رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ناقل «الكُفر».. ضحية جنينة!


قال العرب إن «ناقل الكُفْر ليس بكافر». ويقول المنطق إن طبيعة عمل الصحفي تفرض عليه أن ينقل ما يرِد على ألسنة الآخرين، وبالتالي لا يمكن مساءلته. لكن في القانون، قانون العقوبات المصري، يشترك الصحفي في المسئولية عمّا ينقله، لأن الجريمة لا تتحقق إلا بالنشر. ويتحمل «ناقل الكفر» المسئولية، كاملة ومنفردًا، لو تنصل المنقول عنه، مما نسبه الناقل إليه. وهذا هو ما حدث مع معتز شمس الدين ودنان.

ودنان، هو ذلك الصحفي الذي أمرت نيابة أمن الدولة العليا بحبسه ١٥ يومًا على ذمة التحقيقات في الاتهامات الموجهة إليه على خلفية الحوار الذي أجراه مع هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات. وكان «المذكور»، قد أجرى حوارًا مع «جنينة» نشرته النسخة الإخوانية من موقع «هافينجتون بوست»، في ١١ فبراير الماضي، زعم فيه أن الفريق مُستدعى سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، لديه وثائق سرية تدين عددًا من قيادات الدولة المصرية تخص الفترة، التي تلت ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١. وطبقًا لما زعمه جنينة، فإن هذه التسجيلات موجودة خارج مصر، وسيتم الكشف عنها وإذاعتها، لو تعرض «عنان» لأي مكروه.

ردًا على تلك «الهلاوس»، أصدر المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة بيانًا، أعلن فيه أن ما صرح به المدعو هشام جنينة، بجانب ما يشكله من جرائم، فإنه «يستهدف إثارة الشكوك حول الدولة ومؤسساتها، في الوقت الذي تخوض فيه القوات المسلحة معركة الوطن في سيناء لاجتثاث جذور الإرهاب». وأن القوات المسلحة «ستستخدم كل الحقوق التي كفلها لها الدستور والقانون في حماية الأمن القومي، والمحافظة على شرفها وعزتها، وأنها ستحيل الأمر إلى جهات التحقيق المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية». وبإحالة «جنينة» إلى النيابة العسكرية، قررت حبسه على ذمة التحقيقات.

بعد حبس «جنينة»، تم إلقاء القبض على «ودنان». ومن عزت غنيم، محامي الأخير، عرفنا أن النيابة وجهت له اتهامات بنشر أخبار كاذبة، والتحريض ضد الدولة والانضمام إلى جماعة إرهابية تم تأسيسها على خلاف أحكام القانون والدستور لتعطيل مؤسسات الدولة ومنعها من ممارسة عملها. وما يوصف بـ«المرصد العربي لحرية الإعلام» أعلن في ١٧ فبراير الجاري تضامنه الكامل مع معتز ودنان، معربًا عن مخاوفه من الزج بـ«ودنان» في قضية ومساومات سياسية لا علاقة له بها، واتخاذه كبش فداء لتسوية تلك الأزمة، عبر تحميله مسئولية جنائية لا علاقة له بها. وأكد المرصد أن ودنان مارس عمله المهني بشكل صحيح لا يخالف القانون.

على الخط، دخل آخرون، بينهم أعضاء في مجلس نقابة الصحفيين، وكلهم تجاهلوا أو تعاموا عن أن «جنينة» وهيئة دفاعه، يتحملون النصيب الأكبر عما تعرض له «ودنان». إذ زعم حسام لطفي، محامي جنينة، في مداخلة مع برنامج «كل يوم»، مساء الثلاثاء ٢٠ فبراير، أن الصحفي، قام بـ«تصوير موكله دون إذن». وشدّد على اتهامه بـ«عدم الأمانة»، لأنه قام بتصوير موكله، في الوقت الذي سجلت درجة حرارته ارتفاعًا بلغ ٣٩ درجة مئوية. وأشار إلى أن موكله «لم يعلم بأمر التصوير أو التسجيل»، وأن الحوار استغرق ٣ ساعات، تعمّد الصحفي اجتزاء تصريحات منها، ونزعها من سياقها.

أيضًا، جاء في بيان «هيئة الدفاع» عن هشام جنينة، أن التسجيل أجراه، وأتاحه للجمهور، «أحد زواره وهو طريح الفراش يعاني من كسر في محجر العين وكسر مضاعف في الساق، وقد كان واضحًا لكل من شاهد الحديث بعد بثه ما يعانيه من ألم وانهيار في الحالة الصحية العامة من جراء صدمة التعدي عليه، وما كتبه له الأطباء من مسكنات ومهدئات ذات آثار سلبية يقينية على الوعي والإدراك الكاملين». وأن «تصوير هشام جنينة في سرير المرض خلسة بكاميرا جهاز هاتف محمول ناطق بوضعه الصحي، وهو ما يجعل مما سجل له، وما يدلي به من أقوال في تحقيقات النيابة العسكرية لا يعبر عن إرادته الواعية».

ليست تلك هي المرة الأولى التي يحاول فيها هشام جنينة التنصل من تصريحات أدلى بها، وقيامه بـ«رمي بلاه» على صحفيين. فعلها قبل ذلك حين ادّعى أن «تكلفة الفساد في مصر ٦٠٠ مليار جنيه خلال عام ٢٠١٥». ومع أنه تاجر وآخرين (وما زالوا) بهذا التصريح، إلا أنه لم يجد حرجًا في نفيه، ولم يتردد في اتهام الصحفية التي نقلت والجريدة التي نشرت، باختلاقه. وقال أمام المستشار خالد ضياء، المحامي العام لنيابة أمن الدولة العليا: «محصلش الكلام ده»، وأكد أن «ما نشرته الجريدة غير صحيح».

لم يكتفِ «جنينة» بذلك، بل أقام دعوى قضائية ضد الصحفية (رانيا سيد محمد عامر) ورئيس تحرير جريدتها، «اليوم السابع»، اتهمهما فيها بنشر أخبار كاذبة من شأنها الإساءة إلى الجهاز المركزي للمحاسبات ورئيسه. غير أن محكمة جنايات الجيزة قضت، في ٨ مارس ٢٠١٧، ببراءة الزميلة ورئيس تحريرها، وكان المعنى المباشر لهذا الحكم، مع حكم آخر، هو أن الأستاذ المستشار كذب مرتين: كذب حين قال، وكذب حين ادعى أنه لم يقل. وكان الحكم الآخر، هو ذلك الذي أدانته فيه محكمة جنح مستأنف القاهرة الجديدة، وقضت بحبسه سنة مع إيقاف التنفيذ، وبغرامة قدرها ٢٠ ألف جنيه.

الخلاصة، هي أن ذنب «ناقل الكفر»، في رقبة قائله، «قائل الكفر»، الذي اعتاد التنصل من تصريحاته، إما بادعائه أنه لم يقل، أو بتشكيك فريق دفاعه في قواه العقلية!