رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جحيم أردوغان.. شهادات من قلب «عفرين»عن جرائم المخبول التركي

 أردوغان
أردوغان

لا يوجد ما يدفع أى إنسان لهجر بيته سوى الفرار خوفًا من الموت، ولعل ذلك ما يعيشه بوضوح أهالى مدينة «عفرين»، الواقعة شمالى سوريا، منذ بدء تعرضها لهجوم تركى غاشم، فى يناير الماضى، ظاهرة مواجهة مقاتلين أكراد، وباطنه قتل وتهجير واستهداف المدنيين، ومنذ اتخاذ تركيا قرارها بشن هجوم عسكرى على المدينة، يستيقظ أهلها على وقع زخات الرصاص وطلقات المدافع، التى يتم إطلاقها من نظام طالما تغنى بحماية واحترام حقوق الإنسان، واعتبر كثيرون من «المغيبين» رجب طيب أردوغان بمثابة «خليفة»، دون أن يعوا أنه خليفة أجداده العثمانيين فى القتل والتدمير والمذابح. وبعد مرور شهر على الحملة التركية ضد «عفرين»، اقتربت «الدستور» من المدنيين هناك، واستمعت لروايات حية تكشف الصورة الحقيقية للأوضاع، وما يتعرضون له من هجمات، تجسد بصدق مقولة: «إذا أردت أن تعرف معنى الديمقراطية فى تركيا.. فكن كرديًا لنصف ساعة».

ناجون من العدوان: مبتورو السيقان والأيادى فى كل مكان
«أصبحت رؤيتك لشخص قُطعت يداه أو رجلاه أمرًا طبيعيًا، وفى كل مكان بالمنطقة».. بهذه الكلمات بدأت «نوجين عثمان»، مُعلمة فى إحدى مدارس منطقة «رجو»، حديثها، كاشفة عن حجم المعاناة التى يتعرض لها الأهالى والمدنيون جراء الاعتداء التركى. وأضافت «نوجين»: «القصف أوقف عملنا، واضطرنا للرحيل عن بيوتنا وأعمالنا، ولذلك أتينا من رجو إلى عفرين، وبعد ذلك نظمنا أنفسنا ضمن نطاق التربية والتعليم، واتفقنا على العودة مرة أخرى إلى رجو، حتى نقف بجانب رفقاتنا بالجبهة، لمساعدتهم غذائيًا وطبيًا».
وتابعت: «فى طريقنا للعودة قبل أن ندخل ناحية رجو، وجدنا سيارة متوقفة فى الطريق، وبها جرحى يطلبون الإغاثة، وبعد اقترابنا منهم وجدنا أنهم شاب وأبوه الذى تخطى الخمسين عامًا، ومعهم امرأة مازالت فى ريعان شبابها، ووجوههم جميعًا مُلطخة بالدماء، حاولنا إنقاذهم، وفى طريقنا للمشفى حكوا لنا أنهم كانوا يحاولون جمع احتياجاتهم قبل الفرار من منزلهم، بعد القصف الشديد الذى تشنه الطائرات التركية، التى تتبعتهم وأصابتهم».
وبدا على «نوجين» التأثر، حين أكملت حكاية هذه الأسرة المنكوبة، بعدما شاهدت بعينيها ما حدث لهم فى المستشفى، وتداعيات الإصابات التى تعرضوا لها نتيجة القصف الشديد لمنزلهم، وقالت: «تم قطع يد الشاب الصغير، الذى كان حاله أفضل بكثير من والده، ومن الشابة التى كانت معهما، إذ تم قطع أرجل الأخيرين».
وعن أسباب وقوع ضحايا من المدنيين بهذا الشكل المكثف، قالت «نوجين» إن الضرب كله يتركز على المدنيين، مشيرة إلى أنهم رغم معايشتهم أزمة الحرب من قبل إلا أنهم لم يُشاهدوا مثل هذه الدموية والوحشية.
واختتمت حديثها بقولها: «المدنيون هم المستهدفون من القوات التركية، وليس المسلحين كما يتم الادعاء، فكثيرٌ من الشباب والرجال تم بتر أياديهم وسيقانهم جراء القصف، وكل ما نتمناه أن تصل استغاثتنا إلى من يمكنه أن يساعدنا فى وقف هذا الاعتداء».
