رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارة خاصة لـ«المتحف الجيولوجى»: بقايا من غزوة أُحد ونيزك مصرى عمره 5 آلاف سنة

جريدة الدستور

هل صدقت يومًا بوجود آلة الزمن التى كانت وما زالت محور اهتمام صناع أفلام الخيال العلمى؟، إذا لم تكن تصدق وجودها وتعتبره «أسطورة»، نقدم لك «البديل»، الموجود هنا فى مصر، وبرسم دخول لا يتعدى ٥ جنيهات فقط.
آلة الزمن المصرية تلك، تتمثل فى «المتحف الجيولوجى» بمنطقة «أثر النبى» على كورنيش النيل، الذى بمجرد دخولك إياه ستنتقل من عصرنا الحديث إلى العصور الزمنية المختلفة لتطور كوكب الأرض، وطبقات قشرته ونوعية الصخور التى تختبئ فى باطنه، بالإضافة إلى ما شهده هذا التطور من ارتقاء الكائنات الحية من فقاريات ولا فقاريات وثدييات، وغيرها من أكبر الكائنات الحية كالديناصور، إلى أصغر خلية. «الدستور» أجرت جولة داخل المتحف التاريخى، بأقسامه الثلاثة «الفقارية، واللافقارية، والصخور والمعادن»، فى ظل تجاهل إعلامى كبير له، رغم كونه الأول من نوعه فى العالم العربى والشرق الأوسط، والرابع على مستوى العالم، منذ إنشائه فى ١٩٠١.

عظام لأول ديناصور مصرى.. صَدفة للملك فؤاد.. وجماجم حيوان عمره 40 مليون سنة
عندما تدخل صالة العرض الموجودة على يمين المتحف، تجد عظامًا عملاقة للديناصور المصرى «الباراليتيتين سترومورى»، الذى يطلق عليه «ديناصور المد والجزر»، ويعد أول ديناصور يتم اكتشافه فى مصر من ذوات الأقدام الأربع.
ذلك الديناصور كان يعيش فى بيئة «المانجروف»، التى تقع بطول الشاطئ الجنوبى لـ«محيط التيزيس»، القديم، الذى يطلق عليه العلماء اسم «جد البحر المتوسط»، وكان الديناصور فريسة وغذاء لعدة أنواع أخرى من الديناصورات.
أما فى الجهة اليسرى فتظهر مقتنيات أسرة محمد على، فبعد اندلاع ثورة يوليو ١٩٥٢، ومصادرة ممتلكات الأسرة الملكية، قرر القائمون على الثورة إهداء المتحف بعض المقتنيات للعرض، ومن أبرزها الأصداف المشغولة التى تبين براعة الصانع المصرى فى النحت على الصدف، ومن بينها «صدفة بطن قدميات» نقش عليها صورة الملك فؤاد، وصدفة أخرى نُقش عليها تابلوهات رقصات من أوبرا عايدة قدمت بمناسبة افتتاح قناة السويس، بالإضافة إلى أوان من النحاس مطلية بالنيكل مهداة من الملك فاروق بمناسبة اكتشاف خام النيكل لأول مرة فى الصحراء الشرقية عام ١٩٤٠، وأخيرًا واحدة من ٤ كهرمانات داخل كل منها حشرة محفوظة حفظًا كاملًا بكل أجزائها الرخوة ترجع إلى عصر «الأوليجوسين».
وفى منتصف صالة العرض، تستقر أيقونة المتحف كاملًا التى يتخذها شعارًا له، وتثير انتباهك ٣ جماجم بأحجام مختلفة لحيوان يشبه نوعًا ما الخرتيت، ويدعى حيوان «الأرسينو ثيريوم»، الذى يرجع وجوده إلى ٤٠ مليون سنة، وكل من هذه الجماجم الثلاث تمثل مراحل عمرية مختلفة لتلك الحقبة.
وينقسم المتحف الجيولوجى المصرى إلى ٣ أقسام، أو صالات، الأول قسم الحفريات اللافقارية، والثانى الحفريات الفقارية، الذى يميز مصر على مستوى العالم، أما الثالث فهو قسم الصخور والمعادن، ويحتوى على أهم العينات، منها عينة صخرة القمر وبعض النيازك العالمية والنيازك المصرية.
من أشهر العناصر الموجودة فى قسم الصخور والمعادن، «صخرة القمر»، وهى على شكل صخرة صغيرة محفوظة داخل كريستالة، تم إهداؤها لمصر فى فترة السبعينيات، ويوضع أسفل الكريستالة علم مكون من الأحمر والأبيض والأسود، للدلالة على فترة الاتحاد بين مصر وسوريا. وتم إهداء هذه القطعة من «صخرة القمر» لمصر كرمز للسلام مع الولايات المتحدة ودول العالم، وفقًا لما سردته الدكتورة إيناس أحمد، المشرفة الأكاديمية بالمتحف الجيولوجى المصرى، أول مصرية متخصصة فى الحفريات الفقارية.
وأضافت: «تعرضت مصر لغزوات كثيرة، وكانت الصخرة التى يطلق عليها (حجر البورفيرى) أو (حجر السماق الامبراطورى)، من أبرز أسباب الغزوات التى تعرضت لها، بعدما استهوت عددا من الأباطرة الرومان عندما احتلوا مصر سنة ٣١ قبل الميلاد».
وتابعت: «كان محمد على باشا عثر على الحجر سنة ١٨٢٣، فى جبل الدخان، ونقله عن طريق الجمال والثيران إلى القاهرة».


