رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الفالنتين بالقبطي».. 4 حكايات عن الحب

جريدة الدستور

قديس تزويج المواطنين فى روما خلال القرن الثالث الميلادى وراء «احتفال ١٤ فبراير»

عيد الحب أو «يوم القديس فالنتين»، يحتفل به جموع البشر فى شتى أنحاء العالم، فى ١٤ فبراير من كل عام، حسب الكنيسة الغربية، أو فى ٦ يوليو، حسب الكنيسة الشرقية، إحياءً لذكرى القديس فالنتين، قديس المشاعر الإنسانية، الذى جاء من ولاية أومبريا الإيطالية، وأصبح أسقفًا فى «تيرنى» بروما.
فالنتين أو فلنتينوس كان أسقفًا فى روما، عاش فى القرن الثالث للميلاد مع القديس ماريوس وعائلته فى عهد الإمبراطور كلاوديوس الوثنى، الذى اضطهد المسيحيين، ونشر مرسومًا بمنع الزواج، فما كان من فالنتين إلا أن خالفه وزوج المخطوبين.
وكان القديس «فالنتين»، يزور السجون، ويساعد ويشجع المعترفين والشهداء على تحمل العذابات واضطهاد الإمبراطور كلوديوس الثانى، بعدما أعلن الأخير حالة الاستنفار، وبدأ بجمع الشباب الأقوياء لينضموا إلى جيشه محاولًا أن يحفزهم بالمال، وكذلك الشباب الأعزب.
ولأن الإمبراطور كان يعلم أن الحرب ستطول، وقد لا يعود الجنود الشباب، أصدر أمرًا يمنع الزواج فى الإمبراطورية، وأمر بأن تفسخ جميع الخطوبات القائمة، إلا أن «فالنتين»، كان يدعو الجميع سرًا إلى كنيسته ويزوجهم، ولما علم «كلاوديوس»، بما يقوم به «فالنتين»، من تزويج الرجال والنساء المسيحيين المرتبطين ببعضهم بعضًا، بالإضافة إلى مساعدة المسيحيين الذين يُضطهدون فى روما، حيث كانت مساعدة المسيحيين تعتبر جريمة فى ذلك الوقت، أمر باعتقاله.
وأرسله الإمبراطور إلى حاكم روما، الذى حاول معه بوعود كثيرة أن يحوله عن الإيمان لكنه فشل، فأمر بضربه ضربًا مبرحًا بالهراوات والحجارة، ثم قطع رأسه فى الرابع عشر من فبراير حوالى سنة ٢٧٠م، وفى عام ٤٧٦ ميلاديًا أعلنته الكنيسة الكاثوليكية قديسًا، ودفن فى شارع فلامينينا بروما، وبنيت كاتدرائية باسمه بروما، تخليدًا لذكراه.

العشق فى الكتاب المقدس: يعقوب عمل ١٤ عامًا للفوز بـ«راحيل»
بين الحب من النظرة الأولى والغيرة حد الارتباك والوقوع فى بعض الشرور.. هكذا تفيض صفحات الكتاب المقدس بقصص الحب التى يذكرها مدونوها فى إطار الحدث التاريخى، لكن المدقق يستطيع أن يأخذ منها أروع الأمثلة فى كيف يكون الحب.. فالشخصيات المذكورة فى الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد «أى ما قبل السيد المسيح وما بعده» تحمل الكثير من نقاط الضعف مثلما تحمل من القوة، ما يؤكد مدى مصداقيتها كونها من لحم ودم، فهذه الرتوش والسقطات هى ما أعطت للشخصية صدقها ولقصص الحب قوتها.
القصة الأولى عن «يعقوب وراحيل» التى ضُربت مثالًا فى كيف يصل الحب بالأفراد، فالرجل يمكنه التنازل لأبعد مدى من أجل الفوز بقلب حبيبته التى عشقها من النظرة الأولى، وكذلك المرأة أيضًا يمكنها أن تترك كل شىء من أهل وأحباء وتتغرب من بلدها لتظفر بالوجود مع حبيبها.