«أحمد كندى»، البالغ من العمر ٤٥ عامًا، قال فى شهادته: «أعيش فى قرية حمام الحدودية مع تركيا، وهى تبعد عن جنوبى مركز مدينة عفرين فى شمال سوريا حوالى ٣٥ كم فقط»، لافتًا إلى أنه فى بداية العملية «أكد لنا الأتراك عدم استهدافهم المدنيين، وللأسف صدقناهم».
وأضاف: «فوجئنا ليلًا بقصف شديد ومتواصل للمنازل عن طريق المدافع والدبابات التركية، التى كانت تستهدف المدنيين مباشرة منذ اليوم الأول للهجمات على عفرين، ما دفع الأهالى للفرار من منازلهم باتجاه جندريسة ومركز مدينة عفرين لحماية أطفالهم، بينما بقى العدد الأعظم منهم فى القرية التى تتعرض للقصف وهم مضطرون، وبقيت معهم».
وتابع الرجل الأربعينى الذى يعمل مزارعًا: «استمر القصف العنيف من قبل القوات التركية لقريتنا، واستيقظنا صبيحة يوم ٢٣ يناير الماضى على أصوات الرصاص تتردد فى زوايا القرية الهادئة، ساعتها علمنا أن الجيش التركى دخل إلى قريتنا».
وأشار «كندى» إلى أن الجيش التركى اعتقل أخاه وعمه وخاله، وبعض أهل القرية ممن تحصنوا بالمسجد، وتم نقلهم إلى تركيا من أجل محاكمتهم، دون وجود تهم لهم سوى وجودهم بقريتهم أثناء الغزو التركى.
واستكمل: «حاولت الفرار حتى لا يتم اعتقالى مع الآخرين، لكن القصف التركى تتبعنى أثناء محاولتى الخروج من الجهة الشرقية للقرية مع ابن خالى، ما أدى لإصابتى فى ظهرى برصاصة حية، وحاليًا أنا موجود بأحد مستشفيات عفرين، لأتلقى الرعاية الصحية، والأطباء أخبرونى مؤخرًا بتحسن حالتى».
وختم الرجل حديثه بقوله: «القصف التركى يستهدف المدنيين بالأساس ويتوسع فى هدم المنازل، لأنهم يريدون إبادة الأكراد من الوجود بشكل نهائى».
الأمر نفسه أكده «صلاح طعنة»، العامل البسيط، الذى يقطن قرية «هيكجة» الحدودية، التابعة لناحية «جندريسة» فى «عفرين»، وقال: «فى ١٣ من الشهر الجارى، كنت فى زيارة أسرية لمنزل أحد جيرانى، وكان معنا ٤ نساء، وفوجئنا بقذيفة استهدفت الغرفة التى كنا نجلس بها، ما أدى لمقتل اثنين منا، وجرح الثلاثة الباقين».
وأشار العامل البسيط الذى غطى الشاش الأبيض معظم وجهه، بعد تلقيه شظية فى خده اليسرى، إلى أنه يشعر بألم كبير فى أعضاء جسده، وفى يده ورجله، اللتين أصبحتا شبه معطوبتين، بعد اختراق عشرات الشظايا الحادة جسده، جراء القذيفة التركية.
وتابع: «هناك قصف يومى وهجمات عدوانية على قريتنا المليئة بالمدنيين»، وتساءل متعجبًا: «كيف يمكن للجيش التركى أن يقصف الأهالى والمدنيين بهذه الوحشية، رغم عدم وجود أى عسكريين أو مسلحين فى قريتنا؟»، مختتمًا: «لا أحد من الأهالى يحمل سلاحًا من الأساس ليتم استهدافنا بالمدفعية الثقيلة».

رئيس الهلال الأحمر: الطيران التركى تعمد استهداف المراكز الطبية وسيارات الإسعاف
قال الدكتور نورى شيخ قنبر، رئيس الهلال الأحمر الكردى فى «عفرين»، إن قوات الغزو التركى، تعمدت استهداف المدنيين، لإخلاء المنطقة منهم، وتهجير أكبر عدد من السكان الذين يعمل غالبيتهم فى الزراعة، ولا يملكون سوى أرضهم التى تم تهجيرهم منها.
