رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: السيسي.. من شرعية الإنقاذ إلى شرعية الإنجاز

محمد الباز
محمد الباز

كان يمكن للمواطن عبدالفتاح السيسى أن يخلد إلى الراحة بعد أن أعلن بيان ثورة ٣٠ يونيو، فهو القائد الذى استجاب لشعب يتطلع إلى التحرر من قيود جماعة إرهابية حكمته فى غفلة من الزمن، وضع الجيش فى مكانه الطبيعى، سندًا وداعمًا ومؤيدًا ومدافعًا عن جماهير أدركت فى لحظة تاريخية أن وطنها يتم اختطافه، ولا بد من قطع يد خاطفيه.
كان يمكنه أن يخرج على الشعب المصرى مخاطبًا قلبه قبل عقله.
وقتها ما كان لأحد أن يلومه لو قال إنه أدى ما عليه، وهذا يكفيه، وهو ما كان يفكر فيه بالفعل، لكن، ولأنه كان يعرف قبل الشعب أن الخطر لا يزال قائمًا، فالمعركة لم تنته بعزل الرئيس الإخوانى بل كانت تبدأ بالكاد، طلب من المصريين أن يمنحوه تفويضًا وأمرًا بأن يواجه الإرهاب المحتمل.
لم يكن الإرهاب محتملًا.. كان قائمًا.
نزلت الملايين تقول له كلمة واحدة: فوضناك، ولأن المعركة طويلة، طالبوه بأن يكون رئيسًا، ليس من باب التكريم، ولكن من باب الإحساس المتعاظم بالخطر.. ولم يكن من قالوا إنه مرشح الضرورة ورئيسها يخاصمون الواقع.
دخل السيسى قصر الاتحادية رئيسًا لمصر فى يونيو ٢٠١٤ وهو يستند إلى شرعية الإنقاذ، فقد كان قائد المعركة الأهم فى تخليص الشعب المصرى من مخالب جماعة إرهابية.
لم يخدع السيسى الشعب، لم يقُل إنه يملك سلاحًا أسطوريًا، سيقضى به على الإرهاب بين يوم وليلة، استنهض همم الجميع، وقال لهم: سنحارب معًا، وسنتحمل معًا، وسنقدم تضحيات كثيرة معًا، وهو ما حدث ولا يزال يحدث، وكم كان غريبًا أن يقول خصومه وخصوم هذا الوطن إن الإرهاب حجة يستند إليها النظام ليستمر، دون أن يعترفوا بأن ما يرونه بأعينهم حقيقى، وأن شياطين الإرهاب التى لا تكف عن الأذى تصر على تخريب المدينة كلها، حتى تعود إلى الحكم مرة أخرى.
لا يمن السيسى على الشعب المصرى أنه كان قائد معركة الإنقاذ، وهذه هى أخلاق العسكرية المصرية التى لا تفارقها، فالجيش يملكه الشعب، ما يراه الشعب شرعيًا، يتعامل معه رجال القوات المسلحة على أنه كذلك، ولذلك لا تتعجب عندما تسمع من الرئيس أن ما قام به فى ٣٠ يونيو و٣ يوليو لم يكن إلا حق الشعب المصرى على جيشه.
كان يمكن أن يرتكن السيسى طوال السنوات الأربع الأولى إلى شرعية الإنقاذ، وبالمناسبة كانت تكفيه جدًا، كان يمكنه أن يدخر كل جهده وجهوده فى محاربة الإرهاب فقط، لكنه قرر أن يبنى، وأعتقد أن كثيرين مرّ عليهم أن يقوموا بالتوصيف الحقيقى للمرحلة التى تعبرها مصر الآن.
التوصيف ليس من عندى، بل قاله السيسى فى واحدة من الندوات التثقيفية التى عقدتها القوات المسلحة، والتى حضرتُها فى الشهور الأولى من توليه الحكم فى مصر، واعتقدتُ أن الصحف ستلتقط التعبير وتجعل منه شعارًا للمرحلة، لكنه فات على كثيرين.
قال السيسى: نحن نخوض حرب «البقاء والبناء».. سجلتُ التعبير فى أوراقى، وظللت أرقب ما يحدث على الأرض خلال السنوات الماضية، فما وجدته لم يخرج عنه أبدًا.
رأيت ذلك واضحًا فى كل مرة تضربنا يد الإرهاب الغاشمة، فترد عليها قواتنا المسلحة ورجال شرطتنا.
ورأيته فى كل مرة يقف ممتنًا وشاكرًا ومقدرًا جهود الأبطال الذين لا يترددون فى تقديم أرواحهم من أجل أن نبقى أحياء آمنين مطمئنين.
آلاف المواقف والأحداث التى لم يكن لها سوى معنى واحد، وهو أن هناك من يضع معركة البقاء نصب عينيه.
وكنت كلما حضرت افتتاح واحد من المشروعات الكبيرة على طول مصر وعرضها، أعرف أنّ مَنْ نذر نفسه لمعركة البقاء، لم ينسَ البناء أيضًا.
لم يختلف السيسى ٢٠١٤ عن السيسى ٢٠١٨.
فى ٢٠١٤ كان يتحدث عن المستقبل الذى لا بد أن يمتلكه المصريون ولا يفلتوه من بين أيديهم.
فى ٢٠١٨ لا يزال يتحدث نفس الكلام تقريبًا عن المستقبل الذى لا بد أن نقاتل من أجله وندافع عنه، لأنه ليس ملكنا فقط، ولكن ملك أجيالنا القادمة، التى لن ترحمنا إذا قصّرنا فى حقها.
الفارق أنه الآن يتحرك بشرعية الإنجاز فى المعركتين، ما بذله من أجل البقاء، وما قام به من أجل البناء.
الفكرة هنا ليست مطروحة لمن يشككون فى كل إنجاز تم على أرض مصر، لا لشىء إلا لأن السيسى يقف وراءه، فهؤلاء أمرهم بيّن وهدفهم معروف، خصوم فى معركة لن يقبلوا بشىء إلا بما يريدون، ولن يعترفوا بشىء إلا بما يقصدون، ولذلك فكلامى ليس معهم.
كلامى مع من خرجوا بالملايين فى ٣٠ يونيو معلنين الثورة على حكم الإخوان، و٣ يوليو مواصلين هتافاتهم بلا خوف ولا تردد ضد لصوص الأديان والأوطان، و٢٦ يوليو مفوضين الجيش وقائده للذود والدفاع ومحاربة الإرهاب.
هؤلاء من قاموا بتغيير وجه التاريخ، وكان طبيعيًا أن يدفعوا الثمن، صمدوا فى وجه الريح، فقام خصومهم بتشكيكهم فى كل شىء حتى يهزموهم من الداخل، فتسهل بعد ذلك السيطرة على كل شىء.
يمكن أن تعتبر ما أقوله هنا دعاية مباشرة لعبدالفتاح السيسى، الذى أعلن رسميًا ترشحه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهذا حقك.. وحقى أيضًا أن أعلن ما أراه صحيحًا، لكن الأهم من رأيى ورأيك هو الحقيقة التى نمسك بها ونراها ولكننا فى الوقت نفسه نستجيب لمن يشككنا فيها، وهذه مصيبتنا الكبرى.
لقد أصبحنا نصدق ما نسمعه أكثر من تصديق ما نراه.. وهو ما يريده خصومنا.
فاعملوا من أجل أنفسكم ولا تمنحوا أعداءكم بأيديكم فرصة القضاء عليكم.