مصر تمتلك نصف حفريات العالم: 13 من أصل 28
على الرغم من كثرة الأفلام الأجنبية التى تتحدث عن النيازك التى على وشك أن تضرب كوكب الأرض وتسبب تدميره، إلى أن يتدخل مجموعة من الأبطال فى محاولة لإنقاذ الكوكب من هذا الدمار الشامل، ومن أبرزها «أرمجادون»، بطولة الفنان العالمى بروس ويليس- إلا أن أحدا لن يتخيل أن مصر كان لها نصيب حقيقى من هذه النيازك التى سقطت عليها.
أشهر هذه النيازك هو «جبل كامل»، جنوب الصحراء المصرية، الذى اكتشف منذ ٥ آلاف عام، واحتلت الحفرة التى تسبب بها هذا النيزك الترتيب رقم ١٧٥ على مستوى العالم التى تتميز بصفات وخصائص مميزة للنيازك.
كما أن من أشهر الصخور التى تم تجميعها فى المتحف صخرة «البورفيريت»، وتعد من بقايا غزوة أحد.
ننطلق بعد ذلك إلى قسم الحفريات الفقارية، الذى يميز مصر عالميا، لأنه تم رصد ١٣ رتبة حفرية ثدييات فى مصر، من أصل ٢٨ رتبة ثدييات على مستوى العالم، وهو ما يمكن أن نقول معه إن مصر تحتوى ثلث آثار العالم، ونصف حفرياته.
ومن أهم الحفريات الفقارية، الموجودة فى هذا القسم، جمجمة «الايجيبتو بيسكاس»، الذى يمثل حلقة الوصل بين الرئيسيات الدنيا والرئيسيات العليا، ويبلغ عمرها حوالى ٣٠ مليون سنة، ووزنها ٣ كيلوجرامات.
القسم الثالث فى المتحف هو «الزواحف التى تبيض»، ويُعد أضخمها الديناصورات، التى تم اكتشافها فى الصحراء الغربية، تلك المنطقة التى تشتهر بوجود حفريات للديناصورات، وتضم مختلف أنواع الديناصورات، طوال تطورها البيولوجى، فبداية الديناصورات لم تكن مهولة مثلما هو متعارف عليها، وإنما بدأت بأحجام طبيعية، إلى أن تطورت لأحجامها الضخمة.
الديناصورات المصرية ليست جديدة، فالعالم «أرنست سترومو»، كان له الفضل فى اكتشاف ٤ أنواع من الديناصورات فى الصحراء الغربية فى القرن الماضى، وتولى ترحيلها إلى ألمانيا وإنشاء متحف كبير لها، ولكن تم تدمير المتحف فى الحرب العالمية الثانية، وبعد هذه الفترة تمت عمليات استكشاف جديدة على الأراضى المصرية وبها تم اكتشاف الديناصور «الباراليتيتين سترومورى».
وكان تغير درجة الحرارة وعوامل أخرى السبب فى اختفاء الديناصورات وانتهاء حقبتها، ومنها أيضًا تغير الغطاء النباتى، واختلاف أساليب التغذية، ووجود بعض المفترسات التى تتغذى على البيض الذى تضعه، ولكن القشة التى قصمت ظهر البعير، كانت النيزك الذى اصطدم بكوكب الأرض وتسبب فى تغيرات مختلفة منها اختفاء الديناصورات.



المسئولون: بروتوكولات مع الجامعات.. مكتبة متخصصة فى الحفريات.. وهدفنا الاستثمار السياحى
انطلق شغف الدكتورة إيناس أحمد، أول متخصصة مصرية فى علم الحفريات الفقارية، بالمتحف والحفريات، منذ أن كانت فى الخامسة من عمرها تزور مع أسرتها المتاحف المختلفة فى مصر وخارجها، فتشبع قلبها بحب الحفريات والآثار .