وأضاف قنبر: «القصف التركى لم يكتف باستهداف المدنيين فقط، بل يستهدف المراكز الطبية وسيارات الإسعاف أيضًا حتى لا تتم مداواة الجرحى»، مشيرًا إلى أنه «فى ٢٣ يناير الماضى استهدفت الطائرات التركية سيارات الإسعاف فى ناحية قرية جنديرسة وأسفر القصف عن مقتل ٥ أشخاص وجرح ٢٨، وقبلها استهدف الطيران مدنيين فى مدجنة بمنطقة جلبل فى ٢١ يناير الماضى، ما أسفر عن مصرع ١١ مدنيًا، وإصابة ٩ آخرين». وأكد أن القصف غالبًا ما يصيب مدنيين من عائلة واحدة مثل «عائلة الحسين» النازحة من «إدلب» إلى «عفرين» التى كان يلجأ لها الهاربون من الدمار الذى شمل جميع أنحاء سوريا، كما تعرضت عائلة «كنو» فى قرية «كوبلى» للاستهداف فى ٢٩ يناير الماضى، وسقط جراء القصف ٨ قتلى و٧ جرحى من نفس العائلة.
ولفت الدكتور نورى، إلى إحدى المآسى الإنسانية التى أثرت فى وجدان سكان «عفرين» منذ بداية القصف، وتتعلق بعائلة «محمد رشيد على» من «راجو»، التى حاولت الهروب من القصف عقب استهداف منازلها، وأصيب جميع أفرادها بجروح.
وأضاف: «عند وصولهم مركز الهلال الأحمر كانت حالتهم تستدعى نقلهم بشكل سريع لمستشفى عفرين المركزى، ولم يتحركوا بعيدًا عن المركز سوى أمتار قليلة حتى تم قصف السيارة مرة أخرى من قبل الطائرات التركية، ما أدى إلى فقدان محمد رشيد ساقه اليسرى وفقدان زوجته ساقيها الاثنتين، كما فقد أخوه يده».
وتابع شيخ قنبر: «لا يمر يوم إلا ويُخلف القصف المتواصل أعدادًا كبيرة من الضحايا والمصابين من المدنيين العزل»، لافتًا إلى أن القصف شمل كافة قرى ونواحى «عفرين»، ولا يهدف للقتل فقط بل تدمير البنية التحتية من بيوت ومدارس، ما دفع المدنيين للنزوح.
وأشار إلى أن استقبال مركز مدينة «عفرين» المواطنين الفارين من القصف التركى أدى إلى كثافة سكانية أكبر بكثير من قدرات وإمكانيات المدينة، الأمر الذى جعل الوضع الإنسانى بها فى أسوأ حالاته، وألجأ ذلك كثيرين إلى الكهوف لحماية أنفسهم من القصف، كما سكنت آلاف العوائل المبانى الخدمية الحكومية فى ظل ظروف سيئة جدًا من كافة النواحى الإنسانية والمعيشية. وذكر رئيس الهلال الأحمر الكردى فى «عفرين»، أنه نتيجة لكثرة حالات الإصابات وانشغال كافة الطواقم الطبية توقفت الخدمة الطبية للأمراض المزمنة مثل السكرى والقلب، مضيفًا: «كل الإصابات تُشكل مأساة إنسانية بالنسبة لنا كمؤسسة طبية تحاول التخفيف عن أهالى المدينة، خاصة أن أغلب حالات الجرحى والوفيات التى نُشاهدها من الأطفال والنساء وكبار السن». ونوه «قنبر» بأن المصدر الوحيد للمياه فى «عفرين» تم قصفه ٣ مرات على التوالى، بهدف قطع المياه عن كافة مناطق المدينة، مؤكدًا وجود خطر كبير على المنطقة حال نجاح الأتراك فى قطع المياه عنها.
واختتم رئيس الهلال الأحمر فى «عفرين»، بأن الصمت العالمى تجاه ما يحدث مؤسف، لافتًا إلى أنه لكثرة المواقف الإنسانية الأليمة التى تعرضوا لها فقدوا القدرة على التعبير عن الحالة المأساوية لأهالى «عفرين» نتيجة مطامع أردوغان.

