رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتحدث باسم البرلمان السودانى: ننتظر مبادرة من رئيس مجلس النواب المصرى لحل القضايا العالقة

المتحدث باسم البرلمان
المتحدث باسم البرلمان السودانى

رأى عبدالماجد هارون، المتحدث الرسمى باسم المجلس الوطنى السودانى «البرلمان»، أن العلاقات المصرية ــ السودانية تحتاج إلى دفعة قوية من أجل استعادة طبيعتها التاريخية، مشددًا على أهمية حل جميع القضايا العالقة بين البلدين.
وقال «هارون» فى حواره مع «الدستور»، إن بلاده تشهد حاليًا طفرة فى علاقاتها الدولية والإقليمية، بعد نجاح جهودها، وحذف اسمها من قوائم الدول الراعية للإرهاب، مشيدًا بالتمثيل الحالى للمجلس الوطنى السودانى، الذى يضم جميع ألوان الطيف السياسى فى البلاد، ما يجعله معبرًا حقيقيًا ونزيهًا عن إرادة السودانيين فى النهضة والتنمية.

■ كيف تنظرون فى السودان إلى العلاقات بينكم وبين مصر؟
- منذ الاستقلال، كانت هناك أجيال متعاقبة ارتبطت بمصر ارتباطًا وجدانيًا وثقافيًا وفكريًا، فمصر فى هذا الوقت كانت مصدر إشعاع ثقافيًا فى المنطقة بأكملها، وسياسات السودان كانت تتوجه شمالًا، وظهر ذلك واضحًا فى «إعلان الاستقلال».
وداخل البرلمان كانت المناقشات تدور حول اتخاذ قرار الوحدة مع مصر أو الاستقلال الكامل، وعلى مستوى آخر، كانت المؤسسات التعليمية المصرية والمنح الدراسية التى تلقاها عدد واسع من السودانيين تسهم فى تأسيس وجدان متماسك تجاه مصر، والعلاقة معها، وهذا الوضع استمر حتى السبعينيات.
■ ما الذى أثر على العلاقة بعد ذلك؟
- تصاعدت الخلافات السياسية بين الدولتين، ثم حدثت ثورة المعلومات والاتصالات، ما أدى لنشوء جيل جديد، قل اهتمامه بالموروث، وأصبحت لديه خيارات ثقافية واجتماعية متعددة بفضل التواصل مع العالم عبر الإنترنت، فتراجع الرصيد المعرفى والارتباط الوجدانى بين الشعبين، وضعفت الروابط بصورة كبيرة.
تشكيل الصورة الوجدانية يتأثر بعوامل كبيرة، ومصادر متعددة، فى ظل حرية تبادل المعلومات، واستمرت المسألة فى التراجع.
■ هل هذه المرحلة لا تزال مستمرة؟
- المناوشات الحالية تؤثر بالتأكيد وأنا أتذكر أنه منذ افتتاح التليفزيون عام ٦٢، وحتى أواسط التسعينيات، كانت كل البرامج الترفيهية والثقافية والمسلسلات مصدرها السوق المصرية، وفى منتصف التسعينيات، اضطر السودان لفتح سوق أخرى للإعلامين السورى والتركى وغيرهما، لذا أصبح الشارع السودانى متأثرًا بالثقافة السورية، لذلك فالقضية مقلقة، وتحتاج إلى إعادة نظر من الطرفين، ويجب تناول القضايا بشىء من الصراحة، لسرعة حلها.
■ فى رأيك مَنْ المسئول عن هذا التراجع؟
- هناك مسئولية رسمية، لا بد أن تقوم بها الحكومتان، وهذه المسئولية لا بد أن تؤسس على مواجهة القضايا الخلافية وحلها، وليس تسكينها، لأنها تهدد العلاقات الشعبية، لذلك لا بد من الوصول إلى تفاهمات سياسية، والنظر بعمق إلى حل جميع القضايا العالقة، لأنها تسبب تمزقًا فى أوصال الروابط التاريخية بين السودان ومصر.
■ ألا يمكن حل هذه القضايا على المستوى البرلمانى؟
- فى تقديرى أن العلاقة بين البرلمانين المصرى والسودانى تحتاج إلى دفعة، فهى ليست فى مستوى العلاقات التاريخية بين البلدين، وأعتقد أنها بشكل أو بآخر متأثرة بالجو السياسى المحيط، وأتصور أن المسألة تحتاج إلى مبادرات جديدة.
