رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محسن عيد يكتب: «الحرب الشاملة 3.. أبناء سيناء في قلب الملحمة يهتفون الله أكبر»

محسن عيد
محسن عيد

انطلقت الطائرات في الجو وأزيزها يهز أركان سيناء كأنه النفير، على ارتفاعات مختلفة تمخر عباب الهواء لتحيل حالة الهدوء الحذر إلى حياة.. قفز الشيوخ من على أرائكهم وقوف، والشباب إلى أسطح منازلهم يصعدون ليشهدوا المشهد الذي ما خبروه منذ السادس من أكتوبر عام 1973، فأدركوا بحسهم وتاريخهم وخبرتهم أن هذه الطائرات من سلاح الجو في الجيش المصري.. تطير الطائرات في خطوط دائرية تمسح سيناء شمالها وجنوبها، وشاهدوا ألسنة اللهب تتصاعد من أماكن خبروها أنها كهوف الارهابيين الذين تصوروا أنهم يمكن أن يستوطنوا سيناء دون أن يعرفوا أن هذه الارض تحرق كل خبيث تطأ أقدامه أرض الفيروز.. أحس السيناويون في مدن سيناء وقراها أن هذه الطائرات تقذف النار فوق رؤوس الإرهاب، وأحس كل سيناوي أن تلك الطائرات تحتضنهم، وتربت على ظهورهم في حنو الأب، وحب الأم، وذراع الأخ، وأطلقوا أعينهم إلى بعيد فإذا بجنودنا وأبطالنا من جيش وشرطة يتحركون وكأنهم ملائكة والدبابات والسيارات العسكرية تشكل حالة من التحدي أمام الناظرين.. عندئذ هتف أحد شيوخ سيناء وصوته يغطي على صوت أزيز الطائرات «لقد صدق السيسي».

وما هي إلا دقائق حتى سمعوا صوت العقيد أركان حرب تامر الرفاعي المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة بصوته الجهوري الحاد المنضبط حاملًا كل معاني الجدية وثقة الجندية وقوة العسكرية وهو يقول: «تريد القيادة العامة للقوات المسلحة الشعب المصري العظيم بالتعاون مع القوات المسلحة في مواجهة الإرهاب واقتلاع العناصر الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار الوطن»، والتي أعلن أنها الحرب الشاملة في البيان الأول لبدء الحرب لاقتلاع الإرهاب وتخليص الوطن من شروره وآثامه.. عندها وقف أحد الشيوخ رافعًا يديه إلى السماء ونظرات قلبه تخترق السحب والحجب مناديًا: الله أكبر الله أكبر.. تحيا مصر.

خرج الشباب من بيوتهم، وتخلصوا من خوفهم وذعرهم إلى عرض الشوارع وأنظارهم مصوبة إلى جنودنا وضباطنا من الجيش والشرطة وهم يمسحون الشوارع ويجوبونها في إيمان وتحد ويصطادون الإرهابيين كالفئران المذعورة، وعندما فر بعض الإرهابيين واختبأوا من سطوة وقوة قواتنا هرع إليهم الشباب، وشلوا حركتهم وكبلوهم وسلموهم لقوات إنفاذ القانون، ليصنعوا ملحمة من التضامن بين الشعب والجيش والشرطة في حرب هي الحرب المقدسة للقضاء على الإرهاب.

فقد عانى الأهالي في سيناء من ويلات الإرهاب، في ظل التهديد المتواصل من الإرهابيين الذين لا دين لهم ولا ضمير ولا وطن، يقتلون الناس بدم بارد نهارًا وأمام أعين أهلهم وجيرانهم وذويهم.. يدرك أبناء سيناء أن الارض أرضهم ولن يتركوها حتى تتطهر من رجس الإرهاب، لأنهم كانوا دومًا يؤمنون بأن قدرهم الدفاع والزود عن بوابة مصر الشرقية.

كانت هذه المشاهد كفيلة بأن تعيدهم إلى أجواء حرب أكتوبر، في التفاعل مع قوات مصر من جيش وشرطة، فإذا بالتجار يفتحون مخازنهم ويوزعون ما لديهم من مؤن على الأهالي مجانًا، حتى أصحاب المخابز منذ لحظة انطلاق طائراتنا، ومرور العربات العسكرية، وتحرك الدبابات قام أصحاب المخابز بتوزيع الخبز على الأهالي دون مقابل، أما الذين كانوا في الجانب الغربي للقناة ولم يتمكنوا من العودة، قام الأهالي بمدن القناة بفتح منازلهم أمام كل سيناوي للإقامة فيها، مشاعر وأحاسيس الحرب الشاملة كانت متدفقة أعادت للأذهان الصورة الناصعة والواضحة المعالم والمحددة الألوان والخطوط لما كانت عليه مصر في حرب أكتوبر المجيدة.