إدريس حنان: أردوغان يستعين بـ«مرتزقة داعش»
أكد إدريس حنان، الصحفى فى جريدة «روناهى» الكردية، أن تركيا تستخدم فى هجومها على «عفرين» كل الوسائل والتكنولوجيا المتاحة، وكأنها تواجه «جيشًا نظاميًا»، لافتًا إلى أن القوات التركية تحارب مدعومة من مرتزقة ما يُسمى بـ«درع الفرات»، وهم بقايا التنظيم الإرهابى «داعش»، الذى دُحر على يد «قوات سوريا الديمقراطية».
وأضاف «إدريس»: «العدوان التركى على عفرين يستهدف مشروع الحل الديمقراطى الذى طرحته الإدارة الذاتية فى الشمال السورى، كما أنه إحدى نتائج (الفوبيا الكردية) التى يعيشها النظام التركى»، مشيرا إلى أن أردوغان يهدف إلى تغيير ديموغرافية المنطقة بشكل كامل.
وتابع: «أردوغان يرغب فى إعادة هيكلة التنظيمات الإرهابية مثل داعش، والإخوان، والقاعدة، ليُشكل ضغطًا إضافيًا، بهدف تحقيق أحلامه فى إعادة المشروع العثمانى فى المنطقة».
ورأى أن حديث تركيا عن وجود مسلحين وإرهابيين فى «عفرين» ادعاءات هدفها شرعنة الاعتداء على المدنيين، وقال: «تركيا من أكبر الدول الراعية للإرهاب فى العالم، فهى التى نسقت مع داعش فى الموصل ودخلت إدلب تحت حماية مرتزقة القاعدة، كما أنها تدعم الإخوان المسلمين فى كل من مصر وليبيا».
وأشار «إدريس» إلى أن أحد أهداف شدة الهجمات التركية على «عفرين»، هو إفراغ المنطقة من سكانها الأصليين، ولذلك «نرى استهدافًا للمدنيين العُزل فى منازلهم وقراهم»، مؤكدًا أنهم رصدوا العديد من الجرائم بحق المدنيين يندى لها الجبين.
ومن ضمن الحالات الصعبة التى رصدها خلال تغطيته أحداث «عفرين»، كان «عم شكرى»، وهو أحد سكان قرية «حمامة» التابعة لمنطقة «جند ريسة» الواقعة فى الجهة الجنوبية للمنطقة، التى كانت مسرحًا لأشد الهجمات همجية.
وحكى عن ذلك قائلًا: «العم شكرى تمت محاصرته فى قريته لمدة ٣ أيام، واستهدفه الجيش التركى والمرتزقة بالطيران ومدافع الهاون، ورغم جراحه استطاع هو واثنان الزحف لأربعة أيام متتالية، وبعد لقائنا ذكر لنا أنهم كانوا ١٢ شخصًا فى القرية، خطف الاحتلال منهم ٦، واستشهد اثنان منهم بعد نزفهما ومنع الجيش التركى وصول الإسعافات إليهما».
قصة أخرى حكاها «حنان» عن المواطن «محمد رشو هورو»، صاحب الخمسة والستين عامًا، من قرية «عمر سمو» بالجهة الشمالية الشرقية، الذى قال عنه إنه «أثناء ذهابه من عفرين إلى قريته مع زوجته لم يستطع الوصول من شدة القصف التركى، فاضطر للمبيت فى قرية مجاورة، لكن تمت مداهمتها من قبل الجنود الأتراك والمرتزقة ليلًا، ففرت زوجته، لكن مرضه أعاقه عن الفرار، فهو مريض بارتفاع ضغط السكر والدم ويعيش بكلية واحدة، ووقع فى أيديهم، فضربوه بقسوة ونكلوا به، كما حكى لنا، وسرقوا كل الاحتياجات الموجودة بالمنزل، وبعد إصابته بالغيبوبة تركوه ظنًا منهم أنه مات».
وأضاف: «الطيران التركى استهدف المدنيين فى عفرين، ومن ينج من الموت فإن نصيبه سيكون بترًا للأيادى والسيقان، بالإضافة إلى المئات الذين دفنوا تحت الأنقاض، وكثير من العائلات أصبحوا بالكامل من ذوى الاحتياجات الخاصة»، مستنكرًا ردة الفعل الدولى: «لم يتحرك أحد، وهناك دعم من بعض الدول للعدوان التركى على عفرين، والموقف المصرى الوحيد هو المشرف، لإدانته هذا العدوان».


