رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محسن عيد يكتب: بين الرقص الشرقي والرقص الحزبي

محسن عيد
محسن عيد

كثيرون يرون الرقص الشرقي باعتباره فنا راقيا ساميا، ويصفه آخرون بأنه رياضة يحتاجها الجسم للتخلص من كل الزوائد والادران والشحوم التي تثقل كاهل الجسم، ويصفه فريق ثالث بأنه رجس من عمل الشيطان لأنه يشجع علي تأجيج الغرائز، ولكن لم يختلف أحد علي أن الرقص السياسي هو أسوأ أنواع الرقص علي مر العصور، ورغم أن الرقص الشرقي أصبحت له مدارس وقواعد وبدأ يغزو حتي الدول الغربية، إلا أن الرقص السياسي يجيده ويبرع في أدائه بحرفية وتميز بعضا من أولئك الذين لا يهمهم الوطن،ويعتبرون وطنهم مجرد "كوبري" أو "توصيلة" للنفاذ إلي مخططاتهم في تحقيق السلطة والمال،وهؤلاء الذين إعتبروا عبارات الوطنية مجرد إسترزاق وتحقيق المكاسب..
وقد يبدو أن الربط بين الرقص الشرقي والرقص السياسي ليس منطقيا، ولكننا نري أنه توصيف للحالة التي نعيشها في مصر الان ومنذ عام 2011، عندما هجم الراقصون علي مقدرات هذا الوطن وتارخه، وبدأو يدغدغون مشاعر الناس بعبارات الحكم باسم الدين، حتي فاق الشعب من غفوته وأجبر كل الراقصين علي إنهاء وصلة الرقص، وطردهم من فوق سدة الحكم،ولكن بقيت بعض ذيول الراقصين تحاول أن تتلوي وترقص ليلا وتمارس تدريباتها لعلهم يصعدوا إلي مسرح الرقص السياسي مرة أخري.. الرقص الشرقي يصفه كثير من خبراء علم النفس بأنه وسيلة فعالة للتخلص من الاكتئاب وضغوط الحياة وأعبائها،فهو يعتمد علي أداء الحركات الرياضية وبخاصة في منطقة الجذع والاطراف، وهو الامر الذي يعمل علي تفريغ الطاقات السلبية التي يحملها الجسم ليضيف للراقصة حالة معنوية جيدة.. أما الرقص السياسي فهو يعتمد علي حركات "بهلوانية" من الجسم بكل أعضائه للوصول إلي عقول الناس زوا وبهتانا،وهو ما يصفه الاطباء النفسيين بالمرض،وينعته القانون بالجريمة.
لا توجد فتاة أو سيدة لا تمارس الرقص في منزلها، فالرقص الشرقي قاصر علي المرأة رغم محاولات بعض الرجال الدخول إلي هذا العالم ولكنه يقابل بالاستهجان والاستنكار، أما الرقص السياسي فانه سداح مداح، ويبرز فيه الرجال الذين يجيدون هذا الرقص ويمتلكون أدواته ويعرفون قواعده مع بقاء مكان للنساء فيه، ولا يتوقف الرقص السياسي علي سن بعينه أو فئة بعينها.
الرقص الشرقي يعتمد علي أداء حركات جسدية لا تتعداها إلي إستعمال العقل كثيرا، أما الرقص السياسي فهو يعتمد علي عقل متقد، متورم بكل أنواع الفساد، ولديه قدرة فائقة علي تغيير ملامح الحقيقة لتظهر للناس أنها الحقيقة الوحيدة التي لا يجوز أن يركنوا إلي غيرها، فالراقصين علي مسرح السياسة لديهم القدرة علي إعمال عقلهم وتطويره بكل عناصر المرحلة، فيتنقلون من الامر إلي نقيضه، كما النصاب أو هم أشد خطرا لأن النصاب يستولي علي مال ضحاياه أما الراقص السياسي فانه يستولي علي مال الوطن ومال الشعب ويقوم الناس بتسليم الراقصين لاراداتهم ليعبثوا فيها.
