رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبد الشافي يكتب: جنازير أبو الفتوح فى عصر المثقف المفتوح


كان عبدالمنعم أبوالفتوح فتيًا عندما اقترب من فكر جماعة الإخوان، أخلص للمذاكرة فى الثانوية العامة ودخل كلية الطب ليصبح القيادى الشاب القادر على مواجهة أهل الكفر والعلمانية فى الجامعة، هكذا راهنوا عليه، وهكذا حقق الفتى النجاح المطلوب خلال فترة قصيرة وأنزل الخوف بقلوب شباب وبنات جيل السبعينيات من طلاب الجامعة، فترشح لرئاسة اتحاد طلاب كلية الطب ونالها عام ١٩٧٣، فانتفخ وشعر وأقرانه من شباب جماعة الإخوان بأنهم أصحاب رسالة كبرى فى إزهاق أرواح أهل الكفر من المصريين الذين لا يتبعون الجماعة وتعاليم مرشدها.

وأصبح أكثر قدرة على استخدام «الجنازير والنبابيت» وتحريم الرحلات ومنع الاختلاط بين الجنسين، وكل ما تراه من أفلام وتقرأه فى مسلسلات كان يحدث على أرض الواقع وفى ساحة جامعة القاهرة، حيث الفتى العشرينى عبدالمنعم أبوالفتوح مواليد ١٩٥١ يُمسك بالميكروفون ويهتف بصوته الهادر «حى على الجهاد.. حى على الجهاد»، فتتجاوب معه حناجر وسيوف تنتشر فى كل ربوع مصر، فهناك أيضًا الفتى «محمد حبيب» يقود الحرب المقدسة ذاتها فى جامعات الوجه القبلى ومن أسيوط تحديدًا، وانطلقت جحافل الجماعة لتكتمل الغيوم السوداء فى كل ربوع مصر، لتصبح الجلابيب القصيرة زيًا للرجال، ويصبح الحجاب فريضة ثم تجارة ثم نقابًا، وندخل دائرة الحرام بفضل شباب الجماعة الذى كان أبوالفتوح أبرزهم آنذاك، وشهدت السبعينيات المرحلة الأولى لتنفيذ مشروع تحجيب مصر وعقولها، ورغم وجود قيادات التنوير فى ساحة الجامعة كطلاب ومعيدين وأساتذة فى ذلك الوقت «جابر عصفور وسيد البحراوى وأمينة رشيد ورضوى عاشور ولطيفة الزيات وعبدالمنعم تليمة وعواطف عبدالرحمن....»، إلا أن صوت الجنازير وإرهاب الذقون الطويلة كان أقوى بفضل حنجرة أبوالفتوح.

أبوالفتوح غيمة من غيوم الإرهاب التى نعانى منها اليوم، غيمة سوداء حلّقت فى سماء مصر بعد النكسة المريرة التى كسرت أعناق الرجال وسرقت روح النساء، فسيطرت حالة عامة من الانكسار والاكتئاب والزهد على كل مباهج الحياة، فما معنى الحياة بعد كل ما جرى من خراب وتدمير مادى ومعنوى؟!، وبينما كانت حرب الاستنزاف ترمم الجراح وتلملم الكرامة المهدرة، مات عبدالناصر، وجاء السادات يبحث عن حلفاء بعد أن قرر القضاء على الناصريين المزعجين والتوجه نحو أمريكا التى عاش ناصر ومات عدوًا لها، والتحالف الساداتى مع البيت الأبيض كان يعنى الحرب على المعسكر الروسى، و«الدين» أفيون الشعوب كما تعلمون، وروسيا شيوعية بالعلم الأحمر وقصر «الكرملين» الكافر، وتسعى مع أذنابها فى مصر من المثقفين والناصريين إلى تدمير الدين ونشر العُهر والأفكار الشيطانية الإلحادية بين الشباب، والحرب فى أفغانستان أصبحت جهادًا فى سبيل الله، كل هذا يحدث وعبدالمنعم أبوالفتوح فتيًا، قويًا مقاتلًا يستمد جبروته من الرئيس المؤمن الذى احتضن شباب الجماعة وفتح لهم أبواب الزوايا والمساجد الصغيرة، فخرجوا جماعات تحمل السيوف والخناجر وتقاتل المصريين أعداء الإسلام، فتجرّأ أبوالفتوح وخاض الانتخابات الطلابية واكتسحها ليصبح رئيسًا لاتحاد طلاب جامعة القاهرة عام ١٩٧٥، فتجرّأ أكثر وبدأ يؤسس «الجماعة الإسلامية» فى قلب الجامعة لملاحقة الملاحدة والمارقين والفتيات السافرات المتعطرات، ويتعاظم دور التيار الإسلامى بفضل رعاية تنظيم الإخوان الذى أفرج السادات عن قياداته ومنحهم حق إعادة إصدار الصحف، فظهرت مجلتا «الدعوة» و«الاعتصام»، وبدأت مصر تغرق فى نهر الدم والقتل واستحلال أموال الأقباط وذبحهم.. وكان أبوالفتوح كما قلت لك فتيًا، شابًا، قويًا، تعتمد عليه الجماعة كقائد لجيل جديد يضم «محمد حبيب وخيرت الشاطر وعصام العريان...».
وتعاظم دور الجماعة وسال الدم فى أحداث الزاوية الحمراء الشهيرة، واستشاط السادات بنار العفاريت التى ربّاها فى حضنه، وانتشرت رائحة الدم والخوف فى ربوع مصر، وفَقَد أبوالفتوح توازنه وصدّق أن جماعته أصبحت أقوى من النظام، فوقف أمام السادات فى الواقعة الشهيرة يُطالب بدولة العلم والإيمان، «فشخط» فيه الرئيس المؤمن «شخطة» قوية سرعان ما طالت الجميع فى اعتقالات سبتمبر ١٩٨١، لتأخذ فى طريقها كل أطياف مصر من الإخوان والشيوعيين والناصريين والكل كليلة، فخرج رصاص الجماعة الغادر فى حادث المنصة.

