رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قصة عودة جثمان «محمد فريد» على يد الحاج خليل تاجر القماش

«محمد فريد»
«محمد فريد»

محمد فريد.. الزعيم الثوري، الذي أنفق حياته وماله في خدمة وطنه، فعاش عزيزًا في أهله، ومات غريبًا خارج وطنه، فقد أنفق فريد، كل ما لديه من ثروات، تلك الثروة، التي جمعها بالكفاح والتعب، فإيمانه بوطنه، وحبه الشديد له، جعله لا يرى سوى مصلحة مصر، التي أصبحت هوسه وعشقه، منقطع النظير.

وبالرغم التضحيات، التي قام بها الزعيم محمد فريد من أجل وطنه، حيث قضى حياته مطالبًا باستقلال بلاده، وجلاء الاحتلال عنها، ووضع دستور يرعى مصالح المصريين، ولا يجور عليهم، إلا أن يد الاحتلال الأثمة، استطاعت أن تجعل «فريد» يموت في أوروبا فقيرًا غريبًا عن أرضه ووطنه، ولم يجد أهله في مصر مالًا كافيًا، لنقل جثمانه إلى أرض الوطن، إلى أن علم الحاج خليل عفيفي، تاجر القماش المصري، بما حدث مع الزعيم محمد فريد، الذي أفنى حياته في سبيل وطنه، فتولى نقل جثمان فريد على نفقته الخاصة.

لم يكن دور الزعيم محمد فريد في خدمة وطنه ماديًا ومعنويًا، بقليل حتى يتركه أبناء وطنه يدفن في بلاد غريبة بعيدًا عن أهله، ولم يكن الشعب المصري بجبان، ليترك الزعيم، الذي لطالما ضحى بحياته وماله في سبيل الدفاع عن وطنه وحرية شعبه، فالشعب المصري، المعروف دائمًا بكرمه الشديد، وصونه الجميل، لأي شخص، فكيف يمكن أن ينسى دور زعيمه محمد فريد، فبينما علم الحاج خليل عفيفي ما حدث مع الزعيم محمد فريد، وأن أسرته لا تملك المال اللازم لتعيد جثمانه إليها، حتى باع كل ما يملك وسافر لإحضار جثمان فريد.

«الحاج خليل عفيفي» تاجر الأقمشة المعروف، الذي عاش بمنطقة المنتزه، تلك المنطقة التي تعد أشهر مناطق بمدينة الزقازيق داخل عمارته، التي عرفت بـ«عمارة حتحوت» الأثرية التي بناها على أكتافه دون مساعدة أحد، ولم يتردد أن يبيعها عندما علم بوفاة الزعيم محمد فريد، السياسي المصري، في دولة ألمانيا في 15 نوفمبر عام 1919 عن عمر 52 عامًا.

وصية «فريد» بطلبه العودة إلى وطنه إذا توفي، كان ذلك الدافع الأكبر، لابن الزقازيق الحاج خليل أن يستغنى عن كل الأموال في سبيل عودة جثمان «فريد» إلى وطنه بعد علمه وفاة فريد في ألمانيا غريبًا عن وطنه، بعدما اشتد عليه المرض، حيث أوصى فريد قائلًا: «لقد قضيت بعيدًا عن مصر سبع سنوات فإذا مت فضعوني في صندوق واحفظوه في مكان آمن حتى تتاح الفرصة لنقل جثتي إلى وطني العزيز الذي أفارقه وكنت أود أن آراه»، فيما قرر على أثرها «عفيفي» للسفر بعد موافقات عدة لنقل رفاته إلى مصر بعد حفظ الجثمان داخل صندوق حديدي في إحدى كنائس برلين.

لم يخلو طريق الحاج خليل من العقبات والصعوبات، قبل عودته إلى الوطن بجثمان الزعيم محمد فريد، فقد تجاوز السبع أشهر، لنقل رفاته، بجانب أنه كان في حاجة إلى أموال طائلة لنقل الجثمان من برلين إلى القاهرة، بالإضافة إلى أنه واجه رفض من قبل الحكومة البريطانية المحتلة لمصر آنذاك، إلا أن الحاج خليل استطاع تجميع 5 آلاف جنيه، تكلفة نقل جثمان فريد، إلا أنه فور وصوله إلى ألمانيا أصيب بالتهاب رئوي حاد مما دفع الزعيم سعد زغلول، لإرسال طبيبه الخاص له ليشرف على علاجه، وعقب سفره إلى باريس اندلعت مظاهرات ضخمة استمرت نحو شهر، وبعد استقرار الأحوال، فوجئ بتعنت ألمانيا لأن القانون الألماني يمنع نقل الرفات خارج البلاد.

ولم يستسلم الحاج خليل لتلك القوانين الظالمة، التي وضعت لتمنع نقل جثمان فريد، حتى التقى بعدد من المصريين، الذين ساعدوه على أخذ الموافقات لنقل جثمان فريد، وبالفعل حصل على التصريحات وتم نقل الجثمان من ألمانيا إلى النمسا ثم إلى إيطاليا وقطع شوطًا كبيرًا، ليصل إلى ميناء الإسكندرية بعد حوالي 8 أشهر مصاحبًا الجثمان عام 1920، حيث كان يرافق الجثمان في غرفته على متن السفينة ونام بجوار الصندوق حتى لا يعبث به أي شخص، موضحًا أن وقتها عاد والدها إلى مدينة الزقازيق ونكست المنازل بالأعلام وتم الاحتفال به وتسلمه نيشان الوطنية من الحكومة، فضلًا عن حصوله على خاتم خاص كرمه به الأمير عمر طوسون، رئيس لجنة استقبال الجثمان وعند وفاته خرج الآلاف في جنازة مهيبة لم تخلو منها جميع طوائف الشعب المصري عام 1923.