رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أُولُو الْأَلْبَابِ «1-2»


من الصفات الجميلة - كما يقول كثيرٌ من العلماء- التى أثنى بها الله تعالى على بعض عباده، وَصْفهم بأنهم أولو الألباب. فقد تكرر الوصف والثناء على أهل هذه الصفة فى بضعة عشر موضعًا من القرآن الكريم، وصفهم الله بأنهم أُولُو الْأَلْبَابِ، قال الله تعالى ﴿أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ سورة الرعد، وقوله تعالى ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ «سورة البقرة»، وقوله تعالى ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾، «آل عمران»، وغيرها من الآيات الكريمة.. السؤال هنا أيها القارئ الكريم: من هم أُولُو الْأَلْبَابِ وما هى مواصفاتهم؟.

أيها القارئ الكريم، أولًا على الإنسان أن يتتبع الأوصاف، التى مدح الله بها عباده، فإنَّ الله جل وعلا قد مدح عباده فى القرآن الكريم ممن اتصفوا بالصفات الكريمة، والخصال الشريفة، التى تدل على إيمانهم، وعلى سلامة منهجهم، ووعدهم الله جل وعلا بحسن العاقبة فى الآخرة والأولى، فحرىٌّ بالمؤمن أن يتتبع هذه الصفات حتى يتخلَّق بها ويكون من أهلها.. ومعنى الألباب، كما يقول العلماء: جمع لُب، واللب هو العقل، وأولو الألباب هم الذين امتلكوا العقول الصحيحة، التى يستدلون بها على الخير، فيتبعونه، ويعرفون بها الشر فيجتنبونه.

وقد أورد الله تعالى ووضح فى القرآن الكريم فى آياته المباركة كثيرًا من صفات أولى الألباب وهى: قال تعالى ﴿إنَّ فى خلق السَّموات والأرض واختلاف الليل والنَّهار لآيات لأولى الألباب* الذين يذكرون اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم ويتفكَّرون فى خلق السَّموات والأرض ربَّنا ما خلقت هذا باطلًا سبحانك فقنا عذاب النَّار* ربَّنا إنَّك من تُدخل النَّار فقد أخزيته وما للظَّالمين من أنصار* ربَّنا إنَّنا سمعنا مناديًا ينادى للإيمان أن آمنوا بربِّكم فآمنا ربَّنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفِّر عنَّا سيئاتنا وتوفَّنا مع الأبرار* ربَّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنَّك لا تخلف الميعاد﴾.. سورة آل عمران.
ونذكر هنا بعض صفات أولى الألباب وهى: أولا، الذكر، فإنهم دائمًا يذكرون الله سبحانه وتعالى فى كل وقت وحين، قال تعالى ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾. ولذكر الله سبحانه وتعالى فوائد كثيرة منها اطمئنان القلوب.
ثانيا: التفكر فى خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار وكل ما فى الكون، قال تعالى ﴿إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِى تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
ثالثا: الوفاء بالعهد، يوفون بعهد الله، وعهد الله هو طاعته وتجنب معصيته، لا ينقضون الميثاق، وموثق الله هو ما أخذه على جميع البشر أن يعبدوه ويوحدوه، قال تعالى ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾. وإن لصفة الوفاء بالعهد والالتزام به من الأهمية بحيث إن الله سبحانه وتعالى جعلها من ضمن صفات المؤمنين، قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾.
رابعًا: صلة الأرحام، يصلون ما أمر الله به أن يوصل من صلة رحم، وصلة الأرحام مهمة جدًا، قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾.
خامسًا: التقوى من صفات ذوى العقول الراجحة والصائبة، وقد وصف الله عز وجل المتقين بهذه الصفات فى قوله تعالى ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
سادسًا: العلم، يقول تعالى ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
سابعًا: الحكمة، وذلك من قوله تعالى ﴿يُؤْتِى الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.
ثامنًا: الصبر، وقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾، ومما يؤكد أهمية الصبر ما نجده فى قوله تعالى ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
تاسعًا: إقامة الصلاة وإتاء الزكاة، قوله تعالى ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾.
عاشرًا: الإنفاق فى السراء والضراء، قوله تعالى ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.. وإذا أمعنا النظر فى هذه الصفات العشر نجدها قد شملت معنى الإسلام والإيمان والإحسان، يقول تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾. وللحديث صلة. وبالله التوفيق.