سيكبر أبوالفتوح ويصبح قياديًا فى مكتب الإرشاد مع معاصريه من شباب الجماعة، وسيدخل منافسات رخيصة وصراعات على مناصب قيادية، ويعتمد على دوره الكبير فى نقابة الأطباء التى نجح فى تحويلها إلى خلية إخوانية تجمع أموال المصريين وتبرعاتهم وتقدمها لباقى فروع تنظيم الإخوان بأجنحته العسكرية فى كل مكان، سيكبر أبوالفتوح ويبحث لنفسه عن وسيلة جديدة يخترق بها تجمعات المثقفين ويدخل ندواتهم كإسلامى «وسطى»، وسيحرص على حضور ندوات نجيب محفوظ والتقاط الصور «الثقافية» لتتوارى صوره القديمة فى أفغانستان قائدًا للجهاد الإسلامى ضد دول الكفر والإلحاد، وسيصبح أكثر وسامة وهو يتحدث عن السلام والأمان والحب والوئام، وستأتى ثورة يناير ويبحث الرجل الوقور عن ملابس جديدة يخرج بها نهائيًا من جحيم الجماعة، التى كان شاهدًا على خستها ووضاعتها فى الصراع على منصب «المرشد».. سيكبر أبوالفتوح ويتخذ القرار النهائى بالخروج عن «البيعة» ويترشح للانتخابات الرئاسية، ويتعرض للهجوم من قادة الجماعة التى ستدفع باثنين من أعضائها «خيرت الشاطر ومحمد مرسى» فى الانتخابات، وسيخفق أبوالفتوح ويأتى فى الترتيب الرابع بعد مرسى وشفيق وحمدين صباحى، وهنا سيعود إليه رشده ويخضع لصوت جماعته التى لم يُفارقها إلا بحثًا عن مجد جديد لها، فيذهب إلى مكتب الإرشاد ويقدّم فروض الطاعة من جديد، ويعتذر إليه كل من هاجموه وظنوه خرج عن بيعتهم، ويستقبلونه استقبال الفاتحين، ويعلن مرسى أنه لن يجد أبدًا أفضل من الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح نائبًا له حال وصوله للرئاسة، فمنحهم مقراته الانتخابية ومعها أصوات مؤيديه، وكانوا فى أشد الحاجة إليها فى جولة الإعادة.

تسألنى: ولماذا كل هذا السرد المدرسى البليد لمسيرة الإرهابى المتطهر عبدالمنعم أبوالفتوح؟!، وأقول لك إنه قد ظهر فى وادينا الأخضر مثقف «مفتوح» لا يقرأ ولا يسمع، وهذا نوع معرّض لدخول الشوائب والطحالب الصغيرة إلى أمعائه، فقد يبتلعها عن جهل وفقدان بصيرة فيظن نفسه معارضًا مدنيًا يرى أبوالفتوح «مناضلًا ثوريًا» والدروس المدرسية مهمة لهؤلاء، ربما ننجح فى رتق المفتوح.