صلاح إيبو: تركيا تسعى لإبادة الأكراد نهائيًا والهيمنة على المنطقة
قال الصحفى الكردى صلاح إيبو، إن ما تمارسه تركيا من عدوان على «عفرين» يهدف لإبادة ثقافة وتاريخ الشعوب الأصلية فى المنطقة، مُدللًا على ذلك بقصفهم المناطق الأثرية.
وأضاف: «تركيا أبادت الأرمن وغيرهم من الشعوب، واليوم تحاول إعادة الكرة مع الكرد، لافتًا إلى أن هدف تركيا هو القضاء على الأكراد نهائيًا.
وأشار إلى أن الادعاءات التركية بمحاربتها الإرهاب والمسلحين فى «عفرين»، عارية تمامًا من الصحة، بل بالعكس فالإرهابيون يُقاتلون مع جنود أردوغان، الذى يستعين بمرتزقة من بقايا نظام «داعش» بالمنطقة، ليساعدوه فى إبادة المدنيين.
وتابع: «القصف التركى يستهدف بالأساس المدنيين، الذين سقط الكثير منهم ما بين قتلى وجرحى، ولكنها تُركز أيضًا بشكل كبير على المراكز الطبية والمستشفيات، حتى تحجب الأطباء عن مداواة الجرحى، بجانب قصفها المساجد والأماكن الأثرية والخدمية والمدارس».
واستكمل: «الوضع مرعب ومُخزٍ، فغالبية المدنيين إما متكدسين فى مركز مدينة عفرين، بعد فرارهم من منازلهم نتيجة للقصف المتواصل أو خوفًا من القتل أو الاعتقال، أو فروا إلى الكهوف»، لافتًا إلى أنه رأى حادثًا أثر فيه، وهو لسيدة سبعينية تبكى فراق كل عائلتها، بعدما فقدت ابنتها التى أصابها القصف فماتت فى الحال، وحفيدتها تحت الأنقاض.
وشدد على أن تركيا تحاول استثمار كل شىء لتمرير سياستها ومحاولاتها للهيمنة على منطقة الشرق الاوسط وضرب المشروع الديمقراطى، لافتًا إلى أنها ابتزت الدول الأوروبية فى مسألة النازحين وابتزت روسيا بدعم المسلحين المعارضين للنظام السورى، وكذلك تبتز أمريكا اليوم وسابقًا فيما يخص دعمها قوات «سوريا الديمقراطية» وجماعة فتح الله كولن. واستنكر صمت المجتمع الدولى تجاه ما يحدث فى «عفرين»، وقال: «الموقف الدولى لم يرق لحجم بربرية الهجوم التركى الذى يهدف لاحتلال جزء من سوريا، وفرض معادلات جديدة فى المنطقة، باستخدام ترسانة هائلة من الأسلحة التى يُعد بعضها مُحرمًا دوليًا».

محمد عكارى: استخدم أسلحة محرمة دوليًا وغازات سامة
أوضح محمد عكارى، صحفى فى وكالة «أنباء الفرات» التركية، ومقرها بلجيكا، أن مطامع الأتراك الموجودة منذ زمن بعيد، تتمثل فى رؤيتهم «حلب» وما يدور حولها كجزء من «الإمبراطورية العثمانية» التى يرغب أردوغان فى تدشينها.
وأضاف «العكارى»: «عفرين تقع فى نطاق المطامع التركية، لذلك يعتدون عليها من أجل تفريغها من سكانها، إضافة لذلك هناك أمر مهم جدًا فى الغزو التركى لعفرين، يتمثل فى الفوبيا الكردية التى يعانى منها الرئيس التركى وحزبه العدالة والتنمية».
وتابع: «لو شافوا خيمة صغيرة فى السودان أو آخر الدينا يسكنها أكراد سيهجمون عليها ليُبيدوها، وهذا الموقف أعلنوا عنه أكثر من مرة بشكل واضح».