■ من الجهة المنوط بها تقديم هذه المبادرات؟
- اللجان المختصة، فمن المفروض أن يكون هناك تواصل بين لجان البرلمان المصرى، ولجان البرلمان السودانى، ومن الممكن أن تكون هناك جمعيات صداقة بين البلدين، كى نتجاوز المستوى الرسمى إلى المستوى الاجتماعى، لأن هذا غير موجود.
■ ألا يوجد تواصل بين البرلمانين فى السنوات الأخيرة؟
- البرلمان المصرى الموجود الآن يعتبر نوعًا ما «حديث النشأة»، نظرًا للتحولات السياسية التى شهدتها مصر فى السنوات الأخيرة، وفى العرف البرلمانى، من المفترض أن يكون الطرف الناشئ هو الذى يسعى للانفتاح على الآخرين.
وبحكم وجودى فى البرلمان السودانى، فأنا لم أسمع عن أى سعى أو اتصال من الطرف المصرى، رغم وجود تجمعات برلمانية على مستوى المنطقة تجمع بين الأطراف السودانية والمصرية، مثل البرلمان العربى، والبرلمان الإفريقى، وهناك جهات أخرى دولية، لذلك أعتقد أن فرصة التواصل متاحة.
■ ألا يتحدث البرلمانيون فى هذه المنتديات؟
- أحيانًا تكون هناك مباحثات وحوار بين نواب البلدين، لكن ليس على مستوى العلاقة بين البلدين، خاصة أن العلاقات البرلمانية من الممكن أن تذيب الجليد الموجود على المستوى السياسى، لذلك أتمنى أن نخلق بيئة مواتية للتواصل والعمل المشترك والتنسيق، فى ظل الكثير من الروابط المشتركة، لكننى أرى أيضًا أن المفتاح الحقيقى لحل هذه القضايا هو البحث فى علاج حقيقى للمشاكل العالقة بين البلدين.
■ لماذا لم يُقدم البرلمان السودانى على المبادرة؟
- الحلول تقوم على تنازل الأطراف، واستعدادهم للجلوس مع بعضهم البعض لمناقشة المشاكل، والاعتراف بالمشكلة حتى الوصول إلى حل لها، لذا يجب أن تكون العلاقة بها حد أدنى من التواصل، حتى نصل لمرحلة المبادرات، وهذا غير موجود فى الوقت الحالى، ولا يوجد ترحيب بطرح أو مناقشة القضايا الحساسة.
■ ما الذى يمكن أن يغير الوضع؟
- نحن ننتظر مبادرة من رئيس البرلمان المصرى، يُجرى فيها اتصالا برئيس البرلمان السودانى، ويقدم طرحًا حول المشكلات العالقة بيننا، ويحرك الأوضاع، ويبدى رغبة فى حلها على مستوى البرلمان، وأعتقد أن أى خطوة مصرية ستقابل بترحيب فى السودان كله، لأن البرلمان يمثل نبض الشارع، ويجمع نوابًا للشعب، ويمثل إحساس المواطن، ولا يمكن أن نُحدث اختراقًا ما لم تكن هناك مبادرات تنفيذية، تعمل على معالجة هذه القضايا، لذا فالتواصل الرسمى من الممكن أن يسهل هذه النقطة.
■ بصفتك متحدثًا رسميًا باسم البرلمان.. ما أهم القضايا التى يناقشها المجلس الوطنى حاليًا؟
- البرلمان فى دورته الأخيرة التى بدأت فى سبتمبر الماضى، كان منشغلًا بتقرير «المراجعة العامة القومى»، وهو تقرير صادر عن جهة قومية مستقلة عن الحكومة، تُجرى مراجعة كاملة للنظامين المالى والإدارى فى البلاد، واستمع البرلمان إلى تقييم شامل من محافظ البنك المركزى السودانى، حول السياسات النقدية والمالية، وتقارير «هيئة المظالم والمحاسبة»، التى تعد هيئة رقابية تتولى تقييم الجهاز التنفيذى، فيما يتعلق بحقوق الناس وشكاواهم، والتقاضى الإدارى.
وفى الوقت الحالى، يستعد البرلمان لاستقبال مقترح ميزانية الدولة لعام ٢٠١٨، ومناقشتها، مع مناقشة تقارير الأداء لجميع الجهات التنفيذية والحكومية، عن عام ٢٠١٧، وخططها لعام ٢٠١٨.
