رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد فودة يكتب: مملكة الغد.. ماذا يفعل محمد بن سلمان في السعودية؟

فودة و بن سلمان
فودة و بن سلمان

يقولون إنه ليس من رأى كمن سمع.
تحققتُ من هذه المقولة بعد زيارتى الأخيرة للمملكة العربية السعودية خلال رحلة عمرة، تأكدت مما سمعته ورأيته، أن الأمير محمد بن سلمان ولى العهد- الذى يعتبره البعض يسبح عكس التيار- يقود خطوات إصلاحية شاملة، ستدخل بهذا البلد الطيب العزيز علينا إلى عهد جديد، والمبشّر فى الأمر أن هذا العهد الجديد يتم المضى نحوه بتوقيتات محددة ومدروسة بعناية كبيرة.
تجولت فى شوارع مكة والمدينة، التقيت عددًا كبيرًا من السعوديين، خاصة من الشباب الذين شعرت من كلامهم بأن هناك حالة من الارتياح العام تجتاح الشارع السعودى تجاه تلك الخطوات الإصلاحية التى يقودها الأمير الشاب بخطى واثقة داخل المملكة، حتى وإن كانت هناك انتقادات من بعض أمراء العائلة المالكة بسبب حملته الجريئة والحاسمة من أجل تطهير المملكة من الفاسدين والمفسدين، وهى الحملة التى لم تُفرق بين أحد مهما كانت مكانته، حيث طالت عددًا من الأمراء وكبار رجال الدولة وشخصيات اقتصادية لها مكانتها داخل وخارج المملكة، والذين تم إلقاء القبض عليهم وتوقيفهم لأسباب تتعلق بإهدار المال العام، فدائمًا أى إجراءات إصلاحية فى أى مكان تواجهها قوى رافضة، هم من أصحاب المصالح الذين يقاومونها بكل ما يمتلكون من قوة من أجل إبقاء الوضع على ما هو عليه، وحفاظًا على مكتسباتهم أيضًا.
فعليًا، نحن أمام حالة خاصة جدًا يجب أن نتوقف أمامها طويلًا، فربما لم تشهد المملكة تغييرات جذرية فى مختلف أركانها قبل صعود بن سلمان ولى العهد، بل لم تشهدها بلاده على مدار العقود الماضية، فهى فى حقيقة الأمر خطوات تمضى نحو كسر مزيد من القيود والموروثات التى قامت عليها المملكة، والتى كان يعتبرها الشعب السعودى مسلّمات ومقدسات لا يجب المساس بها ولا حتى مناقشتها من الأساس.
ربما كان هذا التطور فرصة لتحسين صورة الأوضاع الاجتماعية والحقوقية فى المملكة أمام العالم الغربى الذى يتربص دائمًا بالمملكة.. ولكن إرادة الأمير الشاب الصاعد كانت أقوى من الجميع، بل فاقت كل التصورات، حيث اتخذ العديد من الخطوات الجريئة التى فتحت آفاقًا ناجحة أمام المملكة، خاصة فى ظل معاناة المملكة من انخفاض سعر النفط عالميًا، فما كان من الأمير الشاب، إلا أن فاجأ العالم وأعلن عن خطته الطموح المعروفة باسم «رؤية ٢٠٣٠» لإحداث ثورة فى الاقتصاد السعودى، بوضع حد لاعتماده بشكل أساسى على عائدات البترول، وحرصه على خفض الإنفاق العام بنسبة ٤٠٪، إلى جانب تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص فى كل المجالات، علاوة على إنشاء مدينة إعلامية سعودية ربما على غرار مدينة الإنتاج الإعلامى فى مصر، وهو مشروع لم يكن يخطر على بال أحد من قبل أن يطرحه أصلًا، نتيجة الثوابت التى ترى أن الفنون غير مسموح بها أو بإفساح المجال أمامها.
يتضمن مشروع «خطة ٢٠٣٠» أيضًا تطوير السياحة فى المملكة، وذلك من خلال إطلاق مشروع سياحى ضخم على شاطئ البحر الأحمر، يتضمن تطوير ٥٠ جزيرة وإعدادها بشكل عصرى ووفق المعايير الدولية، لتصبح واجهة سياحية متكاملة من الآثار إلى الشواطئ البكر.