وقصة يعقوب تتلخص فى أنه أحب راحيل ابنة خاله عندما رآها لأول مرة، فاستغل خاله «لابان» هذا الحب، واشترط أن يعمل لديه مدة ٧ سنوات كاملة، وصفها الكتاب المقدس بأنها كانت فى عينيه كأيام قليلة بسبب محبته لها، وبعد انقضاء المدة المتفق عليها تزوج ابنة خاله لكنه فوجئ أنها «ليئة» أختها وليست راحيل بعدما خدعه لابان واستبدلهما، واستغل الخال محبة يعقوب لراحيل مرة ثانية وطلب منه الاستمرار فى العمل ٧ سنوات أخرى، وبالفعل تزوجها فى النهاية بعد فترة استغناء عن حريته وكرامته لأجلها، وأما راحيل فقد تركت أهلها وعشيرتها وكل حياتها السابقة وانضمت إلى أرض غربة زوجها.
وتذكر القصة أيضًا أن يعقوب حزن على راحيل بعد وفاتها فى شيخوخته حتى إنه أقام لها ما يشبه نصبًا تذكاريًا ليكون ذكرى لها.
القصة الثانية عن سارة التى تزوجت من إبراهيم فى أور الكلدانيين وكانت أصغر منه بعشر سنوات (تكوين ١١: ٢٩-٣١ و١٧: ١٧). وعندما خرج إبراهيم من حاران كان عمر سارة ٦٥ سنة (تكوين ١٢: ٤) لكنها كانت جميلة رغم ما بلغته من العمر، وكانت محتفظة بقوتها وشبابها.
بعد مغادرة حاران وقبل النزول إلى مصر، تحدث إبراهيم مع سارة وطلب منها أن تخفى أنها زوجته وتقول إنها أخته، وقد كانت بالفعل أخته ابنة أبيه ليست ابنة أمه، وكان سبب طلب إبراهيم ذلك خوفه من أن جمال سارة يلفت نظر المصريين إليها، فيقتلونه ويأخذونها. وأطاعت سارة زوجها. فأخذها ملك مصر، لكن الله منعه من الاقتراب إليها. ووبخ فرعون زوجها عندما أعلن له الله الأمر.
وبعد عدة سنين سكن إبراهيم فى جرار وقال عن سارة إنها أخته، فطلب أبيمالك أن يتزوج منها، ربما لغرض إيجاد تحالف مع الأمير البدوى القوى. وهنا أيضًا منع الله أبيمالك من الإساءة إلى سارة (تكوين ٢٠: ١-١٨).
ورغم التفسيرات التى تأتى فى اتجاه ضعف إيمان إبراهيم فى هذا الموقف أو كذبه «لأنه ذكر نصف الحقيقة من ناحية أنها أخته ولم يقل زوجته»، لكن من ناحية أخرى قد تدل على مدى علم إبراهيم بجمال سارة إلى حد الارتباك الذى يجعله يقع فى كل هذه الأخطاء. كما تشهد القصة أيضًا على محبة وطاعة سارة لزوجها مهما كان خطؤه.
وترسخ الكنيسة لهذه الفكرة فيما يُعرف بوصية الكنيسة للعروس، التى تتلى أثناء طقس صلاة الإكليل على الزوجين، فتقول الكنيسة فى وصيتها للعروس: «كونى معه كما كانت أمنا سارة مطيعة لأبينا إبراهيم وكانت تخاطبه يا سيدى. فنظر الله إلى طاعتها له وبارك عليها وأعطاها إسحق بعد الكبر. وجعل نسلها مثل نجوم السماء والرمل على شاطئ البحر».

الأب بيشوى وزوجته أنجيل.. «الزواج العذرى» ينتصر على الجسد.. وخدمة الكنيسة تنتصر لذات الإنسان
بين نذور الحب العذرى، والفناء فى العشق الإلهى، جمع القدر بين سامى كامل، وزوجته أنجيل باسيلى، عام ١٩٥٩، ليقررا معًا ربط مصيرهما للأبد، فى قصة حب، نجحت فى أن تكوت مضرب الأمثال، وأن تنضم إلى مثيلاتها من أشهر قصص العشق عبر التاريخ.
