رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيرى يكتب: زراعة العقول فى أكاديمية التدريب


أتابع بشغف ما يحدث فى الأكاديمية الوطنية للتدريب.. وما يسميه البعض بالبرنامج الرئاسى لتدريب الكوادر وتأهيلها لخلق «نمط جديد» و«شاب» فى شرايين «إدارة الدولة».
الفكرة من البداية تلبى احتياجًا رهيبًا.. وتغطى عورات سنوات من الترهل والفساد الإدارى.. وتفتح نوافذ جديدة تسد باب السؤال المعتاد كلما أطلت علينا الحاجة لكوادر مؤهلة «طب نجيب منين؟».. أو كما يقول المثل الشعبى: «اللى فى قعر الدست تجيبه المغرفة».
فى هذه الأكاديمية التى ننتظر أول قطفة من خريجيها، لا مجال لـ«الدست والمغرفة».. الطريق الوحيد والمعيار الأهم.. هو «العقل والعلم والكفاءة والموهبة».. مصر التى نريدها لا يصح أبدًا أن تعتمد على منطق «المغرفة».. فى زمن لا حرب ولا اقتصاد ولا سياسة ولا فن فيه دون علم.. وتخطيط.
فى الوقت الذى أتابع فيه- ومعى الآلاف- ذلك الأمر، والذى يتابعه العالم الآن، بعد لقاء مهم جرى هذا الأسبوع مع قائد «المدرسة الوطنية للإدارة فى فرنسا».. أتابع بحزن شديد تصريحات مسئولى وزارة الزراعة.. وقد تستغرب الربط بين الأمرين.. وأراه شديد الصلة.
فى الوقت الذى خططت فيه قيادة البلاد منذ سنوات لطريق يعرفه كل من يريد استقلالًا وطنيًا حقيقيًا بعيدًا عن الشعارات.. طريق مشى عليه من قبل كل مصرى مخلص أراد الخير لبلاده.. طريق عنوانه جملة واحدة «عايز تاكل كل من فمك».
مصر التى علمت الزراعة للعالم كله.. جرى تجريف أراضيها.. وعقولها.. فباتت تأكل من كل بلاد العالم.. وجرى تهجين «زراعتها».. وتدمير طميها.. ورغم وجود علماء أفاضل فى مراكز البحوث الزراعية، إلا أنه جرى تهميشهم لسنوات طويلة لصالح مرتزقة «الاستيراد».. ليس استيراد المنتجات فقط.. ولكن «استيراد التقاوى أيضًا» استيراد «العجول والعقول» معًا.
طب مال وزير الزراعة ورجالته بالحكاية.. أقولها لسيادتك بشكل واضح: هذه الوزارة أهملت فى حماية أراضى مصر.. فاستولى عليها «الألاضيش لسنوات».. لا لتعميرها.. بل لتسقيعها.. وبيع الصالح منها لبناء الفيلّات والمنتجعات.. وحينما انتبهت الدولة متأخرًا.. فشلت الوزارة فى تحصيل مستحقات الدولة.. حتى صار الأمر برمته أزمة.. فى الوقت نفسه لم تستطع حماية الأراضى القديمة تحت حاجة الناس لبناء مساكن.. فتم تجريف الأراضى السمراء ولم نعد ننتج شيئًا.. ورغم ضيق المساحة المتبقية للزراعة.. اختفى المرشد الزراعى.. واختفت الدورة الزراعية.. واسترحنا لما فعله بنا «المستوردون» حتى صرنا نأكل عدسًا وفولًا من إنتاج بلاد تركب الأفيال.. وزادت معاناة الحكومة فى توفير عملات صعبة لاستيراد الأكل والشرب والتقاوى والزيوت!! وصارت عملية تغيير كل هذه العقول التى تدير «معدتنا» أمرًا واجبًا.. فكان مشروع «المليون ونص فدان» حلمًا.. لكنهم لا يفهمون.
الأرض لا تحتاج للمليارات فقط للاستصلاح، لكن قبل ذلك تحتاج إلى العقول التى تخطط.. وإلى الرجال الذين ينفذون تلك الخطط.. فهل يعقل أن تذهب الدولة إلى طريق فيما يعمل رجال وزارة الزراعة فى طريق آخر؟.
المعلومات المتوفرة لدى.. أن هناك مشروعًا ضخمًا تم عرضه على وزارة الزراعة لإنتاج «بذور تقاوى البطاطس».. لتوفير الملايين التى نستورد بها «أصناف بايظة» فما كان من الوزارة إلا أن تقاعست عن تنفيذ «مذكرات التفاهم» التى وقعها رئيس الجمهورية مع حكومة إحدى الدول التى جاءت لتمنحنا ذلك المشروع وبتمويل كامل منها.. لماذا يا معالى الوزير يحارب رجالك فى صف «مافيا الاستيراد» وضد ما يفعله ويخطط له رئيس الجمهورية؟.. هل تعملون فى معزل وتمضون فى طريق يخالف ما تريده الحكومة؟.. الحرب التى يمارسها «الأشرار» ضدنا ليست إرهابًا فقط.. لكنها حرب اقتصاد.. بالأساس.. وتوفير لقمة العيش والعملة الصعبة أولى خطوات المقاومة فى تلك الحرب.. فلماذا تتعطل «المراكب السايرة» فى هذه الوزارة؟.. ولماذا يأخذ تنفيذ بروتوكول مع إحدى الدول لاستصلاح واستزراع ٣٠٠ ألف فدان فى منخفض القطارة ستة أشهر كاملة حتى «طفش المستثمرون»؟.. لا أتهم أحدًا بالعمل لصالح جهات بعينها.. لكننى أتعشم فى أن ينتبه د. عبدالمنعم البنا لما يجرى فى «كواليس وزارته».. وأتعشم فى أن تصلح «القيادات الجديدة» التى يجرى تأهيلها فى «أكاديمية التدريب» ما أفسدته العقول الخربة فى «الإدارة».. يحتاج الأمر لسنوات أعرف.. لكن «معركة الاقتصاد» لا تنتظر.. ولن تنتظر كل تلك السنوات، وتطهير تلك الوزارات من هؤلاء المعطلين يسبق تطهيرها من الإرهابيين فى نظرى.