وأشار إلى أن تركيا تحاول فى عدوانها على «عفرين» التذرع بمهاجمتها للإرهاب الذى تلصقه بحزب الاتحاد الكردى، لكن هذه ادعاءات لا أساس لها على أرض الواقع، فالحقيقة الدامغة هى رغبة أردوغان فى إبادة الأكراد أينما كانوا.
وأشار إلى أن سكان «عفرين» ليسوا أكرادًا فقط، وهى أكثر المناطق أمنًا واستقرارًا منذ الأحداث التى ألمت بسوريا فى خلال السنوات الأخيرة، وكان يفر إليها اللاجئون من حلب وإدلب والشام، الرافضون الذهاب لمخيمات تركيا. واستكمل حديثه: «تركيا لا تريد أن يكون الأكراد جزءًا من مستقبل سوريا، لذلك أقدمت على محاولة إبادتهم فى الوقت الحالى أو إخراجهم من المنطقة»، مُدللًا على ذلك بإقدام نظام أردوغان قبل سنتين على تدمير ٩ مدن تركية كبيرة، بعدما نجح عدد من القيادات الكردية فى الانتخابات البرلمانية، رغم انتخابهم من الشعب، مضيفًا: «نظام أردوغان نكل بهم وجردهم من مناصبهم ووضعهم بالسجون».
واستعرض «العكارى»، ما يحدث على أرض «عفرين» حاليًا، قائلًا: «على المستوى العسكرى هناك عمليات كر وفر على حدود عفرين، ولم يستطع الجيش التركى ومعاونوه من المرتزقة الذين يستعين بهم والأسلحة الثقيلة التى يستخدمها، السيطرة على أى قرية بشكل كامل، فعندما يسيطر الأتراك على جزء نهارًا تسترده منه المقاومة ليلًا».
وأضاف: «تركيا تستخدم فى هجومها على عفرين كل الأسلحة الحديثة وتقصف القرى بالمدفعيات والدبابات، كما أنها تستعين ببعض الأسلحة المحرمة دوليًا والغازات السامة»، مؤكدًا أن ما يحدث ليست له نتائج سوى الخراب والدمار على المدنيين سواء الأكراد أو اللاجئين السوريين.
ووصف الوضع الإنسانى فى «عفرين» بالكارثى، خاصة أن أكثر المتضررين من القصف التركى حتى الآن هم الأطفال، مُشيرًا إلى أن نسبة الأطفال الذين توفوا منذ بداية الحملة كبيرة جدًا، وكذلك السيدات وكبار السن.
وتابع: «لو قارنت أعداد المتوفين بين المقاتلين والمدنيين، ستجد أن النسبة الأكبر للمدنيين خاصة النساء والأطفال»، مشيرًا إلى أن هذا أكبر دليل على أن الحملة العسكرية التركية لا تستهدف قوة عسكرية كما تدعى.
وعن المدنيين وكيفية تفادى القصف التركى، قال «العكارى»، إن طبيعة المنطقة جبلية، والمدنيون حسب قدراتهم وطاقتهم، أقاموا مغارات، يحاولون الاختباء بها، كما أن هناك كثيرًا من الأهالى غالبيتهم سيدات وأطفال ذهبوا لمركز مدينة «عفرين»، أما الرجال فمتمسكون بالبقاء فى أرضهم والدفاع عنها باستماتة، لأن غالبيتهم فلاحون ولا يُجيدون سوى الزراعة.
وتطرق إلى وضع القوات التركية التى تحاول منع الإمدادات الطبية من الوصول للأماكن التى بها مُصابون، وتقصف المراكز الطبية بشكل مُكثف، كما أنها قصفت أكثر من مرة سد ميدان الذى يُعد شريان الحياة بالنسبة لـ«عفرين»، لأنه هو الإمداد الرئيسى لها بالمياه.

رئيس تحرير وكالة أنباء الفرات الكردية: لم تتحدث أى دولة عن وقف العدوان سوى مصر

وصف الإعلامى محمد رسلان، رئيس تحرير وكالة «أنباء الفرات» الكردية، ما يحدث فى «عفرين»، بأنه احتلال تركى للشمال السورى بكل ما للكلمة من معنى، متهمًا القوات التركية بالعمل بشكل ممنهج على استهداف المدنيين وإثارة الرعب بين الأهالى، بهدف خلق حالة نزوح جماعى للمدنيين من سكان المنطقة.