وما هى إلا سنوات حتى أصبحت أول عالمة متخصصة فى علم الحفريات الفقارية، وهى حاصلة على الماجستير والدكتوراه من الجامعات المصرية، وكان تدريبها العملى فى تنزانيا وكينيا، ومن هنا بدأ ارتباطها بدول حوض النيل.
تحدثت الدكتورة إيناس عن قيمة المتحف فى حفظه مقتنيات عمرها ملايين السنين، فقالت: «أهمية المتحف كبيرة جدًا خاصة أنه من أقدم المتاحف فى القارة الإفريقية، وبدأ الاهتمام به منذ عام ١٩٠١ عندما بدأت عمليات الاستكشاف للحفريات الفقارية الموجودة بمنطقة الفيوم، ومن أبرز العلماء المصريين الذين عملوا فى المتحف الجيولوجى باهر الخشاب، ومصطفى شوقى، ويسرى عطية».
وتابعت: «زرت أماكن كثيرة، وتعلمت أنه يمكن تحويل مجال الحفريات الفقارية من مجرد مجال أكاديمى بحت، إلى عنصر جاذب للسياحة الداخلية والخارجية، كما أوليت اهتماما بمجال تبسيط العلوم وتوصيل المعلومة للأطفال والمراحل العمرية المختلفة».
وقال الدكتور محمد يوسف، المدير العام للمتحف الجيولوجى المصرى، إن المتحف بصدد عقد بروتوكول تعاون بينه وبين جامعة المنصورة، لتبادل المعرفة والبعثات المشتركة بين الطرفين، وكذلك جامعة عين شمس والأزهر، لافتًا إلى أن هذه البعثات تمثل إضافة للطلبة وتدريبًا عمليًا لما تم دراسته نظريًا، مضيفًا: «المتحف الجيولوجى المصرى يؤدى رسالة علمية متميزة تخدم قطاعات عريضة من الدولة ».

وتطرق إلى تاريخ إنشاء المتحف والهدف منه والخدمات التى يقدمها، وقال: «يقدم المتحف الدراسات العلمية والبحوث المتطورة لجميع أنواع الحفريات الفقارية واللافقارية والمعادن والصخور والأحجار السماوية والأحجار الكريمة، ويتم نشر هذه الدراسات، ومساعدة طلاب الدراسات العليا بالجامعات المصرية والأجنبية المختلفة من خلال دراسة العينات وتقديم الخدمات العملية».
وأضاف: «كما نتيح الفرصة للباحثين للاطلاع فى مكتبة المتحف الوحيدة المتخصصة فى علم الحفريات فى الشرق الأوسط، وتبسيط علوم الجيولوجيا لطلاب المدارس من مختلف المحافظات عن طريق برامج خاصة تتضمن المحاضرات والشرح والتعليق على المعروضات بالمتحف».

وشدد على أهمية المتحف الجيولوجى فى الترويج للسياحة الجيولوجية من خلال الشروح والعروض المختلفة بهدف جذب المهتمين ومساعدتهم فى اختيار الأماكن المناسبة بالصحراء المصرية، مضيفًا: «المتحف يوفر التدريب الصيفى لطلبة أقسام الجيولوجيا وأقسام التعدين بكليات الهندسة وأقسام الأراضى بكليات الزراعة وأقسام الجغرافيا بكليات الآداب وقسم الترميم بكلية الآثار».
ولفت إلى أن نقل المتحف الجيولوجى من موقعه الأول فى شارع السلطان حسين، المتفرع من ميدان التحرير، فى بداية إنشائه عام ١٩٠١، إلى كورنيش النيل بمنطقة «أثر النبى»، كان له أثر سلبى فى تعرف الجمهور على المتحف وأهميته. وأشار إلى أن المتحف فى حاجة للدعم، سواء بالنسبة لصالات العرض، أو الدعم الإعلامى، وفى حاجة إلى تعريف الجمهور به، والمعروضات والمقتنيات التى يضمها، بالإضافة إلى الخدمات التى يقدمها. واختتم بالحديث عن اكتشاف طلاب جامعة المنصورة بقايا ديناصور «منصوراصورس»، تحت إشراف وقيادة الدكتور هشام سلام، وقال: «هذا الاكتشاف يُعد إنجازًا عظيمًا ومبهرًا لجامعة المنصورة»، ويأمل أن يتم عرضه على الجمهور فى أسرع وقت.