رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التشويش على الانتخابات الرئاسية


مأساة أن تبدأ معركة مكتوبًا عليك أن تخسرها، لكنك لا تملك إلا أن تواصل الحرب - ليس عن قناعة وإيمان- بل لأنك جندى مرتزق ارتضى أن يحارب ضد بلده لصالح من يغدقون عليه بأموالهم، وقد اكتشف مؤخرًا أنه لا يستطيع التراجع وإلا تركه أسياده لينال جزاء الخائن فى بلده.

قفزت هذه الفكرة إلى ذهنى وأنا أتابع تفاصيل الخطة الكبيرة، التى تستهدف التشويش على الانتخابات الرئاسية، وهى خطة تم تخطيطها وتمويلها بسخاء، ويتم تنفيذها بواسطة عناصر كثيرة، من بينها وسائل إعلام دولية شهيرة، كوكالة رويترز والقسم العربى لهيئة الإذاعة البريطانية، وقنوات تليفزيونية أخرى وصحف تصدر عن العديد من البلدان، خاصة تركيا وقطر، ورغم كل هذا الزخم الضخم، تبدو خطة غبية لمعركة خاسرة مائة بالمائة.

هناك صعوبتان أساسيتان واجههما أصحاب هذه الخطة البائسة، أولاهما: حالة التأييد الكبير من عشرات الملايين لرئيسهم عبدالفتاح السيسى، بعدما رأَوْا بأعينهم إنجازاته على أرض الواقع، وهى إنجازات كانت تحتاج بكل تأكيد لفترة أطول بكثير من السنوات الأربع، التى قضاها كرئيس، وثانيتهما: هذه الإنجازات التى تراها بعينيك وتلمسها بيديك تحتم على من يعارضه ألا يبارزه بسيف الحقيقة، لأن الحقيقة تؤكد أن هناك آلاف المساكن قد بنيت وآلاف الأفدنة قد زرعت، وأننا تحولنا إلى دولة واعدة فى السوق العالمية للنفط والغاز، وأن المشاريع الكبرى التى حاولوا تصويرها على أنها وَهم أو «فنكوش» مثل العاصمة الإدارية الجديدة، قد أصبحت حقيقة، ولذلك فإن السبيل الوحيد لهم فى معركتهم هو «الكذب وإطلاق الشائعات» لهَز إيمان الناس أو قناعتهم بأنهم اختاروا فى انتخابات ٢٠١٤ الرجل المناسب، الذى حمل الأمانة بكل جدية.

على غرار المثل القديم الذى يقول إن «النائحة الثكلى ليست كالمستأجرة»، يمكننا أن نقول اليوم إن «المعارضة الوطنية ليست كالمستأجرة»، فَلَو كانت هناك معارضة حقيقية للرئيس الذى التف حوله المصريون بكل قوة، حتى وهم يتجرعون الدواء المر لإصلاح اقتصادهم، لما انتظر هؤلاء «المعارضون مقابل الدولار» قبل انتهاء الفترة الرئاسية بأسابيع ليبحثوا عن مرشح بديل، ولما تأرجحت مواقفهم حول من سينبحون خلفه (!!) لذلك وجدناهم يبادرون بتأييد «شفيق»، الرجل الذى طالما هاجموه وسخروا منه، بل اتهموه فى ذمته لمجرد أنه أعلن ترشحه من على شاشة قناة الجزيرة، فجأة نسوا أن الفريق شفيق كان خصمهم اللدود فى انتخابات ٢٠١٢، وعندما اختفى فجأة كما ظهر، توجهت بوصلتهم للمرشح الأقل أصواتًا فى ٢٠١٢ خالد على، والذى فشل فى جمع ٢٥ ألف توكيل، فأعلن انسحابه من انتخابات فشل فى الترشح لها، فحاولوا أن يلبسوه ثوب الشهيد، وهو فى حقيقة الأمر مجرد «فقيد»، والأمر نفسه فعلوه مع الفريق سامى عنان، الذى فقد حرصه بل فقد بوصلته، لأن التعليمات جاءت إليه كى يُعلن ترشحه، مساء يوم ٢٠ يناير، أو ليلة وصول نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس إلى مصر، وأن يُلقى بيانه العجيب الذى يتطاول فيه على الجيش، الذى كان حتى الأمس القريب رئيسًا لأركانه.

