رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مئوية عبدالناصر والعدالة الاجتماعية




فى الخامس عشر من يناير، احتفل المصريون وعدد كبير من الدول العربية ودول العالم بالذكرى المئوية لميلاد الزعيم جمال عبدالناصر، وتناولت الاحتفالات ثورة ٢٣ يوليو وحلم الاستقلال والكرامة والعدالة الاجتماعية والتحرر الوطنى ومزايا هذه الفترة ومثالبها.
نختلف أو نتفق مع فترة عبدالناصر مع إنجازاتها وإخفاقاتها، ولكن لن يختلف أحد على انحياز هذه الثورة وانحياز جمال عبدالناصر للطبقات الفقيرة والمعدمة من عمال وفلاحين «وهى الطبقات الفاعلة فى التنمية وبناء الدولة» مع العمل المستمر على تضييق الفوارق بين الطبقات وإعادة توزيع الثروة لتحقيق العدالة الاجتماعية.
تعالوا بنا نتصفح مقدمة دستورنا، الذى أجمع عليه الشعب المصرى عقب ثورتى ٢٥ يناير ٢٠١١ و٣٠ يونيو ٢٠١٣، والتى تقول «وثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ التى قادها الزعيم جمال عبدالناصر، واحتضنتها الإرادة الشعبية، فتحقق حلم الأجيال فى الجلاء والاستقلال، وأكدت مصر انتماءها العربى، وانفتحت على قارتها الإفريقية، والعالم الإسلامى، وساندت حركات التحرير عبر القارات، وسارت بخطى ثابتة على طريق التنمية والعدالة الاجتماعية». واستطاع عبدالناصر تحقيق حلم التنمية فى الزراعة والصناعة، إيمانًا منه بالمثل الشعبى القائل: «اللى ياكل من فاسه قراره من راسه» بمعنى أن استقلال الإرادة الوطنية لا يتحقق إلا بالتنمية والاكتفاء الذاتى. ومن هنا كانت قوانين الإصلاح الاقتصادى، مثل قوانين الإصلاح الزراعى وتوزيع الأرض على الفلاحين الفقراء والتأميم وملكية الدولة للمشروعات الصناعية الكبرى وبناء المصانع وتشغيل العمال ورفع مستوى معيشة الشعب والاعتماد على الذات وحسن استخدام مواردنا الطبيعية والبشرية، وذلك بدلا من الاعتماد على الخارج الذى يُملى شروطه علينا ويتحكم فى قراراتنا. بعد وفاة عبدالناصر انتهج السادات، ومن بعده من الرؤساء، الاعتماد على الدول الرأسمالية الكبرى المتوحشة والاعتماد على سياسة القروض من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والمعونة الأمريكية، ما أدى إلى التبعية والانصياع لشروطهما من إعادة هيكلة الاقتصاد المصرى والتفريط فى القطاع الإنتاجى وبيع القطاع العام وخصخصة الشركات والبنوك بل الخدمات، وبدأت تنشئ شريحة طبقية تعتمد على الولاء للقوى الخارجية ترتبط مصالحها بها وتخضع لشروطها، وعلى رأسها الحفاظ على أمن الكيان الصهيونى المغتصب لأرض فلسطين العربية، شريحة طبقية غير منتجة تقوم على الاستيراد والتصدير مع الجشع ونهب ثروات البلاد، ومع استمرار انتهاج هذه السياسات تدهورت أحوال البلاد والعباد وزادت نسبة البطالة وارتفعت أسعار السلع والخدمات مع ثبات المرتبات التى لا تكفى تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين وتردت جميع الخدمات، خاصة الصحة والتعليم والسكن ووسائل المواصلات، وأصبحنا دولة لا ينبع قرارها من رأسها، وتفشى الفساد فى كل المؤسسات فى كل أنحاء البلاد وزادت الفجوة الطبقية بين البشر. أدت هذه العوامل وغيرها إلى اندلاع ثورتى يناير ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٣، وتجدد حلم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة واستقلال الإرادة الوطنية. ووضع الشعب دستوره الذى احتوى بين صفحاته على مبادئ للعدالة الاجتماعية لم تتحقق حتى الآن، لأن السلطتين التنفيذية والتشريعية لا تعبآن بهذا الدستور، وتخالفه بوضع وإصدار قوانين منحازة انحيازًا صارخًا للشريحة الطبقية العليا، التى استولت على معظم ثروات البلاد، قوانين تحمى المحتكرين من أصحاب الأعمال، وتعمل على تكريس الاحتكار على حساب حماية المنافسة وحماية المستهلك، قوانين تسمح بالمصالحة مع الفاسدين، ناهبى المال العام وثروات البلاد، ما يشجع على المزيد من النهب والفساد.. دعونى أضع أمامكم وأمام النواب والمسئولين عددًا من مواد الدستور، التى تنص على العدالة الاجتماعية، لعلهم يتذكرون.
■ مادة ٨ «يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعى. وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعى بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين على النحو الذى ينظمه القانون».
■ مادة ٩ «تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز».
■ مادة ٣٨ «ويراعى فى فرض الضرائب أن تكون متعددة المصادر وتكون الضرائب على دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقا لقدراتهم التكليفية، ويكفل النظام الضريبى تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة، وتحفيز دورها فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.