تحدث معي أحد الزملاء الصحفيين وهو سيناوي حتى نخاعه، تسكن العريش في قلبه، والشيخ زويد في رئتيه، ورفح في شرايينه، ويعمل في صحيفة يومية زميلة، وله مع الإرهابيين ألف قصة، أهمها أن الإرهابيين يومًا حاصروا بيته بأعتى الأسلحة بقصد نحره أمام أهله وذويه، ولكن العناية أنقذته، وجاء إلى القاهرة، هو يريد العودة إلى سيناء ليشم رائحتها ويملأ رئتيه من عبيرها، ولكن الإرهابيين ينتظرونه.. وغيره من شباب آمنوا بالوطن قيمة ورمزًا وتاريخًا، ويؤكد أنه منذ تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي بالقضاء على الإرهاب في مدة أقصاها ثلاثة أشهر، وعملية جمع المعلومات عن الإرهاب وأفراده وأماكن اختبائه على قدم وساق، وتعاون السيناويون مع وطنهم وأمدوا الأجهزة بالمعلومات، وحبسوا أنفاسهم حتى ساعة الخلاص من الإرهاب الذي حول حياتهم إلى جحيم، حتى كانت ساعة الصفر في الحرب الشاملة في كل أرجاء سيناء وبكل الأسلحة والتشكيلات الكفيلة بدفن الإرهاب دون عزاء إلى غير رجعة تناله اللعنات في الأرض والسماء.. وشدد على أن السيناويين يطالبون الدولة بإمدادهم بما يكفيهم من مؤن الغذاء ليتمكنوا من مواصلة مقاومة الإرهاب الأسود.

وبطولات السيناويين لا تتوقف بفعل الزمن أو الظروف ولكنها كيمياء النضال والوطنية، فالبطولات التي قام بها أبناء وأهالي سيناء بعد احتلال سيناء عام 1967 ومرورًا بحرب الاستنزاف وحتى نصر أكتوبر المجيد عام 1973.. يدخل الكثير منها في مصاف المعجزات الخارقة.. منها بطولات قاموا بها من تلقاء أنفسهم.. وهي كثيرة.. ومنها ما قاموا بتقديمها بالتعاون مع جهاز المخابرات.. منهم من استشهد ومنهم من سجن بالسجون الإسرائيلية.. ولم تقتصر هذه البطولات على قبيلة معينة أو فئة.. فكل أهالي سيناء شاركوا بلا استثناء وقدموا مساعدات هائلة للوضع وللقوات المسلحة.. رجال ونساء وشباب وأطفال وشيوخ.. فهذا هو الشيخ حسن خلف والملقب بشيخ المجاهدين والذي التقيته عام 2008 فإذا به رغم كل عوامل السن متقد الذاكرة، تسكنه الوطنية المصرية، وتحرك كل خلايا ذاكرته، والذي بدأ عملياته ضد العدو منذ كان طالبًا بالصف الثاني الثانوي، والذي أرسلته المخابرات المصرية إلى داخل إسرائيل ليقوم بتصوير مواقع مهمة داخل تل أبيب، ثم يواصل رحلته في المقاومة والعمليات الفدائية، وغيره من السيناويين أمثال محمد محمود اليماني وموسى رويشد والملقب بمهندس الألغام ومتعب هجرس والشيخ عيد أبو جرير ومئات أخرى من الفدائيين في سيناء والذين كرمتهم الدولة بمنحهم أنواط الشجاعة لما قدموه للوطن ومنهم المجاهدة فهيمة أول سيدة بدوية تعمل في منظمة سيناء العربية التي تضم الفدائيين والمناضلين والمجاهدين، فهي حاملة جهاز اللاسلكي المتنقلة التي لا يدخل قلبها الخوف من العدو الإسرائيلي، وناقلة التموين للأفراد خلف الخطوط، وأول سيدة يتم تكريمها بواسطة رئيس الجمهورية هي وزوجها بمنحهما نوط الشجاعة من الطبقة الأولى، لقد قامت فهيمة بإيواء أحد الفدائيين في منزلها لفترة طويلة بعد أن حفرت له حفرة كبيرة وضعته فيها وغطته بأكوام من الحطب، وكانت تقدم له الطعام والشراب وهو في حفرته، وكانت سعيدة لأنها تقدم العون لمصر والمعلومات التي تفيد القوات المسلحة المصرية.

وما زال التاريخ يذكر ولن يتوقف عن ذكر مؤتمر الحسنة، في عام 1968 عندما دعت إسرائيل لإقامة مؤتمر موسع بمدينة الحسنة بوسط سيناء شارك فيه وفود يمثلون حكومات دول العالم والأمم المتحدة وجميع وسائل الاعلام العالمية، وجمعت إسرائيل مشايخ قبائل سيناء في مؤتمر كبير عقد في الحسنة.

وحاولت تحريضهم على إعلان قيام دولة مستقلة لهم في سيناء، وعرضت عليهم المزايا والدعم الخارجي والمستقبل الزاهر، ولكنها فوجئت بموقف ورد سريع من مشايخ القبائل عندما جاء الرد بالتنسيق الكامل بين شيوخ القبائل والمخابرات العامة المصرية من خلال شيخ المحامين سعيد لطفي بصحبة شيخ المجاهدين سالم الهرش والشيخ خلف الخليفات، وأعلن الشيخ سالم الهرش أمام عدسات التلفزيون بصوت جهوري: إن باطن الارض أولى بنا من ظهرها اذا ما قبلنا هذا الأمر.‏.‏ مصريون ولدنا واستشهدنا وسنبقي إلى أن نموت ومن يريد التحدث بشأن سيناء فعليه الذهاب إلى الرئيس جمال عبد الناصر‏.

إن أبناء وأحفاد المجاهدين في سيناء على مدار تاريخها يعيدون اليوم ملحمة النضال في مواجهة ومكافحة الإرهاب الذي أحال حياتهم إلى جحيم، ويأملون ويثقون في جيشهم وشرطتهم حتى نهاية الخلاص من آخر إرهابي على أرض سيناء.