الراقصة الشرقية معروفة بكل تفاصيلها وتحركاتها ومنهن تحية كاريوكا ونجوي فؤاد وسهير زكي وصوفينار، ويذهب الناس إليها في حفلاتها الراقصة، وبعضهن قدمن أعمالا وطنية جليلة، إلا أن الراقص السياسي يبقي يحمل في يده "مسبحة" وفي اليد الاخري "شفرة موس"، يزرع في أذهان الناس أنه صاحب الفضيلة والقيم والمثل، وفي نفس الوقت يخرج الشفرة من جيبه يمزق عقول البسطاء ويستولي علي جيوبهم ويستولي علي المال العام، ولكن يبقي الراقصون علي مسرح السياسة حتي ينكشف أمرهم ويدرك الناس جريمتهم..
يقولون عن الرقص الشرقي أنه فن مصري كان يمارسه الفراعنة إحتفالا بمواسم النصر أو الحصاد أو الفيضان، والرقص السياسي مارسه الكثير وظهرت ملامحه أكثر عفونة منذ ما قبل يناير 2011 عندما ظهر بعض التلاميذ الباحثين عن المال بالتعاون مع كل من يدفع لهم، فباعوا وطنهم من أجل حفنة دولارات، وتنبه الشعب إلي رقصة الخيانة بعد أن تعاونوا مع إخوان الارهاب وزبانيته، فألقي بهم الشعب وبأولياء نعمتهم الذين كانوا يتنطعون علي أبوابهم، وهم الان يتنطعون عند أسيادهم في الخارج بعد أن فروا مطرودين مذعورين من هبة شعب حافظ علي هويته، ومازالو حتي الان يمارسون دور الراقص ولكننا نعرف أنها رقصة النهاية.
الرقص الشرقي فوق كونه رياضة تقوي الجسم وتحميه من الترهل ويحمي الجسم من مخاطر السمنة المفرطة، فان الرقص السياسي يصيب الجسم بالترهل،وانتفاخ الكرش، ويصيب صاحبه بالامراض اللعينة، والغريب أن الراقص السياسي لا يتعظ أبدا، بل يستخدم أمراضه في أداء حركات إبداعية جديدة من تأليفه، ولا يمكن أن تجد راقصا سياسيا سابق، في الوقت الذي تجد فيه راقصة معتزلة آثرت أن تتوقف وصلاتها الراقصة، لانها لم تعد تري حالات الاعجاب والتصفيق من الجمهور، أو أنها اكتفت بما حققته فتعود إلي حياتها بلا رقص.
تحقق الراقصة عشرات أو مئات الاف من الجنيهات مقابل أدائها لجهد بدني، أما الراقص السياسي فان البنوك تكتظ بحساباته داخل مصر أو خارجها بملايين الدولارات والاسترليني دون أن يكتفي بعد أن كان حافي القدمين أو يلبس "شبشب" علي أقصي تقدير، يبيعون الوطن ويتحصلون علي مقابل، وهناك من المنظمات والمؤسسات وأجهزة المخابرات بل إن بعض الدول تدفع بسخاء بعضها في صورة مؤتمرات وبعضها تمويل لأنشطة وهمية..
يتفق كل من الرقص الشرقي والرقص السياسي في أنه يحتاج إلي سلطة خارج إطار الدولة والقانون تحميه، فالرقص الشرقي يجد مبتغاه في شخص منحرف يقبع خلف سلطة، أما الراقص السياسي فهو يسعي ليكون جزءا من السلطة فيتسلل إليها، وعندما تنكشف رداءته يجري ويولول أما أبواب ومواقع المنظمات المشبوهة التي لا تتوان في إتهام الدولة المصرية بأنها تعادي حقوق الانسان وحرية الرأي، لأن هذه المنظمات تريد أن يبقي الراقصون الذي يرتبطون بها ويدورون في فلكها وينفذون مخططاتها أن يبقوا يمارسون رقصاتهم حتي لو أصبحوا بلا أطراف.
ولكن سبقي الشعب المصري كاشفا وطاردا لكل الراقصين علي أحبال السياسة، بحركاتهم البهلوانية وستتطهر الدولة من رجسهم، ولن يسقط الوطن، وسيبقي الوطن براياته فوق منصة التاريخ، وسوف يسقط الخونة والراقصين إلي نهاياتهم المحتومة التي حددها لهم شعب مصر.