■ بداية.. كيف تقيّم ردود فعل المجتمع الدولى حول ما يحدث فى عفرين؟
- رد الفعل الدولى مخجل تمامًا، فما تقوم به تركيا هو احتلال للشمال السورى، لكن إلى الآن لم يتعد رد الفعل عمليات التنديد والبيانات والشجب، دون أى تحرك لكبح جماح العدوان والرد على همجية تركيا.
■ ما أسباب ذلك فى وجهة نظرك؟
- على المستوى الدولى، نعلم جميعًا أن القوى الدولية تهتم بمصالحها فقط، وتتجاهل حقوق الشعوب، وهذه هى ازدواجية المعايير التى تتسم بها تلك القوى، لذلك أقصى ما صرحت به تجاه هذه الهمجية هو أنها «تتفهم هواجس ومخاوف تركيا»، وهذا التصريح بحد ذاته يُعتبر ضوءًا أخضر لتركيا، ويسمح لها بالاستمرار فى عدوانها، واحتلالها لـ«عفرين». ما تمارسه تركيا فى «عفرين» هو احتلال بكل ما للكلمة من معنى، وهى تسعى لضم «إيالة حلب» إلى أراضيها، حسب المنطق العثمانى، كما تهدف لضرب المشروع الديمقراطى فى الشمال السورى من ناحية أخرى.
■ وعلى المستوى الإقليمى؟
- الحق يُقال، على المستوى الإقليمى لم يصدر أى تنديد من أى دولة سوى مصر، التى رأت فى ذلك عدوانًا مباشرًا على سيادة سوريا، وطالبت بوقف العدوان والاحتلال فورًا، ونادت بأن يكون حل الأزمة فى سوريا بين السوريين، وعلى أساس وحدة سوريا، وهى تعلم جيدًا أن هدف تركيا ليس فقط الشمال السورى أو العراقى، بل تريد استرجاع «السلطنة العثمانية» من جديد، فعينها على مصر أيضًا، وهو ما أوضحته تصريحاتها الأخيرة حول أحقيتها فى الغاز شرقى البحر المتوسط، ورغبتها فى التعدى على الحقوق المصرية، فى المناطق التابعة لها، كما أنها الحاضن الرئيسى لجماعة الإخوان المصرية.
■ ما رؤيتك للدور الذى تقوم به تركيا تجاه سوريا طيلة السنوات الماضية؟
- المتتبع للسياسة التركية فى عهد الرئيس الحالى يرى أنها قائمة على المنفعة التى تخدم أردوغان، وتسمح بتحقيق أحلامه الخاصة بالتمدد، واستعادة أمجاد الخلافة العثمانية من جديد، فهو يرى نفسه السلطان، وعلى هذا، يرسم كل سياساته الداخلية والخارجية، ما يدفعه للتدخل فى شئون الدول الأخرى، مثلما فعل فى دول ما يُسمى بـ«الربيع العربى»، إذ لعب دورًا سلبيًا فى تأجيج الأحداث فى تونس وليبيا والعراق ومصر، والآن فى سوريا.
■ لماذا قرر أردوغان الاعتداء على عفرين الآن؟
- الكرد فى شمال سوريا، بالإضافة إلى باقى المكونات من عرب وآشور وسريان وتركمان وشيشان، وغيرهم من الذين يشكلون مع بعضهم «قوات سوريا الديمقراطية» هم الذين أفشلوا سياسات أردوغان فى الشمال السورى.
■ ما حقيقة الادعاءات التركية بأنها تواجه إرهابًا مسلحًا من عفرين؟
- هدف تركيا الأول والأخير هو القضاء على الكرد أينما كانوا، وهذا ما رأيناه من قبل فى إقليم كردستان العراق، حينما هددت وتوعدت إدارة الإقليم إن لم تبتعد عن عملية الاستفتاء، وهى الآن تهدد وتتوعد الكرد فى سوريا، فعن أى إرهاب يتحدث أردوغان؟، معظم من يُتهمون فعلًا بالإرهاب يحاربون الآن بجانب الجيش التركى، ويريدون احتلال جغرافية الشمال السورى.