رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. وثالثهما «جنينة»!


 

الجنينة أو الحديقة هي ذلك المكان الذي كانت تذهب إليه الأسرة المصرية في الإجازات للفسحة: «حانروح الجنينة ونشبّك إيدينا». وفي زمن مختلف، تحولت إلى مرتع لـ«الصبيان والبنات» يمارسون فيه «قلة الأدب» أو الأفعال الفاضحة، الخادشة للحياء، كما يصفها القانون: «أنا وحبيبي في جنينة.. والورد مضلل علينا». ولك أن تتخيل ما يمكن أن يحدث في وضعٍ كهذا، بين ولد وبنت، أو رجل وامرأة، ثالثهما الشيطان، الذي اتفق «أهل العلم» على أنه «شاطر» و«قليل الأدب»!.

لا تتسرع، كالعادة، وتعتقد أننا سنتحدث عن أوضاع «جنانين مصر» وما طرأ عليها من تغيرات، أو عن ورودها التي تفتحت أو ذبلت، لأن «جنينة» المقصود، في العنوان، هو شخص (أي إنسان) يحمل هذا اللقب، اسمه «هشام» كان ضابط شرطة، ثم قاضيًا، وأنهى حياته العملية مُقالًا (أي معزولًا) من رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات. وليس صحيحًا أن هناك علاقة ربطته (أو تربطه) بجماعة الإخوان غير المصلحة، بالضبط كما حاول أن يتمحك سابقًا في نظام مبارك، وجمال مبارك. وكما حاول، جاهدًا، تقديم فروض الولاء والطاعة للرئيس عبدالفتاح السيسي، فقيل له «يحنّن». وأخيرًا، سمعنا «ألا أونا.. ألا دو.. ألا تري» واختاره الأستاذ الفريق الحاج سامي عنان نائبًا لشئون حقوق الإنسان وتعزيز الشفافية وتفعيل الدستور!.

ظنّ البعض أن الأستاذ المستشار قادر على تنظيف «الكورة» أو «الحاج الفريق»، بعد انتشالها أو انتشاله، من المستنقع. وأذكّرك لو كنت نسيت أن أيمن نور كان قد قام بتشكيل فريق «كورة شراب» لم يبق منه، بعد فشله، غير توابعه أو فضائحه، ومنها الفضيحة التي تورط فيها الأستاذ الفريق «سامي عنان» وكان هو «الكورة»، التي سقطت في المستنقع، ثم رأيناها مؤخرًا على «سِن» حذاء حازم حسني، النائب الأول للفريق ومتحدثه الرسمي. وكشفت «مصادر مقربة» من الأستاذ المستشار، لجريدة «العربي الجديد» الإخوانية، عن أن الحاج الفريق «تعهد كتابيًا بإعادة التحقيق في جميع قضايا الثورة، من بينها القضايا التي ورد ذكر اسمه فيها كمتهم، على أن يشرف جنينة بنفسه على تلك التحقيقات، ليضمن نزاهتها، في حال فوز عنان».

مصادر الجريدة، التي تموّلها الأستاذة «موزة» وولدها «تميم» عبر وكيلهما عزمي بشارة، أوضحت أن هذا التعهد جاء «ردًا على الانتقادات التي وجهها عدد من نشطاء ثورة يناير لجنينة بعد انضمامه إلى حملة عنان، في ظل توجيه اتهامات عدة للأخير بصفته نائب رئيس المجلس العسكري إبان ثورة يناير ٢٠١١ والفترة الانتقالية التي تبعتها، وفي مقدمة تلك الاتهامات قتل الثوار». وشدّدت المصادر على أن «هذه الجزئية كانت حاضرة بقوة خلال المناقشات التي دارت بين عنان وجنينة، وبنتيجتها تم الاتفاق على تعهد عنان بإعادة التحقيق بقضايا الثورة والاتهامات الموجهة له»، مشددة على أن «عنان أكد خلال تلك الوثيقة أنه في حال ثبتت إدانته خلال تلك التحقيقات التي سيشرف عليها جنينة، لن يتوانى في تنفيذ نصوص القانون بشأنها»!.

الذين اعتقدوا أن الأستاذ «جنينة» يغسل أكثر بياضًا، استندوا إلى أسطورة، شاعت وانتشرت، بالتضليل والتدليس والتطبيل، تزعم أنه أقيل من الجهاز المركزي للمحاسبات لأنه حارب الفساد، وبنوا تلك الأسطورة على أنه «قال»، في حين أكدت الأوراق الرسمية أنه نفسه قال «ما قلتش». قال أمام المستشار خالد ضياء، المحامي العام لنيابة أمن الدولة العليا: «محصلش الكلام ده» وأكد أن «ما نشرته الجريدة غير صحيح». وفي تلك القضية، أدانته محكمة جنح مستأنف القاهرة الجديدة، وقضت بحبسه سنة مع إيقاف التنفيذ وبغرامة قدرها ٢٠ ألف جنيه.

أيضًا، قبل شهور، تحديدًا يوم الأربعاء ٨ مارس ٢٠١٧، مرّ في هدوء حكم أصدرته جنايات الجيزة ببراءة الزميلة رانيا سيد محمد عامر ورئيس تحرير جريدتها، «اليوم السابع»، في الدعوى التي اختصمهما فيها الأستاذ «جنينة». وكان المعنى المباشر لهذا الحكم، مع الحكم السابق، أن الأستاذ المستشار كذب مرتين: كذب حين قال، ونقلت عنه رانيا، إن «تكلفة الفساد في مصر ٦٠٠ مليار جنيه خلال عام ٢٠١٥». وكذب مرة أخرى حين ادّعى أنه لم يقل ذلك، واتهم رانيا بأنها اختلقت ذلك التصريح. وطبعًا لست في حاجة إلى توضيح أن ذلك التصريح هو الذي قامت عليه الأسطورة، وأن «جنينة» وصبيانه وحلفاءه تاجروا به وما زالوا.

في دعواه، اتهم «جنينة» زميلتنا الصغيرة بأنها نشرت أخبارًا كاذبة من شأنها الإساءة إلى الجهاز المركزي للمحاسبات ورئيسه. وهو اتهام لو صح لعوقبت زميلتنا الصغيرة بالعقوبة نفسها التي عوقب بها السيد المستشار، وربما مع التنفيذ. وغير أن الحكم أثبت أن الأستاذ المستشار كذب، مرتين، فقد أثبت أيضًا أن صبيان الرجل والمحيطين به، مصابون بالفصام (والفصام مرض نفسي) إذ استنكروا تقديمه للمحاكمة عن تهمة، وجههّا هو نفسه إلى آخرين، وكأنهم رأوا على رأسه «ريشة»، لم يجدوها على رأس زميلتنا الصغيرة ورئيس تحريرها. أما المغيبون، المضللون، أو المغسولة أدمغتهم، فمعذورون بجهلهم. والخلاصة، هي أن الأستاذ المستشار كذب، فأدانته محكمة. وكذب ليتبرأ من أكاذيبه، فأثبتت كذبه محكمة أخرى.

..ولا يبقى غير الإشارة إلى أن سنة ١٩٦٠ صدرت رواية «الحرام»، التي كشف فيها العظيم يوسف إدريس كيف أن «الحرام» في «القرية» قد يصبح مجرد «عيب» في «المدينة». ثم جاءت أيام سوداء ظهر فيها متثاقفون، «ممحونون»، ومتثورجون، يصفقون ويطبلون للكذابين والمنافقين وفاعلي «الحرام» وأولاده، بزعم أنهم مناضلون، وحراس للقيم!.