■ كيف نجحتم فى ضم الحركات المسلحة إلى البرلمان؟
- بالحوار، فهو مفتاح الحل فى كل القضايا الخلافية، عبر ارتضاء الأطراف للجلوس معا، ووضع ضمانات كافية، والحوار الوطنى استمر عامين كاملين حتى وصل إلى مفرداته النهائية، التى استطاعت أن تستوعب جميع العناصر التى عزلت نفسها سابقًا عنه، حتى استطعنا إقناعها بترك السلاح، والجلوس معنا، وبدأنا الحوار الوطنى الشامل.
■ هل تتمثل جميع الأطياف فى البرلمان.. أم يغلب عليه الإسلاميون؟
- هذا البرلمان جاء بعد انتخابات حرة ونزيهة، ومراقبة دوليًا وإقليميًا، وفقا للدستور المعدل، الذى كان من مخرجات الحوار الوطنى، وفاز فيها حزب «المؤتمر الوطنى» بأغلبية، لكن فى المقابل فازت أحزاب أخرى، فالبرلمان السودانى متعدد الدوائر، والقوائم الحزبية جاءت بتمثيل متعدد، مع إضافة أكثر من ٥٠ عضوًا، كممثلين عن الجهات السياسية التى شاركت فى الحوار الوطنى.
ونتيجة لذلك، لدينا فى البرلمان تمثيل لكل الطوائف والأحزاب، فهو يضم ٦٣ حزبًا وجماعة وحركة وضعت السلاح، وارتضت أن تنضم للحوار الوطنى، وتشارك فى الحياة السياسية، وهناك أحزاب كثيرة فى البرلمان ليس لها توجه إسلامى، ففيها أقصى اليسار، وأقصى اليمين.
■ هل لعب هذا التمثيل المتعدد دورًا فى رفع السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب؟
- بالتأكيد، وهناك لجنة رسمية عملت فى هذا الاتجاه برئاسة وزير الخارجية، وتواصلت مع البرلمان والنواب، واستقبلنا ٤ وفود أجنبية، من مجلسى الشيوخ والنواب الأمريكيين، وأطلعناهم على المعلومات والحقائق، فيما يتعلق بالأوضاع فى السودان، وإسهاماته فى مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وإيواء اللاجئين، ما عكس الدور الإيجابى للسودان فى المنطقة، وانسجامه مع السياسات والتوجهات الدولية، فى معالجة مثل هذه القضايا.
■ هل أثرت هذه التطورات الأخيرة على نشاط البرلمان السودانى؟
- العلاقات البرلمانية بين السودان والصين، شهدت حركة واسعة فى الآونة الأخيرة، خاصة بعد رفع العقوبات، ومساهمات البرلمان فيها بشكل فاعل، كما أن رئيس البرلمان السودانى زار الولايات المتحدة أكثر من مرة، والتقى أعضاء فى الكونجرس، ورؤساء لجان، واستقبل فى المقابل عددًا منهم، وهذا التواصل الدولى ساهم فى توضيح الصورة، وإزالة الملابسات، التى شكلت أفكارًا مناوئة لسياسة السودان.
ومع توسع أدوار البرلمانات فى السنوات الأخيرة، ظهر ما يعرف فى العالم باسم «الدبلوماسية البرلمانية»، التى أصبح لها دور فاعل على مستوى العلاقات والساحة الإقليمية والدولية، لذا فإن لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان السودانى، واللجان الاقتصادية بمسمياتها المختلفة، أصبحت تلعب دورًا بارزًا فى تطوير علاقة السودان الدولية، وانفتاحه على المستويين السياسى والاقتصادى.
وفى الآونة الأخيرة، تطورت العلاقات بشكل كبير مع عدد من الدول، على مستوى إفريقيا والمنطقة العربية، وتلقى رئيس البرلمان عددًا كبيرًا من الدعوات لزيارة عدد من دول العالم، وكانت آخر زياراته إلى دولة بيلاروسيا، مع وفد كبير من الاقتصاديين ورجال الأعمال، ونتج عن ذلك توقيع عدد من الاتفاقيات التى تحقق مصالح البلدين وتضمن التعاون فى المجال الاقتصادى. ومن المقرر أن يخاطب البرلمان عددًا من رؤساء الدول ودعوتهم لزيارة البلاد فى الفترة المقبلة، ما يمنح السودان دورًا أكثر فاعلية على المستويين الدولى والإقليمى.