وإذا كانوا قد فشلوا فى المرحلة الأولى من خطتهم للتشويش على الانتخابات الرئاسية وهى مرحلة البحث عن مرشح بديل، فقد كان حريًا بهم أن ينسحبوا، ولكن يبدو أن مموليهم قد رفضوا، فكان لزامًا عليهم أن يبدأوا المرحلة التالية، وهى ما اصطلح على تسميته «حفلة الأكاذيب»، وهى حفلة ممولة بسخاء من الجانب القطرى.

فلم يعد سرًا أن قناة الجزيرة أعدت قائمة من مُحللى الأكاذيب، للظهور على شاشتها فى الأيام السابقة للانتخابات الرئاسية، بعضهم من الوجوه المتعاطفة والمستفيدة من الجماعة الإرهابية، وآخرون بجنسيات أوروبية لمهاجمة الانتخابات المصرية مقابل أجور طائلة ستُدفع وفقًا لعدد الدقائق وحرفية الأكاذيب، وسوف تخصص هذه القناة فترات بث مطولة لنشر أكاذيبها حول مصر وإنجازات الرئيس طوال الفترة الرئاسية الأولى، وستتم الاستعانة بالمنظمات والمراكز المشبوهة فى مجال حقوق الإنسان، ومنها أو أشهرها ما يعرف بـ«مركز العلاقات المصرية الأمريكية»، هذا المركز المشبوه الذى تموله قطر بصورة مباشرة، وقد تأسس فى ٢٠١٣ بواشنطن، طبقًا لقانون ولاية ميرلاند، بهدف التعليم والبحث وتعزيز حقوق الإنسان، لكن ممارساته فضحت إخوانية توجهاته، فقد أصدر بيانات ضد الدولة المصرية وقراراتها الاقتصادية الأخيرة، وشارك فى تنظيم الوقفات الاحتجاجية خلال زيارة الرئيس الأخيرة للولايات المتحدة، ويضم هذا الوكر الإخوانى شخصيات عديدة مثل: عبدالموجود الدرديرى، مسئول العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، ووائل قنديل، رئيس تحرير جريدة العربى الإخوانية.

وستكون المهمة الأكبر لهذا المركز الانضمام للدعوة «الثلاثية» لإجراء انتخابات رئاسية موازية على شبكة الإنترنت فى نفس توقيت الانتخابات الرئاسية فى مصر والخارج، وهى دعوة من المقرر أن تنطلق من لندن وإسطنبول فى الوقت نفسه، على غرار الدعوة لانتخابات البرلمان البديل فى العام ٢٠١٠.

وهناك أدوار في حفل الأكاذيب للقنوات الإخوانية التي تبث برامجها من تركيا ولندن، والتي قيل أنها تلقت مبالغ إضافية لزيادة إيقاع الأكاذيب والشائعات.

ولا أعتقد أن كل هذه الشائعات والأكاذيب الخارجية، سوف تكون أفضل حظا من الأكاذيب الداخلية التي تم فضحها، وأشهرها ما سمي بـ" مشروع المليون سي دي لفضح جرائم قائد الانقلاب" التي انطلقت من مسقط رأس خيرت الشاطر وهي قرية كفر الترعة القديم ، والتي كانت تسعى لتوزيع اسطوانات مدمجة تحمل تشهيرًا وعبارات وصورًا مسيئة للرئيس، و الدعوة لمقاطعة صناديق الاقتراع  على المواطنين بقرى المحافظة، وقد نال من قاموا بالمحاولات الأولى للتوزيع جزاءهم من أهل القرية والقرى المحيطة بها ، وهو جزاء لايمكن أن ينسوه لأن أثاره ستبقى على أجسادهم لفترة طويلة  ، وبعدها تم تسليمهم إلى الشرطة.

 هم إذن لا يملكون إلا سلاح الأكاذيب والشائعات ودعوات المقاطعة أو الانتخابات الموازية، وهي خطة ثلاثية لم تعد سرية، بعد أن انكشفت كافة تفاصيلها رغم المليارات التي أنفقت عليها، ولذلك استحقت لقب " الخطة الغبية" لتشويه الانتخابات الرئاسية.

من الذي علمهم أن المعارك المصيرية للدول والشعوب يمكن أن تحسم بالأكاذيب والشائعات مهما كان حجمها أو ثمنها؟، لو كانوا يعرفون قيمة وطن مثل مصر ، لما أنفقوا الغالي والنفيس على هذا السلاح الرخيص.