رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سلامات يا تونس!


إدارة فاشلة ينخر فيها الفساد، وأزمات سياسية واقتصادية، لم يمنعها التطبيل الغربي وتصفيق التابعين، الضالين، أو المغيبين. ولو لم يكن ما تشهده تونس، منذ الإثنين الماضي، هو الانفجار الذي تولّد عن الكبت، فإن استمرار تردّي الأوضاع، سيقود حتمًا إلى كوارث، لا نملك حيالها إلا أن نكون مع الأشقاء بقلوبنا، وهذا أضعف الإيمان!.

لا يزال الغرب، والتابعون، الضالون والمغيبون، يزعمون أن تونس هي صاحبة النجاح الديمقراطي الوحيد بين دول ما يوصف بـ«الربيع العربي». بينما يقول الواقع إن الشعب التونسي محكوم بـ«الحديد والنار»، وأن تسع حكومات تولت زمام البلاد، لم تتمكن من علاج المشكلات الاقتصادية المتزايدة، التي تزايدت معها ضغوط المقرضين الدوليين لفرض إصلاحات تستهدف خفض عجز الموازنة، الأمر الذي اضطر الحكومة الحالية إلى رفع الأسعار وزيادة الضرائب وفرض أخرى جديدة، وخفض رواتب الموظفين، اعتبارًا من بداية العام الحالي. وكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر المواطن.

هي فعلًا «قشة» لو قورنت بما سبقها من أحمال وأعباء أرهقت ظهر المواطن، وبالتالي كان طبيعيًا ألا تفلح محاولات امتصاص الغضب الاستباقية. وأن تذهب مع الريح تبريرات الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، بأن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في قانون الموازنة كان لابد منها، كما كان طبيعيًا ومنطقيًا أن يقابل التونسيون دعوته إلى مزيد من الصبر لتجاوز المرحلة وتحقيق الاستقرار، بمظاهرات عمّت كل أنحاء البلاد.

شعارات المتظاهرين طالبت بإيجاد حلول لمعضلة البطالة، وتحقيق التنمية الشاملة في المناطق الحدودية التي تعيش أوضاعا اجتماعية صعبة. غير أن الحكومة التونسية، قالت إن ما شهدته البلاد «تخريب وشغب وإجرام» ولا علاقة له بالاحتجاج الديمقراطي على ارتفاع الأسعار وتفشي البطالة. وكان مضحكًا أن يخرج العميد خليفة الشيباني، المتحدث باسم وزارة الداخلية، ليقول إن «الاحتجاج الديمقراطي يكون في وضح النهار وليس في الليل». وبينما طالب «اتحاد الشغل»، ذو التأثير القوي، بزيادة المساعدات المالية للعائلات الفقيرة ورفع الحد الأدنى للأجور سعيًا لامتصاص الغضب الشعبي، كان رد زياد العذاري، وزير الاستثمار، على هذه المطالب بأن «الدولة قوية وتتحمل مسئوليتها ولن تتراجع لأن عددًا من المخربين خرجوا للشارع»!.

مع التطبيل الدولي، وتصفيق المغيبين، كانت هناك مؤشرات كثيرة على الأرض تؤكد أن تونس تحولت إلى دولة مافيا. وأن غالبية مشروعاتها تدار بالفساد. مع انتشار ما يعرف بـ«الفساد الصغير» الذي جعل شرائح واسعة من التونسيين تتعايش مع الفساد الكبير من أجل تسيير شئونها. وزاد الطين بللًا وتحول إلى «روبة» أو «خيبة بالويبة» بتعثر النمو الاقتصادي وارتفاع الديون الخارجية والزيادات المتتالية في الميزانيات المخصصة للمؤسستين العسكرية والأمنية وفقدان الدينار التونسي قيمته أمام الدولار واليورو، وزيادة معدلات البطالة. هذا غير الفساد السياسي واختراق الفاسدين غالبية الأحزاب.

اعتماد الأحزاب في تمويلها على ما يُعرف بالمال الفاسد، كان سببًا في تجنبها فتح ملفات الفساد المتشعبة، وتجاهلها دخول رجال أعمال فاسدين على الخط الحكومي بصفة علنية ورسمية، ليكونوا جزءًا من تركيبة الحكم وفاعلين سياسيين وأصحاب قرار. وتمكنوا من إعادة توزيع «منظومة نهب الثروات الوطنية» بالاستعانة بالوسائل القديمة، وسائل نظام زين العابدين بن على، مع استحداث طرق وفرص جديدة بفعل الصراع على إعادة السيطرة على مخصصات وأصول النظام القديم، وخاصة الشركات الكبرى التي كانت مملوكة لعائلة بن علي. وعليه، كان طبيعيًا أن تنتهي دراسة أجرتها منظمة «إنترناشونال أليرت»، إلى أن حوالي ٩٥٪ ممن استُطلعت آراؤهم قالوا إنَّهم لا يثقون في مؤسَّسات الدولة بسبب زيادة الفساد، وخيبة أملهم في «الثورة».

الواقع قال ذلك وأكثر، وما زال يقول ويكرر، بينما كانت التقارير الدولية والمحلية التونسية، تستفيض في وصف سنة ٢٠١٧ (كما السنوات التي سبقتها) بأنها أكثر السنوات استقرارا في تونس، وتشيد بحملة السلطات التونسية لمكافحة الفساد، وبسيطرة أجهزة الأمن على الأوضاع في البلاد، وباستعادة قطاع السياحة عافيته. وبالصمت المريب، تم التعامل مع حملة اعتقالات، بدأت في مايو الماضي، راح ضحيتها عدد من رجال الأعمال النافذين، الفاسدين طبعًا، كانوا يتصدرون المشهدين السياسي والإعلامي، وتم اعتقالهم بموجب قانون الطوارئ، ومحاكمتهم عسكريًا. ومع ذلك لم يظهر وقتها المتاجرون والمبشرون بـ«الجنة التونسية» المزعومة. كما لم يظهر هؤلاء أيضًا، طوال المظاهرات التي بدأت، الإثنين الماضي، وصدرت فيها الأوامر إلى «قوات الجيش» بالتحرك، وشنت الحكومة التونسية خلالها حملة اعتقالات.

استخدام مصطلح «اعتقال»، هنا، في محله تمامًا. أما الأرقام «المعلنة» فقالت إن عدد المُعتقلين وصل، حتى الآن، إلى حوالي ٨٠٠ بينهم قيادات من المعارضة، في حين نقلت «رويترز» عن المتحدث باسم الداخلية، أنهم ٧٧٨ فقط بينهم ١٦ «تكفيريا» و٤٤ تم ضبطهم في وقائع سرقة أمس و١٥٠ تورطوا في أعمال شغب وتخريب وعنف. وردّت «الجبهة الشعبية»، وهي ائتلاف المعارضة الرئيسي في البلاد، بأن قيادات منها تم اعتقالهم في إطار حملة سياسية واتهمت الحكومة التونسية بأنها «تعيد إنتاج أساليب نظام بن علي القمعية والديكتاتورية».

قد لا يكون ما تشهده تونس، الآن، هو الانفجار، غير أن استمرار تردّي الأوضاع، كما قلنا، سيقود حتمًا إلى كوارث. وقطعًا ستضرب كفًا بكف حين ترى كيانات وكائنات تعيش هناك، تهدر ملايين على وسائل إعلام، هدفها الأساسي والوحيد هو الهجوم على مصر!.