رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مهنية «بُص أمك»!


تراجعت وكالة «رويترز» عن تقرير نشرته حول قيام الولايات المتحدة بحظر شحن البضائع إليها من مطار القاهرة، واعترفت بأنها اعتمدت على معلومات «غير دقيقة وقديمة». وسبق أن استخدمت «فرانس ٢٤» الاسم الشعبي لـ«الخصيتين» في عنوان قصة خبرية. وطرح الموقع العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، BBC، في عنوان تقرير، سؤالًا يليق بمهنيتها ورصانتها: هل أصبحت «بُص أمك» أسلوب حياة في مصر؟!.

بهذا الشكل، لا نعتقد أننا نبالغ لو قلنا إن «بُص أمك» أصبحت هي أسلوب أو صيغة تعامل وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الأجنبية، مع كل ما يتعلق بالشأن المصري. وعليه، لم تكن وزارة الطيران المدني موفقة، حين قامت بتغليب حسن النية، وأعربت، في بيان، عن «أسفها لقيام بعض المراسلين بإرسال معلومات قديمة وغير دقيقة لوكالاتهم للإضرار بسمعة الأمن في مطار القاهرة وأجهزته». على أن حسن النية ما عاد يصلح لتفسير إصرار وكالات أنباء وصحف من المفترض أنها رصينة (وفي قولٍ آخر عريقة)، على الاستعانة بـ«زبالين» ثبت بدل المرة ألف مرة أنهم يرسلون لها أي «كلام فارغ» يجدونه على الأرصفة، المصاطب أو المقاهي!.

ما عاد تغليب حسن النية يصلح، بعد ثبوت أن وكالات الأنباء والصحف الأجنبية الأكثر رصانة ومصداقية وموضوعية، تتخلى عن رصانتها ومصداقيتها وموضوعيتها وتخلع كل «كل» شيء، حين تتناول حدثًا أو قضية أو شائعة تتعلق بمصر. ووصل الأمر حد إقحام سيرة مصر في تناولها لأحداث لا علاقة لنا بها. وتكفي الإشارة، مثلًا، إلى ذلك الحول «الذهني»، الذي أصاب جريدة الـ«جارديان»، وجعلها تزعم أن «مصر أعادت بناء ديكتاتوريتها الحاكمة مرة أخرى»، في تقرير نشرته، يوم الإثنين، عن مظاهرات تشهدها تونس، بسبب ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الأجور وزيادة أسعار السلع والخدمات!.

قبل أن نسمع الأستاذ باسم مرسي، مهاجم الزمالك، يقول: «مش متابع والله». ومن باب الاحتياط، الواجب، نشير إلى أن «بُص أمك» أغنية مصورة (بالعربي، فيديو كليب) كانت دعاية لفيلم اسمه «سلك عريان»، وكان لصاحبة الأغنية من اسم الفيلم نصيب، وكذا كل مَن شاركوها الكليب، وكلهم محبوسون حاليًا، على ذمة اتهامهم بالتحريض على الفسق وخدش الحياء العام، وستحدد محكمة جنوب الجيزة مصيرهم في ٢٧ فبراير المقبل. وفي المقابل حققت الأغنية شهرة عالمية، ولفتت انتباه الـ«BBC»، ذات نفسها، وبـ«جلالة قدرها»، وحاولت أن تخرج منها، من «بُص أمك» بدلالات وأبعاد اقتصادية، اجتماعية وسياسية!.

في التقرير، الذي طرح عنوانه السؤال، السابق ذكره، وجدت «BBC» في مصر من يرى هذه الظاهرة «فنًا جريئًا» يعبر، عن واقع الحال حولهم، وتجربة جديدة لتفريغ المشاعر السلبية عن طريق «لغة» أصبحت لسان حال الكثيرين في المجتمع، خاصة الشبان والشابات. وأن الأمر لم يقتصر على رواج تلك الأغاني فحسب، بل إن «بعض الشباب استعار كلماتها للتعليق والسخرية من قضايا راهنة». ووجدت «BBC» أيضًا، مدرس طب نفسي في جامعة الزقازيق، لا يستحق ذكر اسمه، ربط تلك الظاهرة بحالة الغضب والإحباط في المجتمع، وقال إنها «من تجليات الغضب بسبب أوضاع اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية». وأن المناخ أصبح مهيأ لتلك الأغاني بسبب «تغييرات سياسية كبيرة خلال السنوات الماضية بعد ٣٠ عامًا من حكم مبارك».

لن أقول لطبيب «BBC» النفسي: «أدّيك تقول ما أخدش»! أقصد، لن ألفت نظره إلى أن أغنية أحمد عدوية الشهيرة، وغيرها من أغانيه وأغاني غيره الشبيهة، ظهرت قبل أن يحكم مبارك بعشر سنوات على الأقل، وإنما أحيله إلى أغنيات عشرينيات القرن الماضي، وبينها أغنية الآنسة مفيدة أحمد «خد لك يوم وأنا ضامنة التاني»، وأغنية آسيا ندا «سرير النوم»، ورائعة حبيبة مسيكة «على سرير النوم دلعني». بل إن هناك أغنية تقول كلماتها «يا منجِّد علِّي المرتبة، واعمل حساب الشقلبة». ووصل الأمر إلى أن يكون في إحدى أغاني تلك الفترة مقطعًا يقول «وإن كنت خايف من جوزي، حشاش وواكل داتورا.. وإن كنت خايف م البواب، أعمى ورجله مكسورة»!.

بالمناسبة، لا تزال «BBC»، مستمرة في التدليس، وتواصل نشر ما زعمت أنها وثائق بريطانية سرية، حصلت عليها حصريًا. وسبق أن أوضحنا أن المشكلة ليست في الأوراق، أو الوثائق المزعومة، بفرض صحتها، ولا تتعلق بما جاء في محضر الجلسة، لو سلّمنا بدقة تسجيله، وإنما في التدليس الذي لا أصل له في تلك الأوراق، الأمر الذي لا يمكن ردّه إلى التأويل المفرط، أو إلى سوء في الفهم، وإنما إلى سلامة القوى العقلية لمحرر «BBC»، التي جعلته ينسب أفعالًا إلى الرئيس أنور السادات، زعم أنها حدثت في أغسطس سنة ١٩٨٢، أي بعد وفاته، بـ١٠ شهور، قبل أن تقوم إدارة الموقع بتدارك الكارثة!.

سبق أن أشرنا، مرارًا وتكرارًا، إلى طبيعة الدور الذي لعبه «ويلعبه» عدد من مراسلي الصحف ووكالات الأجنبية بالقاهرة، في ضوء معلومات ووثائق، كشفت أو فضحت أنهم استغلوا «الصفة» في جمع معلومات لصالح جهات سياسية، أمنية أو مخابراتية. أو بصيغة أوضح، «اشتغلوا مخبرين»، ومشّيها مخبرين. وجاء السؤال العبقري الذي طرحته «BBC»، ليؤسس نظرية جديدة في الإعلام: نظرية «بُص أمك»!.

بثبوت أن نظرية «بُص أمك» أصبحت أسلوب التعامل المعتمد لدى غالبية وسائل الإعلام الأجنبية، كان طبيعيًا أن تعتمد ذلك الأسلوب في تناولها لقصة الأستاذ الحاج الفريق سامي عنان، وأن تقوم بتوظيفها سياسيًا، مع أنه ارتكب مجموعة جرائم، بعضها عسكري والآخر جنائي.