كان سامى متعدد المعارف قبل التعرف على أنجيل، بعدما أكمل دراسته فى الجيولوجيا والآداب، والتربية، ثم التحق بخدمة الكنيسة فى مدارس الآحاد، التى زادت من رغبته فى الالتحاق بسلك الرهبنة، ما يفرض عليه البقاء بتولا طوال حياته.
كانت هى الأخرى ترغب قبل لقائه فى الرهبنة، وتبحث من جانبها عن سبل الانخراط فى خدمة الكنيسة، والحياة فى حضرة الحب الإلهى، بدلًا من الارتباط والانشغال بالزوج والأبناء.
لقاؤهما معا، والحب الذى جمع بين قلبيهما منذ اللحظة الأولى، أوقعهما فى دوامة الاختيار بين الاستمرار فى الحب الإلهى أو الانخراط فى الحب الجسدى الفانى، وفى لحظة اتفاق روحى نادر، قرر سامى وأنجيل الإقدام معًا على خطوة لم يسبقهما إليها أحد، عبر تتويج علاقتهما بالزواج، على أن يكون من نذوره بقاء الحب بينهما روحيًا لا جسديًا.
وارتضى الاثنان أن تجمع بينهما روابط الزواج المقدس، والحب الإلهى فى آن واحد، بأن تكون العلاقة بينهما روحية لا جسدية، تسمح لكل منهما فى الإبقاء على بتوليته، فى الوقت الذى يعين كل منهما الآخر فى الانخراط بشكل أكبر فى خدمة الكنيسة.
عقب زواجهما الذى توج بصلاة الإكليل يوم ٢٤ نوفمبر ١٩٥٩، بأسبوع واحد، تمت سيامة سامى كاهنًا، ليعرف بعدها باسم القس بيشوى كامل، كما قبل بسيامتها خادمة مكرسة للكنيسة، لتحمل اسم تاسونى أنجيل.
بعد الزواج، كثف الزوجان المحبان من أنشطتهما فى خدمة شعب الكنيسة، حتى اشتهرا معًا بقدرتهما على الحب والعطاء والتضحية، وهو ما استمرا فيه سنوات طويلة، حتى شاء القدر من جديد أن يبتليهما باختبار آخر، يمتحن به قدرتهما على الصبر والتحمل.
ففى عام ١٩٧٦، بدأت رحلة الأب بيشوى مع مرض السرطان القاسى، الذى كان اختبارا لصلابة العلاقة التى اجتمعت على الحب الإلهى، لكن صلابة العلاقة بينهما وتضحيات الزوجة المخلصة كانت أكبر دليل على الطبيعة الفريدة للزوجين.
وطوال سنوات ثلاث، لم تنقطع التراتيل والصلوات من بيت المحبين، كما لم تنقطع زيارات الأطباء وغرف العمليات فى المستشفيات، بمصر وخارجها، حتى شاء الله أن يقبض إليه الأب المحب بيشوى كامل، ليتخلى للمرة الأولى رغم إرادته عن الوقوف إلى زوجته المخلصة.
ففى يوم ٢١ مارس عام ١٩٧٩، صعدت روحه الطاهرة إلى السماء، بعد أن أنهكه المرض، وانطلقت معها صرخات محبيه، الذين فاجأهم الخبر المشئوم، ولم يمنعهم إلا تدخل الزوجة المحبة، التى خرجت إليهم فى رداء أبيض، لتحتفل بينهم باليوم الذى حقق فيه زوجها مراده، وخلدت روحه بين القديسين، بعد أن التحق أخيرا بملكوت السماء.

الكنيسة تطلق «كورسات» عن الحب قبل الارتباط الرسمى.. وقس: «حتى يكون الإنسان مسيحيًا يجب أن يكون محبًا»
أطلقت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، برعاية مراكز المشورة الأسرية التابعة لها، دورات تثقيفية لإلقاء الضوء على مفهوم الحب فى المسيحية، وأهميته كشرط لإقامة حياة زوجية، وحدود التعامل بين الشباب والفتيات الأقباط فى مرحلة الارتباط ما قبل الزواج.