لم تغفل خطة الأمير محمد دور المرأة فى المجتمع، على الرغم من تلك النظرة المهمشة للمرأة على مدى العقود الماضية، لذا نجده حريصًا على إنشاء مجمعات عمرانية تتيح للنساء مزاولة النشاطات الرياضية، والسماح لهن أيضًا بقيادة السيارة، أما وسائل الترفيه فتحظى باهتمام بالغ فى برنامج «خطة ٢٠٣٠»، حيث يتضمن انطلاق مهرجانات صيف السعودية التى تعتمد على إطلاق العنان لسياسة الانفتاح والتغيير الثقافى قبل التغيير السياسى، والسعى إلى خلق الكثير من المؤسسات الداعمة لوسائل التسلية والترفيه، وذلك من أجل السماح للمواطنين بالاستمتاع بوقتهم وتوفير كل وسائل الترفيه التى كان يفتقدها المواطن السعودى، والتى كانت تدفعه إلى البحث عنها فى أماكن خارج المملكة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تم الإعلان عن أضخم مشروع سعودى هو «مدينة نيوم»، باستثمارات تصل إلى ٥٠٠ مليار دولار لجنى المزيد من الأرباح عبر النشاطات الترفيهية والمهرجانات الثقافية، والبدء فى تشييد قاعات سينما، خاصة بعد رفع الحظر الذى كان ساريًا منذ أكثر من ٣٥ عامًا على دور السينما، حيث شملت الخطوات الإصلاحية صدور قرار من الحكومة يفيد بأن أول دور عرض سينمائية قد تبدأ عرض الأفلام مطلع مارس المقبل، وبهذا الحدث على وجه الخصوص تبدو السعودية وكأنها بدأت تخرج فعليًا من عباءة النفط، سواء كحكومة أو قطاع خاص، الأمر الذى جعل مجتمع الأعمال الدولى يرى الوجه الجديد للمملكة، التى بدأت تتشكل فى تحول كبير وفق المعايير الدولية فى الكثير من المجالات التى لم يكن لها وجود أصلًا فى الحياة العامة داخل المملكة، وهذا بالطبع من شأنه أن يؤدى إلى ثورة اقتصادية وثقافية ومزيد من الانفتاح على العالم المتقدم.
اللافت للنظر أن الجانب الاقتصادى يحتل مكان الصدارة فى برنامج الأمير محمد بن سلمان الإصلاحى، ففى تقرير مهم، أعدته قناة «فوكس نيوز» الأمريكية حول جهوده الإصلاحية، استهلته بثلاث عبارات، قالت فيها: «يعمل ولى العهد السعودى محمد بن سلمان على إعادة المملكة لتكون قوية مرة أخرى مثل عظماء العالم، وبرؤية ثاقبة، خاصة أنه يركز على تنمية قطاع الأعمال والتنوع الاقتصادى».
هذه الكلمات سبقتها صورة وضعتها القناة الأمريكية فى تقرير لها على غير العادة، وتبرز الصورة ابتسامة واسعة لولى العهد، فيما تظهر ساعته وكأنها تربط «همة ولى العهد للقيام بأعماله وحفاظه على الوقت» باعتبارهما عاملين رئيسيين فى صناعة القرار اليوم.
هذا التقرير يأتى فى سياق الإصلاحات واسعة النطاق التى تستهدف تقنين عدد من الوظائف العشر التى سيشغلها المواطنون السعوديون فى العام المقبل.
كما أشار التقرير أيضًا إلى أنه ابتداء من شهر سبتمبر المقبل سيجد السعوديون فقط فرصة للعمل فى قطاع المبيعات، بما فى ذلك مبيعات المعدات الطبية والأجهزة الإلكترونية والسيارات والأثاث.
وألمح إلى أن هذه التحركات الواسعة التى يعمل عليها محمد بن سلمان تحظى بدعم الشباب الذين تبلغ نسبتهم ٧٠٪ من السعوديين، أعمارهم دون الـ٣٠ عامًا، إلى جانب أن رؤية المملكة تعتمد على تنويع الاقتصاد السعودى، وتنمية القطاع الخاص باعتباره المحرك الرئيسى للتنمية الاقتصادية، وخلق فرص عمل موجهة للشباب السعودى، فى وقت قررت فيه المملكة التخلى عن صناعة النفط.
وقد يرى البعض أن ما يحدث داخل السعودية يمكن أن يؤثر فى علاقات السعودية بجيرانها وحلفائها، لكن ما سمعته أيضًا يؤكد أن العلاقات المصرية- السعودية ستظل قوية، لأنهاعلاقات متميزة تتسم بالقوة والاستمرارية، نظرًا للمكانة والقدرات الكبيرة التى يتمتع بها البلدان على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، فلا يمكن لأحد مهما كان أن ينكر أن البلدين هما قطبا العلاقات والتفاعلات فى النظام الإقليمى العربى.
لكل هذا أقول إن الأمير الشاب يُدشن، بما يفعله، «مملكة الغد الجديدة»، وهو ما سيكون له عظيم الأثر فى إعادة تشكيل المنطقة العربية بالكامل، بل ربما يغير خريطة الخليج من ناحية والتحالفات الدولية فى المنطقة من ناحية أخرى.
إننا بالفعل أمام حالة حراك عام تشهده المملكة، وهو ما يعد بمثابة خطوة تحديثية كبيرة، خاصة حينما يتعلق الأمر بمسار التطور الاجتماعى فى المملكة، فهذه الإجراءات وإن كانت قد جاءت متأخرة مقارنة بدول أخرى، إلا أن الفضل فى ذلك يرجع إلى التغييرات التى شهدها بيت الحكم السعودى، وذلك بتلك الخطوة التى ترتب عليها صعود قيادة جديدة تتسلح بسمات فكرية جديدة تتناسب مع تولى الشاب الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، ففى تقديرى أن هذا التطور يمثل فرصة كبيرة لتحسين الأوضاع الاجتماعية والحقوقية فى المملكة أمام العالم، وهذا التطور فى تقديرى الخاص يُجرد خصوم المملكة من إحدى أهم مقولاتهم فى مهاجمة النظام السعودى خاصة بوصفه بأنه لا يسمح للنساء بقيادة السيارة، وغيرها من الحقوق المجتمعية التى كان مجرد التفكير فيها من قبل بمثابة ضرب من الخيال.