رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد فودة يكتب: مؤتمر «نصرة القدس» الحجر الذى حرك المياه فى البئر الراكد

الطيب وفودة
الطيب وفودة

قد يعتقد البعض أن مؤتمر الأزهر لنصرة القدس قد مر علينا مرور الكرام بسبب انعقاده فى نفس توقيت مؤتمر "حكاية وطن"، ولكن الحقيقة على العكس من ذلك تماماً فمؤتمر نصرة القدس بما حمله من رسائل مهمة وجهها المشاركون فيه الى جميع أنحاء العالم تحول الى ما يشبه الحجر الذى تم القاؤه فى البئر الراكد فتحركت المياه بشكل لافت للنظر كما أنه كلما مر عليه الوقت ظهرت ملامحه اكثر واكثر بل ازداد قوة وتأثيرا فى الرأى العام الدولى خاصة أن أعماله كانت قد انطلقت بمشاركة عربية وإسلامية ودولية رفيعة المستوى وبحضور ممثلين من 86 دولة وبرعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي وكانت كلمة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب فى الجلسة الافتتاحية بمثابة كشف حساب وضح فيه فضيلته دور الأزهر على مر العصور تجاه القضية الفلسطينية والموقف الثابت بشأن القدس الشريف فضلاً عن ذلك فقد بعث الطيب بعدة رسائل أبرزها اقتراح إعلان العام الجاري 2018 عامًا للقدس الشريف تعريفًا بالقدس ودعمًا ماديًا ومعنويًا للمقدسيين حيث طالب الشيخ الطيب المنظمات الإسلامية وعلى وجه الخصوص جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمنظمات العربية ومنظمات المجتمع المدني بالتعريف بالقدس من خلال تنظيم عدة أنشطة ثقافية وإعلامية بشكل متواصل.
ولم يغفل الشيخ الطيب خطورة الوضع الراهن فى القدس مؤكداً أن كل احتلال إلى زوال إنْ عاجلًا أو آجلًا مشيراً الى أن هذه حقيقة كونيَّة وسُنَّة إلهيَّة مضيفاً: واسألوا التاريخ والكيان الصهيوني ليس هو من ألحق بنا الهزيمة في حرب 48 أو نكسة 67، ولكن نحن من صنعنا هزيمتنا بأيديا وتعاملنا بالهزل في مواقف الجد، وكنا أمه متفرقة. أما الرسالة الثالثة التى تضمنتها كلمة شيخ الأزهر قوله اننا دعاة سلام.. وعلينا امتلاك القُوَّة التي تُرعِب العُدوان وتَكْسر أنفه وتُرغِمه أن يعيد حساباته ويُفكِّر ألف مرَّة قبل أن يُمارس عربدته وطُغيانه واستهتاره واستبداده. واشار فضيلته الى رسالة مهمة وهى أن مؤتمر الأزهر لنصرة القدس يمكن أن يسفر عن نتائج عملية غير تقليدية، ويختلف كثيرًا عن سابقيه، خاصة بعد بدء العد التنازلي لتقسيم منطقة الشرق الأوسط وتفتيتها وتجزأتها. بينما شدد على ضرورة إعادة الوعي بالقضية الفلسطينية عامةً وبالقدس خاصة،في المقررات الدراسية والتربوية وهو أمر مهم وبكل تأكيد سوف يأتى بنتائج ايجابية ، وفى نفس السياق تضمنت كلمته رسالة شديدة الأهمية تتعلق بأنه على الأمة العريبة أن تنبه نخبها أنها أمة مستهدفة في دينها وعيشها وفي أنفسها وقدراتها وليس أمامها إلا أن تعتمد على سواعدها لافتا الأنظار الى أنه ليس لنا أي عذر أمام الله وأمام التاريخ في أن نبقى ضعفاء مستكينين متخاذلين وفي أيدينا كل عوامل القوة ومصادرها المادية والبشرية.
واعاد فضيلته الى الأذهان الدور الذى لعبه الأزهر فى دعم القدس منذ حرب 48 وحتى عام 1988 بتنظيم 11 مؤتمرًا، حضرها وشارك فيها علماء المسلمين من كل أنحاء العالم قدموا فيها أبحاثًا في غاية الدقة عن القدس وتناولت القضية من وجهات نظر متفاوته ولكنها تصب جميعها فى هدف واحد وهو أن القدس خطاً أحمر ما يجب تجاوزه وفى نفس الوقت دعا فضيلته فى خطابه التاريخى إلى سلام مدعوم بالعدل.. سلام لا يعرف الظلم.. بينما نحن أمام عدو لا يعرف إلا القوة والعنف .. واخر رسالة تضمنها خطاب شيخ الأزهر أن أي ظلم لابد أن ينتهي فنهاية الظالم معروفة ومعلومة مهما طال الزمن والاحتلال الصهيوني دمر معالم الكنائس في فلسطين والحضارة الإسلامية في القدس أيضًا.
وإحقاقاً للحق فإن موقف الدكتور أحمد الطيب تجاه الأزمة الحالية في القدس ليس الأول من نوعه حيث يذكر التاريخ عددًا من المواقف والقرارات التي اتخذها تجاه القضية الفلسطينية بأكملها منذ توليه منصبه وتتمثل أبرز هذه المواقف في قوله أن الأزهر لا يمكن أن يجلس مع من يزيفون التاريخ ويسلبون حقوق الشعوب .
بتلك الكلمات برر شيخ الأزهر رفضه طلبا رسميا من نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، للقائه في 20 ديسمبر الماضي، وذلك فى اعقاب اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل ففى تلك الأثناء كانت السفارة الأمريكية بالقاهرة قد تقدمت بطلب رسمي لترتيب لقاء لنائب الرئيس الأمريكي مع الدكتور أحمد الطيب بصفته شيخ الأزهر وذلك خلال زيارته للمنطقة ووافق فضيلته على ذلك الطلب ولكنه قبل خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن أن "أبواب جهنم" ستفتح على الغرب حال إقدام الولايات المتحدة على نقل سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس وعلى خلفية القرار الأمريكي المشئوم دعا شيخ الأزهر لعقد مؤتمر عالمي عاجل حول القدس بمشاركة كبار العلماء في العالم الإسلامي ورجال الدين المسيحي والمؤسسات الإقليمية والدولية المعنية، لبحث اتخاذ خطوات عملية تبطل شرعية هذا القرار المرفوض.
واستكمالاً لهذا التوجه جاءت خطبة الجمعة عقب إعلان ترامب اعتبار القدس عاصمة إسرائيل في الجامع الأزهر عن القدس الشريف وهويته العربية تنفيذًا لطلب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.
وبعيداً عن تلك الرسائل المهمة التى تضمنتها كلمة فضيلة الامام الأكبر فإن أهمية المؤتمر تمثلت أيضاً فى قوة ما تضمنته الجلسة الافتتاحية فالى جانب كلمة شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين تحدث الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطي و البابا تواضروس بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية والدكتور يوسف بن أحمد العثيمين الأمين العامّ لمنظمة التعاون الإسلامي و أحمد أبو الغيط الأمين العامّ لجامعة الدول العربية.
فهذه الكوكبة من الشخصيات الكبيرة والمهمة التى تحدثت قى افتتاح المؤتمر جديرة بالاحترام والتقدير من كافة أنحاء العالم.