وكشف مصدر كنسى عن أن تلك الدورات أصبحت إجراء ضروريًا ضمن خطوات الزواج فى المسيحية، تطبقها جميع الكنائس، وليس الأرثوذكس فقط. وتضمنت المحاضرات التثقيفية لهذه الدورات مفهوم لغات الحب الخمس، وكيفية التعامل مع شريك الحياة من منظور الحب المسيحى.
وقال القس أرسانيوس جابر، راعى كنيسة الشهيد أبى سيفين للأقباط الأرثوذكس بحلوان، لـ«الدستور»، إن المحبة هى طبيعة الله، فالإنجيل ينص على أن «الله محبة».
وأضاف أن صفات المحبة التى وضعها بولس الرسول، هى صفات تُفيد الإنسان المُحب قبلما تُفيد المحبوب، لأنها تريح النفس وتهذبها، مشيرًا إلى أنها ليست صفات تعسفية وصعبة كما يروج البعض، بل هى صفات تحتاج لممارسة عملية ومستمرة.
وعن أهمية المحبة قال أرسانيوس: «إن الإنسان حتى يكون مسيحيًا يجب أن تكون له محبة»، مؤكدًا أنها شرط من شروط الفوز بالنصيب الصالح والسماء، فى إشارة إلى أن النص الإنجيلى يقول «إذا كنت لا تحب أخاك الذى تراه، فكيف تحب الله الذى لا تراه».
وعن الفرق بين المحبة الحقيقية واللذة الحسية، قال القس أنطونيوس فكرى، راعى كنيسة السيدة العذراء للأقباط الأرثوذكس بمنطقة الفجالة بوسط القاهرة، إن اللذة مؤقتة ولحظية كنور البرق، أما الفرح الناتج عن المحبة فدائم كنور الشمس.
وعن أنواع المحبة، ذكر القس أنطونيوس أن هناك نوعين من المحبة، النوع الأول هو المحبة الطبيعية كمحبة الأم لابنها والزوج لزوجته، وهذه المحبة مُعرَّضة لأن تضيع، ومن الممكن أن تتغير المحبة الطبيعية بل وتضيع، لذلك فهى ليست مبررًا لدخول إنسان للسماء، أما النوع الثانى من المحبة فهو العطية من الله وثمار هذه المحبة حياة أبدية.
واهتمت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمشاعر الحب اهتمامًا كبيرًا، إلى درجة أنها أطلقت على إنجيل القديس يوحنا اسم «إنجيل المحبة»، نظرًا لتضمنه أكبر قدر من الآيات التى تعكس محبة الله للبشر.
واختارت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الإصحاح الـ١٣ من رسالة الرسول بولس إلى شعب مدينة كورنثوس، ليحمل مُسمى «إصحاح المحبة»، وذلك بعدما نجح بولس فى ذكر الصفات الكاملة للإنسان المُحب بشكل عام.
وكان الرسول بولس قد شبّه فى خطابه عن المحبة الإنسان الذى يتمكن من التكلم بألسنة الناس والملائكة وله موهبة التنبؤ، ويعلم جميع الأسرار وكل علم، ولكنه ليس بمحب، مثل النحاس الذى يطن، أو الصاج الذى يرن ولا ينتفع به فى شىء.
واشترط «بولس» على الإنسان المُحب أن يتأنى ويرفق، ولا يحسد، ويتفاخر، ولا ينتفخ، ولا يقبح، ولا يطلب ما لنفسه، ولا يحتد، ولا يظن السوء، ولا يفرح بالإثم بل يفرح بالحق، ويحتمل كل شىء، ويصدق كل شىء، ويرجو كل شىء، ويصبر على كل شىء، مؤكدًا أن النبوات ستبطل، والألسنة ستنتهى، والعلم سيبطل، أما المحبة فلن تسقط أبدًا، مؤكدًا أن الثلاث فضائل العُظمى فى المسيحية هى الإيمان، والرجاء، والمحبة، ولكن أعظمها المحبة.