشعب الفرنسى فى حملته الانتخابية، ومنها التعاطى مع ملف الإسلام فى فرنسا، الذى يريد، كمن سبقه من المسئولين، أن يحوله إلى إسلام فرنسا أو الإسلام الفرنسى، وهو بصدد وضع علامات للعملية الإصلاحية العميقة التى ينوى القيام بها فى القسم الأول من عام ٢٠١٨.
ما تريده الدولة الفرنسية هو بروز «محاور» جدى يتمتع بالصدقية، ليكون الجهة التى تتعامل معها الدولة، وتكون شبيهة مثلًا بالمجلس التمثيلى للديانة اليهودية فى فرنسا، فالإسلام الغنى بنحو ٦ ملايين شخص يشكل الديانة الثانية فى فرنسا بعد الكاثوليكية، لكن مشكلاته والصعوبات التى يعانى منها كثيرة، ولا تنحصر فقط بغياب التمثيل الحقيقى، أو الحاجة إلى أئمة وعلماء يتم استجلابهم من الدول العربية أو تركيا، بل هناك حاجة أساسية ورغبة من الدولة الفرنسية فى أن يكون للإسلام فى فرنسا مرجعيات تحاجج وتحارب الفكر المتطرف والنزعات الجهادية (راجع جريدة «الشرق الأوسط»، الثلاثاء ١٣ - ٢ - ٢٠١٨).
ما دفع الرئيس الفرنسى إلى إطلاق إصلاحاته هو شعوره بوجود انشقاق بين الجاليات المسلمة فى فرنسا، حيث يرى البعض منهم أنه على المسلمين هناك أن ينظروا إلى فرنسا كدولة توفر لهم الأمن والاستقرار والعلم والعمل وحرية العقيدة وممارسة الحرية الثقافية وغيرها.. على المسلمين فى فرنسا أن يدافعوا ويحموا وطنهم الجديد من منطلق وطنى فرنسى ضد التطرف الدينى و«الجهادية الإسلامية».
ما تسعى إليه الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، هو إبعاد جماعات الإسلام السياسى الأوروبية التى توجد بين الأقليات المسلمة عن القيام بأى نشاطات إرهابية ضد بلدانهم الجديدة فى أوروبا، أو بلدانهم القديمة فى الشرق العربى.
على المسلمين الفرنسيين أن يعوا أن بقاءهم واستقرارهم وأمنهم مرهون بالوقوف مع القوى الديمقراطية الفرنسية، والأحزاب والحركات العلمانية - الليبرالية، التى تقف اليوم بقوة فى وجه المد الأصولى اليمينى، الذى يمثل اليمين المتطرف الذى يكره المهاجرين الجدد لأوروبا، ويعمل على طردهم.
هل مطالب الرئيس الفرنسى واقعية؟ وهل يمكن تحقيقها فى بلده؟ ما يطرحه الرئيس ماكرون هو بكل بساطة أن يتعايش ويتوافق مسلمو فرنسا بين الإيمان والعقل.. فمعركة فرنسا الحقيقية هى الفصل بين المجتمع المدنى والمجتمع الدينى، وما يحاول الرئيس عمله هو حث مسلمى فرنسا على إعادة صياغة واعية للدين فى فضاء معلن.
هل هنالك أى احتمالات لنجاح الإسلام السياسى فى فرنسا؟ من الصعب جدًا نجاح جماعات الإسلام السياسى، لأن هؤلاء يحاولون منافسة العلمنة فى بلدها فرنسا.. بدعوتهم إلى وحدة المسلمين، والتركيز على السلبيات الموجودة فى المجتمع الفرنسى، مثل البطالة والعزلة الاجتماعية وصعوبة الانصهار، لكن كل هذه الأمور تتغير بانصهار المسلمين وتعليمهم.
ما يجعل مهمة الرئيس الفرنسى صعبة هو محاولته التوفيق بين «الأصولية الإسلامية» الموجودة فى فرنسا والتوافقية الفرنسية، فالأصوليون يدعون للقطيعة الثقافية والانفصال عن المجتمع الكبير، فهم يرون ألا نتقاسم إلا فى الإيمان. أما التوافقيون، فهم يرون أن المؤمن يمكن أن يتقاسم ثقافة وقيمًا مشتركة مع غير المؤمن.
إن مجتمع المعرفة الذى نعيش فيه اليوم هو مجتمع معرفة منزوعة الثقافة، مختزلة فى إعلام متداول، ثم إن استغلال الدين وانفصال المعالم الثقافية والدينية على تناغم مع ما يحدث اليوم، وهو حداثة الدينى.
إن مصير الإسلام فى فرنسا ليس همًا إسلاميًا، وإنما هو موضوع فكرى واستراتيجى، بحكم أنه يطرح كقضية استراتيجية تشكل الجالية المسلمة رهانها. الإسلام اليوم يعيش تحولات لم يعهدها من قبل إنهاء أوضاع عكستها حركات التجديد أو التحديث الدينى، فدعوة الرئيس الفرنسى فرصة لمسلمى فرنسا تمكنهم من تنمية ملكاتهم، وتطوير مقدرات إبداعهم، وتسهل لهم فرصة الاندماج العملى فى مجتمعات الحداثة.